د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية
أتذكر من زمن بعيد بائع فاكهة متجول في حيّنا أتى من صعيد مصر بحثًا عن الرزق كنت أحب الشراء منه لتشجيعه وتخفيف مشقة حمل الأثقال كيلومترات عديدة في حرارة الطقس أو برودته وبالرغم من إصراره على تعليم الأولاد، إلا أن الابن الأكبر منهم احترف نفس المهنة بالرغم من حصوله على ليسانس الحقوق غالبًا لصعوبة الحصول على وظيفة في مجال تخصصه.
كانت بداية عصر التليفون المحمول وفوجئت يومًا بذلك الشاب يطرق الباب ويعطيني رقمه لأطلبه في أي وقت أحتاج إلى فاكهة وطور عمله وكثرت تعاملاته ووظف إخوته وقلل المجهود البدني في حمل الأثقال بدون هدف.
مثال بسيط لقصص مشابهة لأكبر شركات العالم وأصغر المشروعات يمكن لأي من حضراتكم ذكر العشرات بل المئات منها. فمن خلال عملي قابلت الكثير من رواد الصناعة والاقتصاد والسياسة ممن يدركون إدراكًا تامًّا أهمية التكنولوجيا في مجالات أعمالهم وحياتهم وحياة الأجيال القادمة.
أما الإشكالية فتكمن في عدم العلم الكافي بما يجب مراعاته في اختيار الحلول المثلى حتى تكون التكنولوجيا دافعًا رئيسيًّا للنمو وليس حملًا ثقيلًا معطلًا له.
من أسبوعين كتبت بنفس المكان مقالًا بعنوان «معلش السيستم واقع» أشرح به بعض الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى أعطال الخدمات وأعتبر مقالي اليوم في نفس الموضوع ولكن من زاوية اخرى عن بعض أهم المواصفات الرئيسية التي يجب مراعاتها عند اختيار الأنظمة والحلول حتي تكون عملًا محفزًّا لنمو الأعمال.
أولًا: المواصفات القياسية؛ في السنوات القليلة الماضية مرت عليّ اختيارات غير موفقة من بنوك ومصانع وشركات وأفراد لأنظمة إما صممت لأغراض مختلفة وتحتاج إلى تعديل مكلف جدًّا من الشركة الأم أو لأنظمة مطورة من مجموعة من الهواة لا تراعي أي مواصفات قياسية سواء في كتابة البرامج أو حتى في نوع النشاط المكتوبة لأجله.
الدافع في الحالة الأولى يكون البحث عن أعظم اسم في مجال معين وليكن الأنظمة البنكية بغض النظر عن نوع التطبيق وفي الحالة الثانية يكون لانخفاض التكلفة. في الحالتين وفي معظم ما مر بي انتهى الأمر إلى تكاليف أكثر من اللازم ومعاناة دائمة عند أي تعديل أو إضافة في البرنامج نتيجة تغيير في القوانين أو في طبيعة عمل من يستخدم البرامج. لذلك وجب البحث عن من يتبع مواصفات قياسية حديثة في تطوير البرامج ويكون له سابقة أعمال في نفس النشاط بنفس الحجم.
ثانيًا: الاستدامة؛ فالتكنولوجيا صارت عماد الأعمال والعمود الفقري لها لذلك أصبحت استدامة الأعمال من استمرار كفاءة الأنظمة التي تعتمد عليها. من الشائع أيضًا إسناد أعمال الأنظمة إلى واحد أو مجموعة من الشباب الهواة ممن يكتبون البرامج بأسلوب يصعب على غيرهم تغييره أو تعديله وعند اختفائهم لحصولهم على عروض أفضل أو سفرهم للخارج تكون الاستمرارية تحديًا حقيقيًّا للأعمال. لذلك تأكد من وجود شركة عمرها على الأقل عامان ولها سابقة أعمال مشابهة توحي باستمراريتها في تقديم الخدمات بغض النظر عن الأفراد الموجودين بها. أو شركة حديثة القائمون عليها لديهم من العلم والخبرة ما يؤهلهم للقيام بمتطلبات الأعمال نظرًا للتطور الدائم والسريع للبيئة التكنولوجية الخاصة ببعض الأعمال.
ثالثًا: واجهة التطبيق وخبرة المستخدم user interface and user experience ؛ فالأولى متعلقة بشكل التطبيق للمستخدم الذي يجب أن يكوم معبرًا عن طبيعة التطبيق ومطابقًا للمواصفات القياسية حتي يكون جذابًا وقادرًا على المنافسة وسفيرًا لما تقدمه الشركة من خدمات وأعمال. أما الثانية فهي متعلقة بأقصر طريق للمستخدم حتى يتمكن من الوصول إلى الخدمة التي يريدها دون إضاعة وقته وجهده فكم من تطبيقات طلبت منا خطوات لا داعي لها جعلت خبراتنا سيئة في الاستخدام ودفعتنا للبحث عن بديل.
رابعًا: الاستثمار المبدئي في الأجهزة؛ أيضًا من الأخطاء الشائعة الاستثمار غير الضروري في بناء مركز معلومات خاص مصغر وتكلفة إدارته مقابل استخدام السحابة الحوسبية cloud ظنًّا بأن الأخيرة أقل أمانًا من مركز المعلومات الخاص. لأن السحابة موجودة في مراكز معلومات ذات مواصفات قياسية مؤمنة واحتمالات انقطاع الخدمات بها أقل كثيرًا. بالإضافة إلى ذلك فإنها توفر كل الاستثمارات المبدئية المطلوبة في بناء مراكز المعلومات الخاصة ومصاريف تشغيلها والتي عادة ما تكون أقل كفاءة واستدامة من السحابة.
إن بدت تلك الأمور بديهية فهي من الأخطاء الشائعة التي مرت بي لكبرى المؤسسات والقائمين على الاختيارات بها وقد يكون من المفيد دائمًا وجود خبير تستعين به الشركة في مجال التحول الرقمي نظرًا لتخصصه وإلمامه بالمستجدات في تلك المجالات.