فاينانشال تايمز ترسم توجهات سوق العقارات السكنية في العالم خلال 2020

مع انخفاض أسعار الفائدة لا يمكن لأسعار المنازل أن ترتفع إلا بالتضخم أو بنمو عوائد الإيجار

aiBANK

إعداد – محمد عبدالله

تعد أسواق العقارات والأبنية السكنية والمكتبية إحدى أهم أدوات جذب الاستثمارات في العالم والتي تختلف محدداتها من مدينة لأخرى حول العالم، باختلاف الأسعار والخدمات المتاحة، ومدى جاهزية البيئة القانونية لإنجاز الأعمال، وعن هذا تستشرف صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، رؤيتها لتوجهات سوق العقار في العالم خلال العام القادم والسنوات القادمة، في ضوء تأثير ارتفاع أسعار المنازل والتقنيات المستخدمة، هذا علاوة على إلقاء الضوء على السوق العقارية بمصر التي تشهد تحسنًا ملحوظًا.

E-Bank
قيادات مجتمع الأعمال تتوقع آفاق الاستثمار العقاري في مصر.. متاح لغير المشتركين

وتتجه أسعار المنازل في بعض المدن الأكثر طلبًا في العالم إلى الهبوط، في إشارة لنهاية الطفرة التي تشهدها سوق العقارات على المستوى العالمي. وتسببت عوامل مثل التغيرات الضريبية الرامية لخفض الطلب، وارتفاع الأسعار لتتناقض مع القدرة على الشراء، بالإضافة إلى تشديد شروط الإقراض في معاناة سوق العقارات.

صندوق النقد: تراجع أسعار العقارات في دولة واحدة قد يؤدي لخسائر واسعة في دول أخرى

ويقول صندوق النقد إن هبوط أسعار العقارات في دولة واحدة قد يؤدي لخسائر واسعة في دول أخرى مع حقيقة أن الأثرياء فضلوا في السنوات الماضية تنويع استثماراتهم في القطاع في عدد من الدول.

بدأت أسعار العقارات في العاصمة البريطانية في الهبوط بفعل مخاوف بشأن أثر مغادرة المملكة المتحدة لعضوية الاتحاد الأوربي «البريكست»، وتباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد، إضافة إلى أن ارتفاع الأسعار تسبب في انخفاض الطلب.

وشهدت أحجام المبيعات في لندن حالة من الهبوط مع وجود المزيد من العقارات المعروضة للبيع وسط تحول في شهية الإقبال على الشراء. وانخفضت أسعار العقارات في أفضل المناطق بوسط لندن بنسبة تقترب من 18% مقارنة مع الذروة المسجلة في عام 2014، كما فقدت بعض المنازل ما يصل إلى ثلث قيمتها، وفقًا لبحث أجرته مجموعة «سافيلس».

طرحت الصحيفة سؤالًا حاولت الإجابة عنه، وهو عن: كيف ستتغير أسواق العقارات في 2020؟ وربطت الإجابة بتأثير 3 عوامل وهي تأثير التغير المناخي، وتزايد شركات الإسكان، وصعود البناء المعياري، وفي ضوء هذه العوامل العامة، وعوامل أخرى تقنية، فصلت الصحيفة التوجهات التي قد تكون غالبة خلال الفترة القادمة، بناء على ما قام به صحفيو ومحللو الصحيفة في تحقيقٍ استقصائي.

استطلعت الصحيفة حالات البيع والشراء خلال الفترة الماضية في واحدة من أهم مدن العالم العقارية وهي مدينة فانكوفر الكندية التي تسبق في أهمية سوق العقار عواصم ومدنًا كبرى كلندن وسدني ونيويورك، وقالت إن البعض في فانكوفر الكندية كان يحاول بيع شقته المكونة من غرفتي نوم لمدة ستة أشهر دون جدوى، فلم يكن الأمر سهلًا.

