بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية
كثر الكلام هذه الأيام عن التحول الرقمي وأهميته وكثرت تصريحات المسؤولين عن الخدمات الرقمية وتباهي البعض بأسبقيته إلى تقديمها فما هو التحول الرقمي وهل هو مهم وما الفائدة من تبني تلك السياسات وما هي الخطوات المهمة التي يجب على المؤسسات والشركات والحكومات تبنيها للوصول إلى التحول الرقمي.
التحول الرقمي هو القيام بالأعمال والأشغال بالمؤسسات باستخدام التكنولوجيا الرقمية والاعتماد عليها في الإنتاج وتقديم الخدمات والسلع للعملاء.
التحول الرقمي أيضًا هو تغيير ثقافي -وهو التحدي الأكبر- لفكر العاملين من الاعتياد على الطرق التقليدية إلى تبني التكنولوجيا في إنجاز الأعمال.
وأنا أكتب تلك السطور تذكرت عامل بوفيه بأحد مكاتب الشهر العقاري الذي كان يسخر من التحول الرقمي للمكتب متهمًا إياه بالتسبب في العطلة للمواطنين عندما انقطع الاتصال بالحاسب الرئيسي وتسبب في وقف العمل بمقولة “مش هما عايزين السيستم؟ أدي السيستم وقع وفين أيام الدفاتر”.
التحول الرقمي ضرورة للتعامل مع الحاضر وحتمي لمواجهة المستقبل لأن الرقمنة صارت اللغة التي يتكلم ويتواصل بها العالم ومن أراد تقديم خدماته وسلعه للمتواجدين في العالم الرقمي فعلية أن يتكلم نفس اللغة وإلا سيبقى معزولًا عن عملائه ولن يمكنه الاستمرار. الحكومات أيضًا لن تتمكن من تقديم الخدمات والمنافسة مع غيرها وقيادة شعوبها نحو الرخاء والاستدامة إلا بالتحول رقميًّا للأسباب التالية:
أولًا: الاستدامة والاستمرارية في التواصل: يتعلم الأطفال استخدام الهواتف الذكية قبل تعلم الكلام والكتابة والقراءة، ونحن في مصر أمة شابة معظم تعداد سكانها من الشباب الذين يجيدون ويقضون أوقاتًا طويلة في استخدام التكنولوجيا وتطبيقات التواصل الاجتماعي لسهولة تصفح المحتوى الرقمي في مقابل المحتوى الورقي القديم.
وقريبًا لن يوجد متلقٍّ لخدمات غير إلكترونية لذلك فالتحول الرقمي يتحول تدريجيًّا إلى كونه عمادًا للاستدامة في سير الأعمال والمؤسسات الخدمية والإنتاجية والتجارية.
ثانيًا: السهولة: التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية أتاحتا الحصول على السلع والخدمات بمنتهى السهولة وصارت الخدمة لو السلعة تأتي لباب العميل بدلًا من ضياع الوقت والجهد في البحث عنها، لذلك صارت الخدمات الرقمية مطلبًا لأي سوق وأي اقتصاد.
أعتقد أن من لن يتواجد بسلعة على المنصات الإلكترونية لن يستطيع المنافسة لأن المنافسة في كثير من الأحيان انتقلت من المحلية إلى العالمية. أيضًا طالعتنا الصحف المتخصصة بدراسات عن متاجر عالمية كبرى أغلقت أفرع لمتاجر خاصة بها أمام الإقبال المتزايد على الشراء من المنصات الإلكترونية.
تلك السهولة لا تنحصر على المتلقي ولكن على الأعمال أيضًا لإقامة منصة إلكترونية للبيع أسهل وأسرع كثيرًا من إقامة متجر وإدارتها أيضًا أبسط وأسرع من إدارة الأعمال بالطرق التقليدية.
ثالثًا: انخفاض التكلفة: من الملاحظ في الآونة الاخيرة للبنوك الكبرى التوسع في تقديم الخدمات الرقمية في مصر لتخفيف الزحام على أفرع البنوك لأن افتتاح فرع جديد لبنك أو متجر مكلف جدًّا ويجب حساب العائد واختيار الموقع جيدًا مما قد يساهم في رفع تكلفة الخدمات.
