ثقافة قصر النظر

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية

سبتمبر من كل عام موسم دخول الجامعات وفي السنوات الأخيرة هو موسم نزيف حاد لخريجي أفضل المدارس الذين يذهبون للدراسة في إحدى الجامعات الأوربية أو الامريكية ومعظمهم بعد التخرج يفضل البقاء في تلك الدول إلا إذا كان هناك دافع قوي للرجوع.

E-Bank

جادلت أصدقاء كثيرين شجعوا أولادهم على الهجرة المبكرة وما زلت على قناعة بأن هناك جامعات في مصر وإن كانت قليلة لها القدرة على المنافسة مع تلك الجامعات. تلك القناعة نابعة من خبرتي كخريج ومدرس بواحدة منها على مدار سنوات طويلة.

مررت وأنا أفكر في ذلك الموسم بثلاث تجارب سخيفة الأسبوع الماضي. أولها مع شركة الاتصالات التي أعتمد عليها في عملي واتصالاتي وانحسرت المشكلة في عدم ثبات القدرة على توصيلي بشبكة المعلومات وأضعت ساعات مع خدمة العملاء التي ألقتني على الدعم الفني الذي أرجعني إلى خدمة العملاء وأنا أدور في دائرة مفرغة أحاول فيها إقناعهم بسبب العطل وبأني على دراية به لخبرتي دون جدوي.

اضطررت إلى خفض سرعة الشبكة وتحمل البطء في مقابل استمرار الخدمة ولا أزال أعاني علمًا بأني أدفع مقابل السرعة العالية. أما عن التجربة الثانية فهي مع واحد من أعرق البنوك وأفضلها في مجال جودة إمكانياته التقنية.

والذي اكتشفت بالصدفة بأن موظفًا قام بإصدار بطاقة ائتمان بضمان شهادة دون إخطاري بأنه سيقوم بهذا الربط تحديدًا. توالت الطلبات الورقية السخيفة وضياع الوقت والجهد لإرضاء شهية ذلك البنك في الحصول على أوراق ووثائق بطريقة سخيفة ومزعجة جدًّا لفك ذلك الاشتباك ولا أعلم حتى الآن مصير تلك المعاملات.

وعن التجربة الأخيرة فكانت مع أكبر متجر إلكتروني والذي قمت بشراء جهاز عن طريقه وعند الدفع أعطاني اختيار الدفع على سنة دون فائدة والذي بالطبع قمت باختياره لأجد أن الشركة سحبت المبلغ دفعة واحدة. ولما قمت بالاتصال بتلك الشركة شرح لي الموظف أن التقسيط يتم بواسطة البنك وأنه على البنك رد المبلغ خلال أيام وتقسيطه لاحقًا وهو بالنسبة لي مخالف تمامًا لما كان مكتوبًا على موقعهم.

تلك الأمور الثلاثة تتم على مرأى ومسمع جميع الأجهزة الرقابية ولا جدوى من الشكوى لأحدهم فسبق وجربت والسبيل الوحيد لحل المشاكل والحصول على الحقوق هو معرفة لها منصب في تلك الشركات قادر على حل المشاكل في دقائق.

ومع عدم الرغبة في إزعاج الأصدقاء في أمور تافهة إلا أني كثير ما ألجأ إليهم في الأمور الهامة. أجد أيضًا من العجيب أن الخبرات الثلاث مع شركات عالمية أشك في أنها تجرؤ على تكرار تلك الأخطاء وتقديم الخدمة الرديئة بها دون حساب عسير يصب في مصلحة الاقتصاد الكلي ومصلحة العميل والمواطن أيضًا.

ولم لا فالخدمات المقدمة من الأحياء والأجهزة العامة تضرب المثل لهؤلاء في الخدمة السيئة. فشركات الكهرباء على سبيل المثال ترغب في تقاضي سعر عالمي دون أن تكون على المستوى العالمي من تيار ثابت لا يضر بالأجهزة وشفافية وخدمات دفع إلكترونية تعمل بكفاءة… إلخ.

تلك الخبرات والأسباب وغيرها الكثير تجعل المواطن الذي اختبر مثيلاتها في دول أخرى يشجع أولاده على الهجرة طلبًا لحياة أكثر راحة وسعادة لأن في اعتقاده “مافيش فايدة “ متسببًا في نزيف دامٍ لخيرة الشباب الذين حصلوا على أفضل تعليم مدرسي والذي من المفترض أن تستفيد بهم بلدنا فهم عقول وقادة المستقبل مع أنه من السهل تفاديها.

من حق المواطن الحصول على خدمات وسلع جيدة ومن حقه معرفة كل الشروط بوضوح مسبقًا. من حق المواطن الراحة والسعادة. من حق المواطن الثقة واليقين بأن غدًا أكثر إشراقا وأفضل لأولاده. نحتاج أن نعمق ثقافة خدمة العملاء ونحتاج استعادة شعار الزبون دائمًا على حق والتي قد تمر بتجاوزات العملاء ولكن تبقى هي الغالبة والأصيلة.

يحتاج اقتصادنا الذي يقوم على المستهلك المحلي وعلى السياحة إلى خدمة أفضل وإلى بعد نظر في تحقيق الأرباح طويلة المدى المدعمة برضا العملاء بدلًا من الأرباح السريعة المبنية على معاناتهم من خدمات رديئة وأخطاء متعمدة وغير مقصودة.

نحتاج إلى تكاتف دور العبادة ومؤسسات التعليم والإعلام والأجهزة الرقابية والدولة إلى ترسيخ مفهوم خدمة العملاء السليم والمساوي للأمانة فله وإن كان غير مرئي دور غاية في الأهمية في دعم ورفعة ثقافتنا واقتصاد بلدنا وسعادة أبنائه على المدى الطويل.

الرابط المختصر