في عام 2016، ارتفعت الأسعار في المدينة الكندية بنسبة 30 في المئة، لكنها الآن في 2019 قصة مختلفة. لأنه ومنذ العام الماضي 2018، انخفضت الأسعار بأكثر من 7 في المئة وهو الأمر الذي ما زال مستمرًّا ومتأرجحًا حتى الآن ما بين هبوط وارتفاع لا يصل إلى ما كان عليه الأمر في 2016 وقبلها، وهذا وفقًا أيضًا لما أكده مجلس العقارات في فانكوفر الكبرى.

في مدينة فانكوفر، قد يقوم البائع بتخفيض سعر شقته مرتين، حتى يحصل على مشترٍ، ورغم ذلك قد لا يجد عروضًا توافق رغبته، حيث يعطي الراغبون في الشراء أسعارًا أكثر انخفاضًا من الذي يعرضه صاحب الشقة، ولهذا، يخرج ملاك الشقق والعقارات من حالة السوق التي فيها عزوف عن شراء بتأجير الشقق على أمل أن ترتفع الأسعار مرة أخرى.

لكن قد يكون الانتظار لفترة طويلة، في العقد الماضي، أدت أسعار الفائدة المنخفضة والسهولة النسبية في البناء والشراء من تكوين ثروات ليس في فانكوفر وحدها بل في مدن العالم في مدن مثل فانكوفر ولندن ونيويورك وسيدني، ومدن في الشرق الأوسط كذلك، وما دفع إلى حالة الإقبال على العقارات أسعار المنازل المبالغ فيها علاوة على حالة بناء المنازل الفاخرة بوتيرة سريعة، وهو ما شجع الكثيرين على الاستثمار في هذا القطاع متحملين أسعارًا مرتفعة نسبيًّا.

الحكومات تقاتل لأجل وضع تغييرات ضريبية وعمل سياسات للحد من الطلب على سوق العقار المتخم

والآن في ضوء هذه المتغيرات، فإن العديد من الحكومات تقاتل لأجل وضع تغييرات ضريبية وعمل سياسات للحد من الطلب على سوق العقار المتخم. في فانكوفر، على سبيل المثال، فرض المشرعون في المقاطعة ضريبة بنسبة 15 في المئة على المشترين الأجانب في عام 2016، وارتفعت إلى 20 في المئة.

لكن مع انخفاض الأسعار، يعيد المستثمرون التفكير في محافظهم الاستثمارية. يقول نيل هدسون، محلل سوق العقارات في المملكة المتحدة: «الملكية الآن ليست آمنة كما كانت في السابق».

ويقول يولاندي بارنز، رئيس مدرسة بارتليت العقارية في جامعة كوليدج لندن: «لقد وصلنا إلى نهاية عصر نمو قيمة رأس المال، فمع انخفاض أسعار الفائدة، لا يمكن لأسعار المنازل أن ترتفع إلا بالتضخم أو في حالة نمو عوائد الإيجار».

ويرى ليام بيلي، رئيس الأبحاث العالمية في نايت فرانك: «لقد بدأ المستثمرون في البحث عن عوائد مستقرة لرؤوس أموالهم، ولهذا وجدنا خلال العقد الماضي مجموعات متزايدة من الأشخاص حول العالم الذين يريدون محافظ استثمارية ذات مخاطر متنوعة قليلة حسب الجغرافيا والقطاع».

على مدار السنوات العشر المقبلة، يتوقع هدسون انخفاض نمو رأس المال العقاري في المملكة المتحدة مثلًا. فلن يتمكن الأشخاص الذين يشترون شققًا مؤلفة من غرفتي نوم من أن يرقوا أوضاعهم ويمتلكوا منازل أكبر كما فعلت الأجيال السابقة. وستبقى القدرة على تحمل التكاليف مشكلة بالنسبة للكثيرين، فلا تزال قضايا القدرة على تحمل التكاليف تتصدر جدول أعمال لندن ومدن عالمية أخرى.

