قراءة في حركة الطروحات الأولية

aiBANK

بقلم أحمد رضوان ـ رئيس تحرير جريدة حابي

في صفحة داخلية من هذا العدد، تنشر جريدة حابي تقريرًا عن أداء الطروحات الأولية عالميًّا في النصف الأول من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من 2018، يشير إلى تراجعها على مستوى القيمة والعدد، لكنه يتوقع انتعاشها في النصف الثاني.

E-Bank

يؤكد التقرير الذي أصدرته مؤسسة بيكر أند ماكينزي قبل نحو أسبوع، أن العوامل الجيوسياسية كانت وراء تباطؤ عمليات الاكتتابات الأولية في أسواق المال، ووضع التقرير أمثلة لهذه العوامل، منها الحرب التجارية المشتعلة بين أمريكا والصين، وغموض عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.

ويقوم رهان نمو الاكتتابات الأولية في النصف الثاني من 2019 وفقًا للتقرير على رغبة الكثير من الشركات في جمع أموال تستبق بها موجة الركود التي من المرجح أن يمر بها الاقتصاد العالمي في 2020، لكن التقرير يرى أن فرص نجاح الاكتتابات الجديدة ستعتمد بالأساس على التسعير المتحفظ الذي يضمن رضا المستثمرين عن التقييمات اللاحقة للطرح.

الأسبوع الماضي أيضًا، نقلت بوابة حابي جورنال hapijournal.com عن صحيفة فاينانشال تايمز، تقريرًا مطولًا عن اتجاه الأفراد الأثرياء في الشهور الماضية إلى صفقات الاستثمار المشترك مع مديري الصناديق على حساب توجيه أموالهم لأسهم الشركات المتداولة بأسواق المال من مختلف الآليات.

هذه الاتجاهات سواء الواردة في تقارير مكاتب الاستشارات المالية والقانونية الكبرى مثل بيكر أند ماكينزي، وكذلك الصحف العالمية شديدة التواصل مع أقطاب أسواق المال، وأيضًا تقارير بنوك الاستثمار نفسها مثل بنك أوف أمريكا الذي أكد في أكثر من تقرير على تزايد الاتجاه نحو أوراق الدين على حساب الأسهم، ورصد توقعات متشائمة تجاه النمو العالمي.. هذه الاتجاهات تؤكد أن الفترة الماضية لم تكن بالسهلة على أسواق المال، وتحديدًا على مستوى الطروحات الجديدة، وأن الفترة المقبلة وإن شهدت رواجًا في الاكتتابات الأولية فستكون بدافع الهروب من ركود 2020.

هذا هو الوضع العالمي الذي لم يضع حتى الآن في حساباته عاملًا آخر يتمثل في الوضع المضطرب في منطقة الشرق الأوسط والذي ينتظر أن تزيده سخونة تداعيات إسقاط إيران طائرة مسيرة أمريكية الخميس الماضي وتغليط العقوبات المفروضة على طهران.

وفي المقابل، يظل بصيص الأمل الأكثر وضوحًا عالميًّا في الفترة المقبلة هو اتجاه بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي لخفض سعر الفائدة على الدولار بواقع 50 نقطة أساس (نصف نقطة مئوية)، وهو الاتجاه الذي أسعد أسواق المال والبنوك المركزية على مستوى العالم في الأيام الأخيرة، لما له من تأثيرات إيجابية سواء على مستوى جاذبية أسواق المال، أو بتراجع تكلفة جمع التمويل.

أما الوضع محليًّا، فربما كان أكثر قسوة، فمنذ بداية العام لم تشهد البورصة المصرية أي طروحات أولية سواء على مستوى الشركات المملوكة للدولة أو للقطاع الخاص. والطرح الوحيد ضمن البرنامج الحكومي في السوق الرئيسية كان لحصة إضافية من نصيب شركة الشرقية للدخان، ولكن تم ترسية شركات أخرى على بنوك الاستثمار، وتستعد الحكومة لإسناد أخرى.

وبالتوازي انضم بنك القاهرة إلى قائمة العمليات المرتقب إتمامها قبل نهاية العام الجاري، إضافة إلى بعض التطورات الإيجابية في ملف طرح حصة من شركة إنبي.

الوضع العالمي يقول إن الستة أشهر المقبلة هي فترة تنافس شديد على إنهاء طروحات ناجحة وجمع أكبر قدر من المال، ووفقًا للخطط المحلية أيضًا من المرتقب أن تشهد نفس الفترة سرعة في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية على الأقل.. ولكن هل هذا ما يجب فعله؟ أم بمعنى أدق، هل الإسراع في تنفيذ البرنامج هو الهدف؟

ما أكدته الحكومة في أكثر من مناسبة هو أنها تسعى من خلال برنامج الطروحات الحكومية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، فبجانب جمع سيولة جديدة، تسعى الحكومة إلى توسيع قاعدة ملكية الشركات وتطبيق قواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة، وتسعى أيضًا إلى تنشيط سوق الأوراق المالية عبر ضخ بضاعة جديدة قادرة على جذب سيولة جديدة ، وأهداف أخرى ربما تكون أقل أهمية من السابقة أو سقطت سهوا من كاتب المقال.

نعتقد أن هذه الأهداف في مجموعها ربما من الصعب أن تجتمع في هذه الظروف والأجواء، لذا فمن المهم والضروي أن تحدد الحكومة أولويات لأهدافها من برنامج الطروحات الحكومية وألا يتحول البرنامج في حد ذاته إلى هدف، لتساعد أيضًا القطاع الخاص على رسم خططه، فالشركات الخاصة ربما ترى أن الحكومة ستزاحمها على سيولة محدودة وبالتالي ترجئ خطط طروحاتها انتظارًا لانتهاء الحكومة من برنامجها.

إذا كان الهدف الأول هو جمع سيولة جديدة لتطوير وتحسين أداء الشركات المملوكة للدولة، فمن الممكن الإسراع والتوسع في تطبيق نموذج الشراكات مع القطاع الخاص خارج سوق المال، والذي سيحقق أيضًا هدف الإدارة الرشيدة والمتطورة، ولا أقول إن هذا السيناريو سهل، ولكن هناك نماذج ناجحة فيه تزيد جاذبيته كحل.

أما إذا كان الهدف الأول من الطروحات الحكومية هو تنشيط سوق المال، فلتطلب الحكومة من بنوك الاستثمار والشركات الكبرى العاملة في القطاع توصيات واضحة لتنشيط السوق وكيفية مواجهة التحديات التي تمر بها. فربما تجد طريقًا أسرع لتحقيق ذلك، وتتجنب الحكومة مزاحمة نفسها أولًا والقطاع الخاص ثانيًا على سيولة هي في مجملها محدودة.

باختصار شديد، ترتيب الأهداف والنظر في أكثر من طريق لتحقيقها بات أمرًا بالغ الأهمية في هذا الوقت، وكتابة قصة نجاح لطرح أولي واحد أو طرحين في النصف الثاني من 2019 ـ (من القطاع العام أو الخاص لا يهم)، سيكون أفضل كثيرًا من قصة النصف الأول.

الرابط المختصر