بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية
وصلت إلى مصر الجديدة بعد ظهر الثلاثاء الماضي وما إن دخلت تحت سقف المكان المقصود وانهمرت الأمطار كما لم أرها من قبل وكنت من سعداء الحظ القلائل الذين لم يقضوا بقية اليوم في الشوارع الغارقة في المياه التي ارتفع منسوبها في رأيي لعدم مطابقة شبكات الصرف للمواصفات وعدم صيانة مجاريها بصفة دورية كما يفترض ولزيادة منسوب المياه عن التوقعات. لم تكن هذه المرة الأولى فقد اختبرت العام الماضي يومًا مشابهًا امتلأت فيه كثير من الجراجات بالمياه لارتفاع منسوبها عن الرصيف لنفس الأسباب.
مع كامل رفضي لكل إهمال وعدم أمانة تسببا في تفاقم تداعيات المشكلة ومع كل تعاطفي مع كل مواطن قضى ساعات محبطة يصارع مع انسداد الطرق أو يصارع القلق على الصغار القادمين من المدارس إلا أني أود أن أسلط الأضواء بهذه السطور على مناطق قد تبعد من عشرات إلى مئات الكيلومترات من منزل أي منا.
فعلى الأقل قد قضى كل منا ليلته في منزل صحي آمن جاف وكذلك الصغار. أما أهالينا في معظم قرى الصعيد والدلتا فلم ينعم كثير منهم بليلة مشابهة. فكثيرًا من تلك المنازل وأنا شاهد عيان بلا سقف وتسترها السعف وجريد النخل الذي لا يقي بيتًا من الأمطار أو البرد. ومعظم الساكنين في تلك البيوت لا أثاث لديهم ولا أرض ممهدة وأحيانا لا مياه ولا كهرباء ولا صرف صحي أيضًا.
لذلك تخيل معي أيها القارئ العزيز يومًا بطقس الأسبوع الماضي في منزل من تلك النوعية التي لا تقي أحدًا من الأمطار والأرض التي سريعًا ما تصير موحلة بدون مياه أو صرف وهي المكان الوحيد المتاح للجلوس أو النوم. وبعد قراءة تلك السطور وشكر الله الذي أنعم علينا بمنازلنا أوجه دعوة للتحرك وروشتة جربتها مرارًا ونجحت في تحويل كثير من المنازل إلى منازل صحية.
كثير منا له انتماءات وجذور في محافظات ومدن وقرى غير الموجودين بها فالخطوة الأولى تكمن في تحديد قرية تستطيع التواصل مع أهاليها وإن لم يوجد تستطيع التوجه إلى وجهاء القرية أو رجال الدين بتلك القرية للسؤال عن البيوت المشابهة لتلك الحالة التي وصفتها في السطور السابقة ولن تجد منهم ومن أهل تلك البيوت إلا كل ترحاب واستجابة لما تريد. عند زيارة تلك البيوت من الأفضل اصطحاب مهندس يستطيع تقدير الأعمال المطلوبة لتحويل ذلك البيت إلى مسكن صحي.
اطلب ممن أرشدوك بالقرية مقاول أعمال من نفس القرية لتنفيذ اللازم لتعديل المنزل واستعن بعمال القرية فهم الأقدر على دخول تلك البيوت والتعامل مع أهاليها والحصول على المواد اللازمة لإتمام الأعمال وبذلك توفر أيضًا فرص عمل لهؤلاء أيضًا. يمكن الاتفاق مع المقاول على أسعار ثابتة لكل بند من البنود حتى يكون من السهل حساب التكلفة الإجمالية.
عادة ما تكون بنود الأعمال المطلوبة إنشاء سقف للبيت وبيارة للصرف الصحي ودورة مياه صحية ومحارة الحوائط وطلائها بلون زاهٍ مفرح وأبواب ونوافذ صحية لتهوية المنزل وبعض اعمال الكهرباء البسيطة للإنارة. أما عن الأسقف فهناك السقف الخرساني وهو مكلف جدًّا وكتم لحرارة الصيف والسقف الخشبي المعزول وهو الأضعف ولكنه أفضل كثيرًا من الجريد.
أما أفضل الاسقف التي شيدناها وهي حرفة معروفة في كثير من قرى الصعيد عامة والمنيا خاصة فهي عبارة عن قضيبين من الحديد كل منهما على شكل حدوتي حصان متلاصقتين وبين تلك القضبان تبنى ثلاث قباب من الطوب. ميزة تلك النوعية أنها يمكن أن تتحمل دورًا ثانيًا للمنزل وهي الأبقى والأقل تكلفة.
يمكن أيضًا الاستعاضة عن وجود سرير وكنبة ببناء مصاطب لتلك الأغراض وبذلك لا يضطر أهالينا إلى النوم على الأرض الرطبة في برد الشتاء. تتكلف تلك الأعمال من خمسة عشر إلى ثلاثين ألف جنيه وهذا يتوقف على مساحة المنزل والأعمال المطلوبة وتتكلف رحلتين أو ثلاثًا إلى القرية المستهدفة ومكالمات تليفونية للمتابعة.
لن تجد بنكًا في القرية لتحويل الأموال للمقاول ومن الأفضل تحويل الأموال على دفعات بحسب الأعمال التي قام بها. والوسيلة الأفضل هي التحويل عبر مكتب البريد للقرية أو المدينة الأقرب وستجد أيضًا تلك المعلومة معروفة لديهم.
يمكن أن يتجمع أصدقاء على إنقاذ أهالينا وإتمام العمل بعدة منازل مرة واحدة توفيرًا للجهد والزيارات كما يمكن أيضًا الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني والتبرع لها لكن في تلك الحالة تكون التكلفة أكبر وستخسر أنت الخبرة الجميلة لن تتذوق التأثير الإيجابي الجبار الذي سيعود عليك من تلك الرحلة المثيرة.
من السهل انتقاد المسؤولين والحكومة طوال الوقت ولكن لن تقي تلك الروح السلبية الناقمة المحتاجين من الأمطار أو برد الشتاء وقد لا نستطيع تغيير مجتمعنا بالكامل ولكن من المؤكد أننا سنغير حياة ومعاناة أسر بأكملها وتمكينها من حياة أفضل وأكرم وكل ما سبق عن تجربة وعلى أتم الاستعداد لإمداد من يرغب بتفاصيل أكثر فلنوقد الشموع بدلًا من أن نلعن الظلام.