محسن عادل خبير اقتصادى
وفقًا لآراء بنوك استثمار عالمية فالعديد من الدول التي تشهد تباطؤًا أو دخلت في ركود تجمعها مشكلة مشتركة، وهي أنها معتمدة بشدة على بيع البضائع للخارج، وهذا ليس بوقت مناسب لأن يكون الاقتصاد قائمًا على التصدير، فالركود في الصين والحرب التجارية التي يشنها الرئيس ترامب يقوضان معًا التبادل العالمي للسلع الذي ساعد على تقوية الاقتصاد العالمي لعقود من الزمن.
وتشهد بعض هذه البلدان انخفاضات حادة في الصادرات وفي دول أخرى، لا سيّما الأرجنتين والصين، تزداد المشكلات التي طال أمدها في الداخل في وقت يتسم فيه المستثمرون العالميون بالوهن وسرعة التراجع، الأمر الذي يؤدى إلى تفاقم المشكلات، ومع زيادة المشكلات، لا يوجد الكثير من قوارب الإنقاذ الواضحة للمساعدة، ولهذا يهرب المستثمرون إلى الملاذات الآمنة المعتادة: الذهب والسندات الحكومية.
يُتوقع أن تتأثر الدول النامية سلبًا على المدى الطويل على مستوى تراجع تدفقات رؤوس الأموال والاستثمار فيها من أجل التصدير للدول الأخرى، كما أن الصادرات المصرية نفسها قد تتأثر سلبًا مع تطورات الأحداث على المدى الطويل وزيادة الإجراءات التي تتخذها كل دولة لزيادة جاذبية منتجاتها وفرض جمارك على الواردات، في الوقت الذي كان أحد أهم أهداف الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر الصرف زيادة جاذبية الصادرات المصرية.
وقد تتأثر الواردات أيضًا في حال استمرار الإجراءات الأمريكية الصينية على المدى الطويل، فمثلًا أي منتجات تستوردها مصر من الولايات المتحدة ويدخل فيها مكونات إنتاج صينية، سترتفع تكلفتها على مصر كما أن أسواق الأوراق المالية والعملات العالمية قد تتأثر وبالتالي ستكون لها انعكاساتها على بقية الدول.
من منطلق ما سبق فهناك ضروره في مصر لتكثيف الجهود الترويجية لدعوة المستثمرين في تلك الدول للاستثمار في مصر بهدف التصدير حيث إن هذه الحرب تشكل فرصة هامة لاستمرار دخول صادراتهم نظرًا لعدم خضوع المنتجات المصرية لتلك الإجراءات الحمائية وكذا الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة المبرمة بين مصر ومعظم هذه الدول.
مع التركيز على دعوة الشركات الصينية للاستثمار في الصناعات كثيفة العمالة مثل: صناعات الغزل والنسيج ومكونات السيارات والأجهزة المنزلية (الصناعات الهندسية) بما يساهم في توفير المزيد من فرص العمل وكذا زيادة الصادرات المصرية مع وضع استراتيجية زمنية لرفع جودة المنتجات المصرية والالتزام بالمعايير المطبقة بتلك الدول حتى يتسنى تصعيد الصادرات المصرية وزيادة تنافسيتها عالميًّا.
تتيح هذه الحرب التجارية فرصًا لتوطين الاستثمارات في مصر في إطار مبادرة حزام وطريق التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013 والتي تقوم بشكل أساسي على إعادة إحياء طريق الحرير القديم وإنشاء شبكة من المشروعات اللوجستية التي تربط بين الصين وشرق أوربا وشمال إفريقيا.
وكذا الاستفادة من مبادرة الصين تجاه إفريقيا والتي تقوم بموجبها الحكومة الصينية للاستثمار بتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في إفريقيا ومنها مصر وتوفر الحكومة الصينية آليات التمويل المختلفة لتلك الشركات لتيسير أعمالها من خلال بنك التنمية الصيني، صندوق التنمية الصيني الإفريقي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
يجمع الجميع أيضًا على أنه سوف تتأثر كافة الدول التي لديها تعاملات تجارية مع الصين والولايات المتحدة من تلك الحرب نتيجة انخفاض حركة التجارة بينهم وارتفاع أسعار معظم السلع مما يعطي فرصة لإعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتي كانت ترتكز بشكل أساسي في الصين معتمدة في ذلك على التكنولوجيا الأمريكية.
وبالتالي من الممكن أن تستغل مصر موقعها الاستراتيجي وخاصة منطقة محور قناة السويس لجذب العديد من الشركات الصينية وكذا العالمية التي تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، يكون أكثر أمانًا لتفادي العقوبات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة وهو ما يتيح الترويج لجذب الشركات الصينية والعالمية المتضررة من الحرب الاقتصادية وتشجيعها على الاستثمار في مصر مما يتسق مع اتجاه الحكومة المصرية نحو تشجيع الإنتاج لزيادة الصادرات وإحلال الواردات لتعويض الفجوة في الميزان التجاري بين مصر والصين.
خلاصة الأمر أن الوضع الحالي هو دعوة للاستيقاظ والحذر فنحن في مرحلة نمو ضعيفة لكن لم نشهد ركودًا، والذي يمكن تجنبه إذا اتخذنا التدابير اللازمة حيث إن حرب العين بالعين التي تخوضها واشنطن وبكين تشكل أكبر عقبة أمام انتشار العولمة، والتي كانت السمة المميزة للاقتصاد العالمي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.