في انتظار كونيا

بقلم أحمد رضوان ـ رئيس تحرير جريدة حابي

كل شيءٍ سيتحدّد بناءً على سعر الفائدة الخالي من المخاطر، تقييمات الأسهم، أسعار القروض بين البنوك والعملاء والبنوك وبعضها البعض، أوراق الرهن العقاريّ وأسعار العقارات نفسها، ليس هذا فحسب، بل أيضًا طبيعة التكنولوجيا المستخدمة في البنوك التجارية وبنوك الاستثمار وشركات المقاصة، وبجانبِ كلِّ ذلك، ستتمُّ مراجعة جميع عوائد الأصول المرتبطة بأسعار الإيداع والإقراض في السوق العالمية.

E-Bank
ما وراء سعر الفائدة خالي المخاطر؟

ربما تكون المسألة أكثر تعقيدًا وتخصصًا من قدرة كاتب هذا المقال على الإحاطة بها قبل تبسيطها للنشر في صورةِ مقالة صحفية، لذا فأرجو التماس العُذر عن أي تبسيط مُخل أو حياد عن الفهم السليم لعددٍ لا بأس به من المقالات والتقارير المكتظة بعشرات المصطلحات والتي تمت مراجعتها قبل كتابةِ المقال، ودعمها بمكالمة هاتفية مع أحدِ المتخصصين والمهتمين بمتابعة أسواق العائد، وله جزيلُ الشكر.

بداية، تعود فكرة البحث عن مؤشر تسعيرٍ أكثر دقة وحيادية إلى شبهات تلاعب ظهرت خلال الأزمة المالية العالمية فيما يتعلق باستخدام الليبور (متوسط سعر الإقراضِ بين البنوك)، على خلفية ضعف المعاملات الفعلية في هذه السوق والتي سمحَتْ لبعض البنوك بالتحكُّم فيها عبر صناعة أسعار عائد مفيدة لمراكزهم المالية أكثر مما هي معبرة عن تعاملاتٍ فعلية.

وبخلاف فكرة التلاعبات، يعكس الليبور مخاطرَ الائتمان كما يعكس أجَلَ التمويل، لذا بات من الصعب التعامل على أساس كونه مؤشرًا مرجعيًّا للتسعير، ومن هنا جاءت فكرة البحث عن آليةٍ أخرى تقوم على سعر عائد خالٍ من المخاطر، تكون بديلًا لآلية الليبور والتي يُقدر حجم القروض والودائع والمشتقات المالية والرهون وسندات الشركات المرتبطة بها بأكثر من 350 تريليون دولار حول العالم.

الخلاصة، يتكون الليبور من سعر الفائدة الخالي من المخاطر مضافًا إليه مخاطر الائتمان وعلاوة الأجل التي تعكس توقعات مستقبل حركة الفائدة، وأوصى مجلس الاستقرار المالي العالمي الذي تم إنشاؤه في أعقاب الأزمة المالية العالمية باستبدالِ الليبور بسعر مرجعيّ خالٍ من المخاطر.

نموذج SONIA

هناك أمثلةٌ كثيرة على نماذج تم التمهيد لاستخدامها كبديل لليبور، من بينها متوسط مؤشر الجنيه الإسترليني خلال ليلة (SONIA)، الذي يُديره بنك إنجلترا، وسعر التمويل المضمون لمدة ليلة (SOFR)، الذي يُديره بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ومعدل طوكيو لمدة ليلة (TONA)، المُدار من قبل بنك اليابان.

في عام 2017، وبعد إجراء بحث مكثف، قررت مجموعةُ عمل تابعة لبنك إنجلترا المركزي صناعة مؤشر سونيا Sterling Overnight Index avarage ليكون البديل الأنسب لليبور.

سونيا هو المعدل المتوسط الذي يكون المشاركون في السوق على استعداد لإقراضه وإيداع أمواله لبعضهم البعض من اليوم السابق، فإذا كان الليبور يعتمدُ على تكهناتٍ من جانب المقرضين حول الكيفية التي قد يكونون على استعدادٍ للإقراض أو الاقتراض بها لفترة مستقبلية معينة، فإن Sonia هو سعر فوري، يستندُ إلى معاملات الليلة الماضية المبلّغ عنها. وتتم إدارة سوق سونيا من قبل بنك إنجلترا وتزايدَ حجم التداول بشكل تدريجي خلال السنوات القليلة الماضية.

ناقشت هيئة السلوك المالي (FCA) الانتقال إلى سونيا مع لجنة البنوك التي تقدم أسعار ليبور يوميًّا. وتوقّعت سلطات المملكة المتحدة أن يكون الانتقالُ إلى سونيا طوعيًّا وتقوده السوق، مع تحديد المشاركين بها وتطوير أفضل الممارسات ووضع خطة تنفيذ مع معاييرَ ومقاييسَ للحكم على التّطبيق.

وأكدت FCA أنّها لن تجبر البنوكَ على تقديم أسعار Libor بعد 31 ديسمبر 2021، وبالتالي، أصبح على جميع أطراف السوق أن يستعدوا جيدًا للانتقال إلى الآلية الجديدة بحلول ذلك التاريخ.

