ماذا علمتني أمي

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية

مررت السبت الماضي بأصعب تجربة يمر بها إنسان وهي انتقال أمي إلى المجد الأبدي وقد تكون تجربتي أصعب لسببين: السبب الثاني هو أني كنت أحيا لأجل ابتسامتها فهي كانت الهدف والغاية وكل نجاح حققته أو علم وصلت إليه كان لأجل نفس الغرض.

E-Bank

أما السبب الأول والأهم هو أن أمي لم تكن أبدًا امرأة عادية كان في وداعها كم غريب من الأحباء وتطابق في وصفها تعليقات من عرفوها طوال العمر ومن قابلها مرة واحدة من شارف على مرحلة المراهقة ومن كان أقرب لعمرها.

تعلمت بعد رحيل أمي دروسًا مما سمعته من الأحباء لم أكن أتوقعها فقد كنت ملازمًا لها وكنت أظن أني أعرف عنها كل شيء وأني أدرك من هي وما هي قيمتها حجمها وكل ما تملك من معرفة وكنت قد ظننت أني قد استوعبت الدروس كلها إلا أنها فاجأتني بحقيقة أني ما زلت أنهل من تلك الدروس والعبر.

بالرغم من أن أمي كانت امرأة صعيدية تعلمت في كلية الأمريكان بأسيوط قبل المرحلة الجامعية بالقاهرة وكانت على درجة واسعة جدًّا من الثقافة والعلم وقبلهم وفوقهم الإيمان سافرت إلى كل قارات العالم ومثلت مصر الحبيبة في محافل دولية إلا أني لم أتعلم من ثقافتها وعلمها بقدر ما تعلمت من حياتها فقد كانت القدوة والمثل الأعلى مع أبي رحمه الله ومع أني قد كنت كتبت مقالًا الأسبوع الماضي إلا أني آثرت أن أشارككم اليوم ببعض الكنوز مما علمتني أمي لأنها أثمن وأجدى وأنفع من وجهة نظري من أي رأي أو علم أو معرفة في إمكاني مشاركتكم به.

علمتني أمي أن الابتسامة تغلب الحزن وأن لها مفعول السحر في النفوس والقلوب وأن الأصدقاء في أشد الحاجة إليها ولم تكن تفارق ابتسامتها وجهها الجميل الصبوح حتى في أكثر الأوقات ألمًا بالنسبة لها ولم أكن أعرف قوتها إلا بعد رحيلها.

علمتني أمي أن الصبر والشكر أقوى من الألم والمرض وأي ظرف أو محنة فلم أرَ أمي يومًا إلا صبورة شاكرة تتخذ منهما قدرة غريبة على التحمل وإكمال المسيرة.
علمتني أمي أن الإيمان بالله ومعيته لها ومرافقته لها كل يوم من أيام حياتها يهزم كل محاولة من أي عدو خير للإيقاع بها. في أكثر أوقات أمي ضعفًا وألمًا وأقل الأوقات قدرة وحيلة انتصرت أمي في كل المعارك ولم تهزم في معركة واحدة بالإيمان بالله ومعيته. كانت تخاطب الشيطان بلكنتها الصعيدية الجميلة قائلة «مش هاتجدر على المسيح ماسك بإيدي».

علمتني أمي خاصة بعد رحيلها قيمة الاهتمام بالناس والسؤال عنهم بغض النظر عن قربهم منها أو عن احتياجها لهم. كانت امي دائمة السؤال عن الجميع بغض النظر عن أعمارهم وكانت تحاول إسعاد الجميع وكنت أظن أنها كانت ترهق نفسها بما لا قيمة أو فائدة له فأي من المعارف في سن المراهقة قد يتأثر بسؤال أمي وكم كنت مخطئًا إذ انهالت عليّ القصص بكم بنى سؤال أمي في نفوس الكثيرين.

علمتني أمي أن حب الحياة لا علاقة له بعمر الإنسان وبأنه يهب طاقة وقوة على الاستمرار بفرح ومتعة بغض النظر عن الأتراح والصعوبات والتحديات. كانت محبة للحياة مثابرة في الخروج والسفر والأنشطة الاجتماعية بالرغم من كل التحديات الجسدية التي واجهتها وكان حبها للحياة ومثابرتها بمثابة مولد للطاقة ومحفز لكل أقرانها. كانت دائمًا وحتى اليوم الأخير متأنقة تهتم بمظهرها وتفاصيله وكانت محبة للألوان المشرقة الزاهية والطبيعة والزهور والطيور وكيف لا نحب الحياة وهي هدية من الخالق تعبر عن محبته لنا.

علمتني أن التواجد في الكنيسة وعبادة الله وحفظ كلمته أي إطاعتها لا تكون في وقت الفراغ أو في الظروف المريحة فلم يثنها عن التواجد بمقعدها بالكنيسة صباح كل أحد لا مرض ولا برودة الطقس ولا عدم نوم ولا أي ظرف من الظروف وكانت تتضايق إن وصلنا متأخرين ولو دقائق عن الموعد وتعلمت أن تلك المثابرة كانت هي الداعم لإيمانها ورضاها وشكرها وكانت تلهم الكثيرين من الشباب الذين كان قد يثنيهم برد الشتاء عن الحضور مثلًا.

علمتني أمي أن المحبة أعظم رسالة فالله محبة وبالمحبة يتجلى الله سبحانه وتعالى والمحبة تشفي وتفرح وتلهم وتنمي.

هذا بخلاف التعليم والثقافة وكلمة الله والالتزام والاحترام وحب الوطن وخدمة المجتمع وعلمتني وعلمتني وعلمتني ولا تزال تعلمني أمي فوداعًا يا أمي وإلى أن نلتقي ولن نفترق أبدًا فأنتِ في قلبي وفكري وكياني.

الرابط المختصر