بينما ترجح يولاندي بارنز، رئيسة مدرسة بارتليت العقارية في جامعة كوليدج في لندن، أن الأمور ستكون على نحو أفضل مع المستأجرين، فبالنسبة لهم، يمكن أن تشهد السنوات العشر القادمة تطبيق مزيد من ضوابط الإيجار. حيث قدم المشرعون في باريس مثل هذه الإجراءات هذا العام. في لندن، يضغط العمدة صادق خان من أجل الحصول على سلطات لإدارة سوق الإيجار المحموم والمرتفع في لندن. حيث أن متوسط ​​الإيجار الخاص لشقة بغرفة نوم واحدة في لندن، أكثر من متوسط ​​استئجار شقة من ثلاثة غرف نوم في كل إنجلترا.

لكن القلق الأكبر بالنسبة إلى هيدي ليرنير، كبيرة الاقتصاديين في شركة سافيلس، هو القيود المفروضة على تدفقات رأس المال عبر الحدود، كتلك التي تفرضها الصين على رأس المال الخارجي. وتقول إن البيت الأبيض يفكر في الحد من الاستثمارات المالية بين الولايات المتحدة والصين، فهذا وفقًا لها «يمكن أن يكون ضارًّا بالعقارات بشكل عام».

وتضيف ليرنير: «لقد استفاد عدد كبير من المدن مثل فانكوفر ونيويورك من رأس المال الخارج من الصين». وتقول إن أي قيود على هذه الأنواع من التدفقات سيكون لها [تأثير] سلبي على الأسواق السكنية.

التكنولوجيا سوف تغير كل شيء

في لندن، عندما تم إطلاق تطبيق على الهواتف الذكية يدعى إيزي بروبيرتي easyProperty كدليل على الإنترنت للعملاء الباحثين عن عقار في عام 2015، تخوف الكثيرون من هذا العصر الجديد واعتبر البعض أن هذا إعلان عن وفاة وكلاء العقارات التقليديين.

وتقول كليليا واربورج بيترز، رئيسة شركة واربورج ووريت بالولايات المتحدة: «بالأشهر الـ 12 الماضية كان هناك تحول من حيث حجم التمويل ونوعية الشركات التي نشهدها، حيث صار اعتماد الشركات على وجود توسع أكبر للخرائط على الإنترنت لمواقعها الإنشائية، وصار التسويق بشكل أكبر يتم عبر الإنترنت ومواقع التواصل، هذا علاوة على ارتفاع نسبة العمولة على الإنترنت لـ7%».

وتنبأت كليليا بأن المستأجرين سينتقلون بعيدًا عن عقود الإيجار طويلة الأجل باتجاه عقود أقصر مسترشدين بالتكنولوجيا، ولهذا، ستكون كيفية شراء وبيع وتمويل منازلنا عرضة للمراجعة من قِبل الشركات الناشئة في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وتوفر منصة Wayhome في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، جسرًا بين المستثمرين والأفراد والمؤسسات، حيث تتم مشاركة ملكية المنازل في البداية وتتيح عملية شراء تدريجية بمرور الوقت.

وفي الولايات المتحدة، تسمح الشركات الناشئة مثل بوينت Point لأصحاب المنازل بالاستفادة من ثرواتهم من خلال نموذج لتقاسم الأسهم. تقدم بوينت شراء حصة تتراوح عادة بين 5 و 15 في المئة من قيمة المنزل في مقابل مبلغ القرض المتفق عليه (مقابل رسوم).

أنماط إسكان تراعي البعد الاجتماعي.. كبار السن ما بعد التقاعد

قد يفضل البعض في بلدان عدة التقاعد والعيش في المناطق الريفية النائية. ويفترض النموذج الجديد للتقاعد أن يعيش كبار السن إلى جانب أشخاص آخرين غالبًا في المدن، وسوف يركزون على الحفاظ على العلاقات مع جيرانهم.

يقول مالكولم جونسون، أستاذ فخري في الصحة والسياسة الاجتماعية بجامعة باث: «نحتاج إلى نموذج جديد لحياة التقاعد. شخص لا يحبس كبار السن في الأحياء المنزوية البعيدة».

ووفق الصحيفة، فسوف تتغير التركيبة السكانية في المملكة المتحدة على مدى السنوات العشر القادمة، فبحلول عام 2032، تتنبأ الإحصاءات الرسمية بأنه ستكون هناك زيادة بنسبة 26 في المئة في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا وزيادة بنسبة 55 في المئة في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 85 عامًا.