أسئلة كبيرة:
ظهرت الكثير من الأسئلة حول تطبيق التسعير الخالي من المخاطر، منها التعامل مع القروض وأدوات الديون العقارية والتي تصل آجالها إلى متوسط 30 عامًا وتم تسعيرها بالفعل على أساس الليبور، وما هو الأسلوب الأفضل لتحويل دفة الأسواق من الليبور إلى الأليات الجديدة، وهل يتم ذلك بتلقائية مع الرضا بمخاطر عدم الاتساق أثناء الانتقال، أم يتمُّ الإلزام بالتطبيق في التواريخ المعلنةِ؟

من بين الأسئلة أيضًا، هل ستكونُ أسعار آلية العائد الخالي من المخاطر مؤشرًا ومرجعًا لأسعار عائدٍ تترواحُ بين 3 و 6 أشهر وهي الفترات الأكثر شيوعًا في الليبور؟ وكيف سيتم تغيير العقود القديمة المربوطة بالليبور الذي نشأ كآلية عالمية عام 1984؟

بكل تأكيد، سيتضمن الانتقالُ إلى معدلات عائد مرجعية بديلة جهودًا كبيرة من أجل تقييم كل الآثار المترتبةِ على هذا التحوُّل، هذه الجهود لن تتوقّف فقط عند البنوك المركزية، بل سيمتدُّ الأمر لكل الأطراف المرتبطة بأسواق المال والمحاسبين والمراجعين ومطوري التنكولوجيا، وكذلك جميع التمويلات طويلة الأجل في شركات البنية التحتية والإسكانِ.

وحسب ما تذكُره الكثيرُ من التقارير، فإنه ما زال من الصعب الاتفاق على نهج مشترك فيما يتعلق بالمنهجيات القياسية لتسعير مخاطر الائتمان والمخاطر التي يتعين إضافتها إلى الحساب الخالي من المخاطر عند توظيفه كمؤشر استرشادي.

ولكن، بدأت معظم البنوك والمؤسسات التنظيمية عملية انتقال تدريجية من خلال تشكيل لجنة تضم ممثلين عن فرقٍ مختلفة مثل القروض المشتركة والخزينة وإدارة المخاطر والتكنولوجيا والقانون، تتولّى هذه اللجنة تقييمَ كلِّ عمل يتوقع أن يتأثر بعملية التحول من الليبور إلى آلية العائد الخالي من المخاطر، بما في ذلك مراجعة العقود الحالية المربوطةِ بالليبور وتقسيمها إلى مجموعات بناء على فترات الاستحقاق.

في انتظار كونيا

هناك نموذجان رئيسيان عند وضع مؤشر عائد خالٍ من المخاطر لمدةِ ليلةٍ، الأول هو الاعتماد على الإقراضِ بين البنوك تحت إدارة السلطاتِ الرقابية أو النقدية، والثاني هو التعامل على أوراق الدين الحكوميةِ قصيرة الأجل والتي بطبيعتها تكاد تكون معدومةَ المخاطرِ.

في السيناريو الثاني هناك بكل تأكيد مخاطرُ ترتبط بالتضخم وسعر العملة، أما السيناريو الأول فمع عدم تدخل السلطاتِ الرقابية والتنظيمية في السوق كصانعٍ قادرٍ على منع تحكم البنوك في توجيه العائد، ستظلُّ هناك مخاطرُ من شأنها التأثير في كفاءة المؤشر السعري.

ما الذى سيحدث في السوق المحلية؟ وفقًا للبيان الذي صدر أول أمس الجمعة ونقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط، فإن البنك المركزي أطلق معيارًا جديدًا لسعر الفائدة بدون مخاطر Cairo Overnight Interbank Average يقومُ على متوسط سعر الفائدة بين البنوك في القاهرة.

تمَّ تطوير المعيار الجديد من قبل مجموعة اتصال سوق المال المصرية (MMCG)، التي تضمُّ البنك المركزي والبنوك التجارية والبنك الأوربي للإنشاء والتعمير (EBRD).

وقال البيان إن CONIA Cairo Overnight Interbank Average سيعكسُ أسعار الفائدة على المعاملات ما بين البنوك والتي تكون خالية من المخاطر تقريبًا بسبب فترات ربحها القصيرة جدًّا، وأن الخطوة المقبلة، هي تطوير أدواتٍ تستخدم المعيار الجديد بما يعملُ على تعزيز أسواق المال المحلية وضمان الانعكاس الدقيق لظروف السوقِ الأساسيةِ.

وفقًا لتحليل ووجهة نظر واحدٍ من الخبرات الكبيرة في القطاع المصرفي، فإنَّ صناعة معيار لقياس العائد الخالي من المخاطر في مصر خطوة سيتزامن معها الكثيرُ من الإجراءات على مستوى أسواق المال خاصة ملف تنشيط التداول على أوراق الدين الحكومية وآلياتها، إلى جانب كونه أداةً جديدةً يمكن من خلالها التأثيرُ في أسعار العائد لفتراتٍ زمنية قصيرة جدًّا، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى بناء مؤشر منحنى عائدٍ.. وفي مقالة أخرى ستتناولُ بتفاصيل أكثر مكاسبَ وتحدياتِ وجود معيار محليّ لأسعار العائد الخالية من المخاطر.

الرابط المختصر