العالم الحقيقي أم الافتراضي

د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية

كنت بالأمس في طريقي إلى باب الدخول بمكان عام وإذ بصديق يجري وراء طفلة لا تتعدى العامين وإذ بجدتها تلاحقهم وهي تخبرني عن الجيل الجديد وكيف أن حفيدتها تعرف طريقها على تليفون جدتها المحمول وتستطيع تشغيل التطبيقات ومشاهدة أفلام الكارتون على اليوتيوب مثلًا.

E-Bank

استحضرت هذه الواقعة واقعة أخرى في ذهني من سنوات بالجامعة عندما قابلت زملاء دراسة يقومون بإعداد برنامج تدريبي للمراهقين على كيفية الحديث على التليفون أو في المحافل العامة ولقاءات الأسرة إذ لم يكتسبوا أيًّا من تلك المهارات لتعودهم على التواصل بالرسائل لا بالتخاطب.

تسلسلت الذكريات وتذكرت أطفال العائلة ليلة عيد أحد السعف وأنا أحاول أن أعلمهم كيفية عمل الأشكال المختلفة التي هي تراثنا من السعف وأنا أصارع تمسك كل منهم بالألعاب على تليفونهم المحمول التي تبدلت بالتطبيقات المختلفة من سناب شات وفيسبوك وإنستجرام وغيرها في مرحلة المراهقة.

فكل من هو أصغر من خمسة عشر عامًا ولد في عهد الهاتف الذكي ولم يحتَج إلى التعلم أو التعود على وجوده إذ ولد في وجوده وصارا لا يفترقان من السنوات الأولى للإدراك بل ويزداد تعلق الصغار بالهواتف الذكية والإنترنت تدريجيًّا حتى تصبح الساعات التي يقضيها الأولاد في العالم الافتراضي أكثر من تلك التي يقضونها في العالم الحقيقي إن حذفنا ساعات النوم والأكل وخاصة في الإجازة الصيفية حتى وصلت إلى حد إدمان المراهقين للإنترنت وألعابه وتطبيقاته وفيما يلي بعض علامات الإدمان:

عندما يضحي الشخص بساعات النوم على حساب الإنترنت وعندما يقضي طول الليل على الألعاب والتطبيقات وينام بالنهار.

عندما يغضب جدًّا ويثور إذا قطع الأهل تواجده في العالم الافتراضي أو لو حددوا أوقاتًا معينة لذلك أو لا يطيعها من الأساس.

عندما يفضل التواجد على الإنترنت عن اللعب مع الأصدقاء والتواجد مع العائلة.

عندما يكذب بشان الأوقات التي يقضيها في العالم الافتراضي ويتسلل إليه لقضاء مزيد من الأوقات عن المعينة أو المتاحة له.

عندما يكون متقلب المزاج أو مكتئبًا في الأوقات غير المسموح له فيها باستخدام الإنترنت.

وكإدمان الكحول والمواد المخدرة قد يكون إدمان الإنترنت وسيلة للهروب من الواقع غير المريح في البيت والواقع إلى العالم الافتراضي الأكثر متعة وراحة.

هذا وقد يتساءل البعض عن الأضرار المتعلقة بإدمان المراهقين للإنترنت وقد يفضلها البعض الآخر عن التواجد مع الأصدقاء على الأقل هم في أمان في البيت أكثر من تواجدهم بالشارع أو الأماكن العامة.

وقد يبدو إدمان الإنترنت أقل ضررًا من إدمان أشياء أخرى ولكن لإدمان الإنترنت تأثيرات في منتهى الخطورة تؤثر على التكوين النفسي للطفل وعلى ميوله ومهاراته الاجتماعية في الكبر ومهارات الاتصال التي قد يحتاجها في معظم الوظائف التي قد يعمل بأحدها لاحقًا.

كما يؤثر ذلك على إمكانياته في التواجد أو العمل ضمن فريق والتواصل معهم. في أحيان أخرى تؤثر على صحة الطفل وهناك حالات كثيرة لأطفال تأثرت حركتهم من كثرة الجلوس إلى الشاشات أو سلوكهم الغذائي وجهازهم الهضمي نظرًا لإرسال إشارات له برفض القيام لأي سبب بما فيه قضاء الحاجة وأخطار كثيرة أخرى تعرفت عليها من الأبحاث المنشورة عن منظمة الصحة العالمية تنبهنا إلى الخطر المحدق بالأولاد من إدمان الإنترنت والعالم الافتراضي.

لذلك وجب على الأهالي من سن صغيرة جدًّا حتى قبل العام الثاني في عمر الأطفال تشجيعهم على التواجد في العالم الحقيقي أكثر من العالم الافتراضي وتحديد أوقات التواجد على الإنترنت بصرامة.

تلك القوانين يجب أن تكون في حدود المعقول وتوازن ما بين الصرامة والإتاحة فإذا أردت أن تطاع اطلب المستطاع. كما يجب على الأهالي أيضًا تعلم المهارات في التعامل مع الإنترنت وتطبيقاته المختلفة ليكونوا مؤهلين لمتابعة أولادهم ولكسب الاحترام في نظر الصغار وحتى يقبل الصغار تدخل الكبار في تلك المساحة الخاصة.

أخيرًا يجب على الكبار استخدام التطبيقات التي تمكنهم من متابعة أولادهم في العالم الافتراضي وحمايتهم من التعرض إلى أي أخطار أو محتوى قد يكون غير ملائم لأعمارهم ولإدراكهم في تلك المرحلة العمرية.

هناك الكثير من المواد التعليمية المرئية عن إدمان الإنترنت أنصح الأهل بمتابعتها وبها طرق مفصلة للتعامل مع تلك الحالات لجيل أفضل وأكثر قدرة على التعامل مع التكنولوجيا وفي الوقت نفسه صحيح ومتوازن نفسيًّا واجتماعيًّا ولن يأتي ذلك إلا بالتوازن بين التواجد في العالم الحقيقي والافتراضي.

الرابط المختصر