ويرى السياسيون أنه وأمام هذا، يجب أن يكون هؤلاء منخرطين ونشطيين اجتماعيًّا وعقليًّا، وهذه النسب بعكس النسب في دول مثل الشرق الأوسط، التي يعد السواد الأكبر من الشباب في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من العمر.

حالة الاستثمار في الشرق الأوسط

وفق مجلة ذا إنفيستور الاقتصادية، ينشط مستثمرو العقار بالشرق الأوسط من القطاع الخاص بشكل متزايد في أوربا وأمريكا الشمالية، وفي الأشهر الستة الأولى من هذا العام 2019، تم استثمار أكثر من مليار دولار أمريكي في العقارات الأوربية من قبل مستثمري ومؤسسات القطاع الخاص في الشرق الأوسط بما في ذلك المكاتب العائلية والأفراد ذوي القيمة العالية.

يوضح فادي موصلي، الخبير العقاري بالمجلة، أن أسواق العقار السكني والتجاري في أوربا قد أوضحت رواجًا: «إننا نرى تفضيلًا خاصًّا للمكاتب في المدن الأوربية الكبيرة، وليس هذا مقصورًا على العواصم».

في المملكة المتحدة، قام المستثمرون الشرق أوسطيون بالاستثمار في مدن ثانوية مثل برمنجهام وليدز ومؤخرًا جلاسكو، حيث اشترت شركة أرب كابيتال السعودية، أصولًا بـ 55 مليون جنيه استرليني.

رأس المال الكويتي والبحريني استحوذا على حصة الأسد من معاملات نصف العام في بريطانيا

استحوذ رأس المال الكويتي والبحريني على حصة الأسد من المعاملات التي تمت في الأشهر الستة الأولى من هذا العام في بريطانيا، حيث تراوحت أحجام الصفقات بين 7 ملايين دولار أمريكي و 200 مليون دولار أمريكي.

كما تزايد الطلب من المستثمرين اللبنانيين، فخلال العامين الماضيين، كان المستثمرون اللبنانيون نشطين بشكل خاص في الخارج، حيث توفر العقارات في الخارج الأمان الذي يريدونه في وقت يشوبه عدم اليقين الاقتصادي والضغط الشديد على النظام المصرفي في لبنان، هذا علاوة على أن لبنان يعاني من أزمة ديون كبيرة وشجعت حالة عدم اليقين في السوق المستثمرين إلى التطلع إلى الخارج.

المرونة السوقية تقود اللبنانيين للبحث عن فرص عقارية في الأسواق الخارجية

ويضيف موصلي: «إن المرونة السوقية ما يدفع اللبنانيين للبحث عن فرص عقارية في الأسواق الخارجية».

وهناك قطاعات بديلة مثل الإسكان الطلابي، والإسكان الراقي الجيد في دول أوربا الوسطى والشرقية وإفريقيا وفي دول أمريكيا الجنوبية.

ويشير موصلي إلى أنه «من أجل الحصول على عائد جيد، قد يستثمر كبار المستثمرين في دول بعيدة. هذا الانفتاح بين ما هو جديد من الناحية التاريخية نسبيًّا يتطلب من مديري الاستثمار اقتراح أفكار خارج المسارات المطروحة».

رأس المال الخاص سيستمر في التدفق من منطقة الشرق الأوسط إلى خارجها في الأشهر المقبلة

ويرى موصلي أن رأس المال الخاص سيستمر في التدفق من منطقة الشرق الأوسط إلى خارجها في الأشهر المقبلة، وأن هذا سيستمر من خلال الثروات الخاصة لدى المستثمرين ومن خلال الصناديق السيادية لدى الحكومات، وهذا إذا ظلت أسعار النفط على ما هي عليه، وظلت التهديدات الأمنية والمالية قائمة، وهو ما يجعل التحدي المستمر بإيجاد مكان جيد في المدن الكبرى ليضع مستثمرو الشرق الأوسط رأس المال به في سوق عقارات عالمية صار ضيقًا بشكل متزايد.

 

الرابط المختصر