بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية
مقالي هذا الأسبوع بمناسبة بدء الدراسة ببعض المدارس والجامعات الخاصة وقرب بدء العام الدراسي عامة.
حضر إلى القاهرة منذ سنوات طفل صغير في المرحلة الابتدائية وهو ابن لأحد العمال الذين تشرفت بالعمل معهم من قرية بالصعيد. كنت أحاول كلما رأيته أن أقدم له الكتب الملونة المناسبة لسنه أملًا في أن أحببه في القراءة والاطلاع والثقافة. صدمتني الحقيقة المرة وهي أنه على الرغم من ذهابه إلى المدرسة بالقرية إلا أنه لا يحبها ولا يعرف القراءة والكتابة.
حضر هذه السنة أيضًا بعد أن كبر وصار شابًّا في سن المراهقة ومع أنه لا يزال بالمدرسة ونجح حتى وصل للمرحلة الإعدادية إلا أنه لا يزال لا يعرف وأكرر لا يعرف وليس لا يجيد القراءة والكتابة.
هذه قصة واقعية لو بحث القارئ العزيز في أبناء من حوله سيجد أن لا شرط في تواجد علاقة بين التعليم والنجاح في الكثير من المدارس بقرى الصعيد وإن سألتم الأولاد سيكون الجواب لدى الكثيرين بأنهم يبغضون الذهاب إلى المدرسة وهم أميون على الرغم من نجاحهم في المدرسة.
رجعت بي الذاكرة إلى مدرستي التي كانت تدار بواسطة الراهبات في أسيوط والتي ارتبطنا بها جميعًا إلى يومنا هذا وما زلنا كخريجين وإدارة نعقد اللقاءات السنوية في المدرسة وفي القاهرة لانتقال الكثيرين إليها أو إلى الخارج.
ما زلنا نذكر مدرسينا ومدرساتنا بكل خير ونلتقي بمن منهم ما زال بيننا ونجح كل من بقيت على صلة بأخبارهم من خريجي وخريجات تلك المدرسة في حياتهم العملية بل إن الكثيرين منهم أساتذة بالجامعات المختلفة.
تواردت الخواطر وقرأت خبرًا غريبًا عن أولياء أمور رفعوا دعوى على السيد وزير التعليم بشأن استخدام التابلت. قبلت الدعوى الخاصة بإلغاء قرار وزير التربية التعليم بتطبيق نظام التابلت شكلًا.
ورفضت المحكمة طلب وقف التنفيذ في الشق العاجل. اختلف مع الوزارة في التقنيات والبنية التحتية التي لم تدرس جيدًا ولم تستوعب عدد الطلاب وفي تعطل الأنظمة أثناء التطبيق بالعام الماضي.
وبغض النظر عن علاقة المحكمة بالموضوع لأني لم أستوعبها إلا أنه استوقفتني التفكير في الأسئلة التالية التالي:
1.هل يمكن تعليم أي شخص في عصرنا هذا بمنأى عن التكنولوجيا. وهل يمكن أن نأمل في مجتمع متقدم وشمول مالي ومجتمع لانقدي وهؤلاء الأطفال أميون تمامًا أو على الأقل تكنولوجيا لضعف الإمكانات ؟
والإجابة أنه لا أمل لأمة جاهلة وغير مواكبة للعصر ولا مكان للتحول الرقمي والشمول المالي بل واستدامة الاقتصاد والدولة دون الاعتماد على التكنولوجيا في التعليم. فإلى كل من يقاوم تلك المحاولات وإن لم تكن مثالية بدلًا من مساعدتها وتشجيعها أوجه الرسالة بأنكم تحاربون مستقبل أولادكم ومستقبل بلدنا فكفوا عن تلك السخافة والعبث.
وإلى السيد وزير التعليم أوجه رسالتي بالرجاء عن عدم التوقف عن محاولات التحول الرقمي لنظم التعليم والاستعانة بالخبراء الحقيقيين لا المتسببين في عدم استدامة الأنظمة ووقوعها.
2.كيف لأهالينا الكرام بالصعيد الحصول على تعليم جيد ومناسب؟ كيف نتحقق من جدوى الامتحانات والشهادات وكيف نحبب أطفالنا في المدارس؟ أسئلة صعبة لا يمكن إجابتها إلا بوجود قيادات بالوزارة لها سلطة في تنفيذ سياسات صارمة قادرة على قهر ألاعيب ومقاومة الفاسدين أو الفشلة المتسببين في وجود أميين بالمرحلة الإعدادية. تلك المهمة تقع أيضًا على عاتق وزارة التخطيط في إعداد الخطط والكوادر المناسبة لتغيير الواقع الأليم.
3.هل نجحت مجانية التعليم وهل هناك مجانية تعليم أصلًا؟ والإجابة من وجهة نظري لا، فالنتيجة هي خريجو مدارس وجامعات حاصلين على شهادات ولكن دون مستوى تعليم مناسب لتلك الشهادات. والإجابة نظام مواز من الدروس الخصوصية التي تستهلك مبالغ ضخمة يحصل عليها الأهالي بشق الأنفس وتبتلعها تلك المنظومة الفاسدة من الدروس الخصوصية التي يجب تجريمها أولًا ثم محاسبتها بالقانون.
ليست الصورة بهذا السواد فهناك مدارس متميزة ومعلمون أجلاء وأمناء شكلوا عقولنا وشخصياتنا ولكن مع مرور الزمن يذهب هؤلاء ولا يحضر غيرهم أو يقل عددهم في مواجهة عدد الطلاب المتزايد بزيادة السكان.
لذلك نحتاج إلى تعميم التكنولوجيا في التعليم فالتكنولوجيا يا سادة ونظام الامتحانات الرقمي قادر على قهر وحش الدروس الخصوصية الذي أنهك البيوت المصرية لعقود طويلة. بذلك يمكن أن نحلم بمدارس يحبها روادها وقادرة على تسليح بلدنا بعقول عامرة بالعلم الذي وحده يضمن استدامة أمتنا.