التوسع الرقمي بخلاف أنه أقل تكلفة من التوسع المادي إلا أنه أيضًا أكثر شمولًا فالسوق المستهدفة لا تنحصر في الحي أو المنطقة التي يفتح بها الفرع أو المتجر ولكن يشمل كل المتواجدين إلكترونيًّا بغض النظر عن موقعهم الجغرافي، كما أنه يتيح الخدمات طوال الوقت لذلك تكون تكلفة توفير المنتج أو الخدمة موزعة على عدد أكبر من المواطنين مما يقلل منها ومن السعر النهائي للخدمة أو السلعة.
رابعًا: جودة الخدمة ومحاربة الفساد: فالتحول الرقمي يقلل من فرص الأخطاء والاعتماد على حالة وثقافة مقدم الخدمة البشرية وبالتالي يساهم في تقديم الخدمات بصورة أفضل، كما أنه لا يخضع لابتزاز الموظف وحالته المزاجية ورغبته في تعطيل الأمور مما يشكل خسارة على مقدمي الخدمات وتكلفة أعلى غير حقيقية على متلقيها لا تصب في صالح المؤسسات والشركات.
خامسًا: ثراء المعلومات التي يتم الحصول عليها وإمكانية استخدامها تلقائيًّا لمعرفة المنتج الأكثر طلبًا أو الأيام والساعات الأفضل للتعامل مع العملاء… إلخ. فتحليل البيانات والمعلومات بصورة لحظية حتمًا ما يؤدي إلى جودة وسرعة ووفرة الخدمات والسلع المقدمة ويساعد على فهم ودراسة أفضل للعملاء ومتلقي الخدمات.
من خلال احتكاكي بكثير من أصحاب الأعمال ومتخذي القرار في هذا المجال لاحظت أولًا ترددًا في اتخاذ الخطوات اللازمة نحو التحول الرقمي – وقد سبق وتناولت حتمية القرار- كما وجدت عدم وضوح لفهم أركان التحول الرقمي الواجب توفيرها وألخصها في النقاط التالية:
1- البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات بالشركة وتتمثل في الشبكة الموجودة والحواسب وبصفة عامة يتجه العالم ناحية السحابة للاستضافة البرامج الخاصة بالشركات لأنها أقل تكلفة وأضمن للاستمرارية والاستدامة من بناء مراكز معلومات صغيرة بكل شركة.
2. الكوادر البشرية وثقافة العاملين وتغيير تلك الثقافة بفكر قادر على استيعاب أهمية وحتمية التحول الرقمي والتعامل مع الوظيفة والعملاء من هذا المنطلق فكثيرًا ما أعاقتها تلك الثقافة المقاومة شركات كثيرة من التطور للأفضل والقدرة على مواكبة الحاضر والمستقبل.
3- التحول الرقمي لإنجاز الأعمال وتوفير الأنظمة الرئيسية المستخدمة داخل الشركة وربطها بعضها ببعض والتأكد من حتمية وجود واجهة تطبيق معرفة جيدًا لأي نظم خاصة تم تطويرها خصيصًا. ومن أشهر تلك الأنظمة أنظمة الحسابات وشؤون الأفراد والمخازن وإدارة العملاء والاتصال والصيانة والمتاجر الإلكترونية.
4- التواجد الرقمي والاتصال بالعملاء باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والتسويق والإعلان الرقمي فهم الوسيلة الحديثة للوصول للعملاء المستهدفين في أماكن تجمعاتهم الرقمية.
5- التأكد من الاعتماد على التطبيقات المتوفرة في السوق والمستخدمة بأعداد كبيرة من الشركات لمرونتها واستيعابها لتجارب كثير من الأعمال المشابهة بدلًا من تطوير الأنظمة المخصوصة بقدر الإمكان. وإن لزم تطوير الأنظمة المخصصة وجب تحقق الشركة من استدامة الكيان الذي يقوم بتطوير البرامج ومرونته وخدمة ما بعد التطوير لتجنب الاعتماد على كيان أو كوادر قد تختفي عند الحاجة إليها.
التحول الرقمي لم يعد رفاهية أو رمزًا لتقدم شعوب وحكومات دون أخرى لكنه صار لغة العصر في التعامل مع واقع فرض نفسه علينا شئنا ذلك أم أبينا وهو الطريق الوحيد لضمان جودة واستدامة الشركات والمؤسسات ومكافحة الفساد وتقليل الهالك فعلى كل صانعي القرار الدراسة والتخطيط له قبل فوات الأوان.