ماذا بعد تخفيض أسعار الفائدة؟

محسن عادل خبير اقتصادي

لا أتصور أن هناك شخصًا لم يقرأ رواية بنوكيو للروائي الايطالي العالمي « كارلو كولودي « في الفترة الماضية سواء قرأها في شبابه أو طفولته أو لأبنائه محور هذه الرواية كيف تتحول عروس خشبية إلى ولد بشري ولكن لم تتطرق الرواية إلى ما بعد كون بنوكيو طفلًا بشريًّا هل أصبح فيما بعد موظفًا مرموقًا هل أنجب أطفال هل يعيش سعيدًا بعد ذلك.

E-Bank

إن تخفيض أسعار الفائدة بـ 1.5% جاء كخبر سعيد على الجميع استقبلته جميع القطاعات المالية بعين الاعتبار ورأوا فيه خطوة نحو تحسين مستويات الأداء الاقتصادي.

وهو كان مطلبًا حقيقًا ومشروعًا للجميع تبقى من خلاله تطوير الاداء الاقتصادي المصري فكانت ارتفاع أسعار الفائدة كبحت كثير من الجهود الاقتصادية الفعالة سواء من خلال اجتذاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة أو غير المباشرة من خلال سوق المال أو حتى إبراز القيم الحقيقة بشكلها الطبيعي خاصة وأن ارتفاع أسعار الفائدة كان استثنائيًّا لفترة إلى أن تم التحكم فيه إلى حد كبير والذي كان مرتبطًا بشكل كبير بارتفاع التكلفة وليس ارتفاع معدلات الطلب المحلي بعد زيادة في معدلات الأداء.

ورغم هذا التراجع في أسعار الفائدة مرة واحدة إلا أن التوقعات تشير حتى الآن إلى ضرورة المزيد من التخفيض الفترة القادمة خاصة وأن ارتفاع متوسط تكلفة التمويل وعدم وجود بدائل تمويلية جذابة الفترة الحالية لمستثمري القطاع الخاص سيؤدي إلى نوع من التباطؤ في ضخ الاستثمارات في الاقتصاد المصري وهو الأمر الذي قد يسبب مزيدًا من التحولات خلال الفترة القادمة في ظل الحرب التجارية العالمية الحالية وهو ما يستلزم من البنك المركزي الفترة القادمة النظر مرة أو أكثر إلى أسعار الفائدة إلى أقل من 13% خاصة بالنسبة للتكلفة التمويلية وهو محور رئيسي للدولة لاستهداف إنعاش استثمارات القطاع الخاص لدفع معدلات النمو وزيادة معدلات الاستثمار الداخلي التي تتجاوز 300 مليار جنيه خلال العامين الماضيين وهو مستوي قياسي خلال هذه الفترة بفضل الجهود التشجيعية التي شهدها الاقتصاد.

تابعنا على | Linkedin | instagram

يضاف إلى ما سبق ان الفترة القادمة تحتاج إلى عدة اجراءات تستهدف تحسين أداء المستوى الاقتصادي وزيادة جذب الاستثمارات مع الأخذ في الاعتبار ثلاثة عوامل أساسية، أولًا: وجود أزمة اقتصادية عالمية ومخاوف من ركود عالمي، ثانيًا: التحويلات التي تشهدها الآليات الاقتصادية العالمية خاصة القطاع المصرفي وهو ما يدفع إلى بعد التغيرات الهيكلية، ثالثًا: وجود متغيرات عالميًّا تدفع بدولة مثل مصر إلى اقتناص بعض الاستمارات الهاربة من توترات الحرب التجارية العالمية ومخاوف الركود العالمي وهو ما يستلزم من مصر إجراءات لجذب تلك الاستثمارات.

وفي ضوء مؤشرات الأداء الاقتصادي المصري المعلنة مؤخرًا نؤكد أن التدفقات الاستثمارية طويلة الأجل بجانب الموارد الذاتية للدولة هي التي يمكن التعويل عليها في تحقيق الاستقرار المنشود، وبالتالي تحتاج الحكومة للعمل بشكل أسرع على تهيئة المناخ للاستثمارات الأجنبية.

كما أن هناك ضرورة لقيام البنك المركزي المصري بتدشين حملة مكثفة لبرنامج لتقديم تمويل منخفض التكلفة بالنسبة لشراء الآلات والمعدات الرأسمالية مع توسيع قاعدة البرنامج ليشمل تطوير وتحديث الطاقات الإنتاجية الحالية وتطويرها كما أنه من الهام في ظل المتغيرات الحالية إعادة النظر في القيود المفروضة علي مساهمة البنوك في رؤوس الشركات الجديدة وهو ما يحد من تنويع العملية التمويلية بالسوق المحلية.

من المتوقع أن يساهم الوضع الحالي في إعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتي كانت ترتكز بشكل أساسي في الصين معتمدة في ذلك على التكنولوجيا الأمريكية، وبالتالي من الممكن أن تستغل مصر موقعها الاستراتيجي وخاصة منطقة محور قناة السويس لجذب العديد من الشركات الصينية وكذا العالمية التي تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، ما يستلزم الترويج لجذب الشركات العالمية المتضررة من التحولات الاقتصادية وتشجيعها على الاستثمار في مصر مما يتسق مع اتجاه الحكومة المصرية نحو تشجيع الإنتاج لزيادة الصادرات وإحلال الواردات لتعويض الفجوة في الميزان التجاري بين مصر والصين، رغم صعوبات الأوضاع الاقتصادية العالمية إلا أن برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري الذي تم تنفيذه واستراتيجية تهيئة البنية الاستثمارية على مدار السنوات الأربع الأخيرة قد وضع مصر في موقف أكثر قوة ضمن هذه الحزمة من المتغيرات الاقتصادية العالمية .

الرابط المختصر