تحديات النمو العالمي وفرص الاقتصاد المصري

aiBANK

بقلم محسن عادل خبير اقتصادي

قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين دفعت النمو العالمي لأدنى مستوياته في عشر سنوات، مع خفض المنظمة لتوقعاتها. وأضافت أن الاقتصاد العالمي يخاطر بالدخول في مرحلة جديدة ومستمرة من النمو المنخفض، إذا ظلت الحكومات مترددة في كيفية الاستجابة.

E-Bank

وفقًا للتقرير فإن الاقتصاد العالمي سيشهد أضعف نمو منذ الأزمة المالية في 2008-2009 هذا العام، ليتباطأ من المعدل البالغ 3.6 بالمئة في العام الماضي إلى 2.9 بالمئة في العام الجاري، قبل أن يبلغ المعدل المتوقع البالغ ثلاثة بالمئة في 2020.

أوضحت المنظمة في سياق تقريرها أن تصاعد وتيرة التوترات التجارية بين الاقتصادين الأكبرين على مستوى العالم (الولايات المتحدة والصين) يلقي بظلال سلبية على ثقة المستثمرين في مناخ الأعمال العالمي، ويضيف مزيدًا من الضبابية والتخبط على التعاملات بالأسواق العالمية، ومن ثم تقويض آفاق النمو العالمي. وأضافت أن تداعيات حرب التعريفات الدائرة بين واشنطن وبكين ستتسبب في انكماش إجمالي الناتج القومي الصيني بمقدار نقطة مئوية، وتباطؤ نمو الاقتصادين الأمريكي والعالمي بواقع 0.7 نقطة و0.6 نقطة على التوالي.

دعت المنظمة الحكومات للتحرك من أجل احتواء تداعيات حالة الضبابية المسيطرة على الأداء الاقتصادي، والعمل على جذب مزيد من الاستثمارات من أجل الحد من المخاطر التي تواجه آفاق نمو الاقتصاد العالمي. وأضافت أن الحكومات لا تقوم بما يكفي لمنع حدوث ضرر طويل المدى. وقالت إن «مستقبل الاقتصاد العالمي مليء بالغموض ويتسم بالهشاشة. وتصاعد التوترات التجارية يترك آثارًا سلبية على الثقة والاستثمار»، معربة عن قلقها بشأن وضع الاقتصاد العالمي الآن.

من منطلق ما سبق فهناك ضروره في مصر لتكثيف الجهود الترويجية لدعوة المستثمرين في تلك الدول للاستثمار في مصر بهدف التصدير حيث إن هذه الحرب تشكل فرصة هامة لاستمرار دخول صادراتهم نظرًا لعدم خضوع المنتجات المصرية لتلك الإجراءات الحمائية وكذا الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة المبرمة بين مصر ومعظم هذه الدول.

مع التركيز على دعوة الشركات الصينية للاستثمار في الصناعات كثيفة العمالة مثل: صناعات الغزل والنسيج ومكونات السيارات والأجهزة المنزلية (الصناعات الهندسية) بما يساهم في توفير المزيد من فرص العمل وكذا زيادة الصادرات المصرية مع وضع استراتيجية زمنية لرفع جودة المنتجات المصرية والالتزام بالمعايير المطبقة بتلك الدول حتى يتسنى تصعيد الصادرات المصرية وزيادة تنافسيتها عالميًّا.

تتيح هذه الحرب التجارية فرصًا لتوطين الاستثمارات في مصر في إطار مبادرة حزام وطريق والتي تقوم بشكل أساسي على إعادة إحياء طريق الحرير القديم وإنشاء شبكة من المشروعات اللوجستية التي تربط بين الصين وشرق أوربا وشمال إفريقيا، وكذا الاستفادة من مبادرة الصين تجاه إفريقيا والتي تقوم بموجبها الحكومة الصينية للاستثمار بتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في إفريقيا ومنها مصر وتوفر الحكومة الصينية آليات التمويل المختلفة لتلك الشركات لتيسير أعمالها من خلال بنك التنمية الصيني، صندوق التنمية الصيني الإفريقي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.

الحرب التجارية وارتفاع التكاليف يدفعان المستثمرين إلى هجرة بكين وتوسيع الإنتاج في الخارج

44% ارتفاعًا في أجور الصينيين مقارنة بـ30% في فيتنام خلال 5 سنوات وتسير الشركات المحلية الصينية على خطى نظيراتها الأجنبية في التخارج من البلاد؛ بحثًا عن قواعد إنتاج بديلة للتخفيف من تأثير الحرب التجارية الطويلة وهذا يعني ان مصر في ظل وجود عماله ماهرة ومتعلمة وبنية تحتية جيدة وشبكة قوية من اتفاقيات التجارة الحرة بما في ذلك أن تكون جزءًا من منطقة التجارة الحرة الإفريقية، واتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوربي والكويز مع أمريكا من بين العوامل الأخرى لجذب الشركات.

سوف تتأثر كافة الدول التي لديها تعاملات تجارية مع الصين والولايات المتحدة من تلك الحرب نتيجة انخفاض حركة التجارة بينهم وارتفاع أسعار معظم السلع مما يعطي فرصة لإعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتي كانت ترتكز بشكل أساسي في الصين معتمدة في ذلك على التكنولوجيا الأمريكية، وبالتالي من الممكن أن تستغل مصر موقعها الاستراتيجي وخاصة منطقة محور قناة السويس لجذب العديد من الشركات الصينية وكذا العالمية التي تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، يكون أكثر أمانًا لتفادي العقوبات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة وهو ما يتيح الترويج لجذب الشركات الصينية والعالمية المتضررة من الحرب الاقتصادية وتشجيعها على الاستثمار في مصر مما يتسق مع اتجاه الحكومة المصرية نحو تشجيع الإنتاج لزيادة الصادرات وإحلال الواردات لتعويض الفجوة في الميزان التجاري بين مصر والصين.

يجب أن تعمل مصر على تحفيز الاستثمار الداخلي مع الأجنبي في ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحركة التجارة العالمية، يجب التركيز على الصناعات التي يتم استهلاك مخرجاتها داخليًّا مع عدم إغفال الصناعات التصديرية حتى لا يتأثر الميزان التجاري وسعر صرف الجنيه المصري، خاصة إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن حدوث أزمة اقتصادية من الممكن جدًّا أن يؤثر على استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية وهو ما قد يؤدي إلى العودة إلى نفس الأزمة السابقة إذا لم يتم تحفيز الإنتاج عمومًا وخاصة الاستثمار الرأسمالي.

كما أن هناك ضرورة لقيام البنك المركزي المصري بتدشين حملة مكثفة لبرنامج لتقديم تمويل منخفض التكلفة بالنسبة لشراء الآلات والمعدات الرأسمالية مع توسيع قاعدة البرنامج ليشمل تطوير وتحديث الطاقات الإنتاجية الحالية وتطويرها كما أنه من الهام في ظل المتغيرات الحالية إعادة النظر في القيود المفروضة علي مساهمة البنوك في رؤوس الشركات الجديدة وهو ما يحد من تنويع العملية التمويلية.

قد يكون عالم مقبل على أزمه اقتصادية جديدة ولكن قد يخلق من رحم الأزمة فرصة جديدة للنمو للاقتصاد المصري اذا ما أحسن استغلالها.

الرابط المختصر