مشروعات متناهية في الصغر بالغة في الأثر

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية

كعادتي كل سبت استيقظت مبكرًا أبحث عن الموضوع الذي أود مشاركتكم به وتسارعت إلى ذهني عدة أفكار كلها منبعها واقع غير مريح نعيش فيه وسلوكيات أرغب في انتقادها وإبراز جوانبها السلبية على كافة المحاور المالية والهندسية والإنسانية إلا أنني قاومت وبشدة رغبتي في الكتابة عن تلك الأمور وقررت أن أشارك بتجربتين غاية في الإيجابية عن مشروعين من المشروعات الصغيرة لأصدقاء عاصرت معهم رحلتهم حتى ولدت مشروعاتهم لعلنا نستلهم منهم بعض الطاقة الإيجابية التي تحفزنا على تغيير ما يؤلمنا بواقعنا لرسم مستقبل أكثر أملًا وجمالًا.

E-Bank

المشروع الأول هو لصديق عزيز مر بظروف صحية انتهت به إلى عدم القدرة على الحركة والاعتماد على كرسي متحرك في مرحلة من عمره كان قد اختبر فيها جمال الحياة وقيمة العمل.

لم أكن أبدًا قبل معرفتي بصديقي أدرك كم هي معاناة الذين يعتمدون في تنقلهم على الكراسي المتحركة. فشوارعنا وأرصفتنا لا تعترف بوجودهم ومن أول المهارات التي تحتاج تعلمها إن كنت تساعد من هم على مقعد متحرك كيف تقفز بالمقعد ومن عليه فوق الرصيف.

ولا يوجد رصيف واحد في مصر يرحب بمقعد متحرك. وأذكر مرة ذهبت معه لزيارة مسؤول بمبنى جديد نسبيًّا لوزارة كبيرة واضطررنا لاستخدام مهارات السيرك حتى نصل إلى المكتب المقصود مع أن المبنى كما كانوا يدعون مجهزًا. كذلك دورات المياه الخاصة بهم وهي نادرة الوجود خارج مجمعات التسوق الكبرى غير مجهزة وكثيرًا ما تستخدم كمخزن ولا توجد لدينا ثقافة الحفاظ عليها.

فكر ذلك الشخص في مشروع صغير يرجع له قيمة العمل ودورها في إحياء الأمل ومساعدة كل من يريد التنقل داخل القاهرة بحرية وكرامة. كما فكر في السائح ذي الاحتياجات الخاصة وكيف يمكن له أن يتنقل من مكان لآخر وكان يحلم بمشروع سيارة يمكن أن تستوعب الكرسي المتحرك بمن عليه دون الاضطرار لإنزاله وحمله لإدخاله بالسيارة.

ظل يحلم وقمنا بزيارة لوزارة المالية للبحث عن إمكانية الإعفاء من الجمارك وكانت الإجابة أن القانون يستثني السيارة إن كان من يقودها هو من ذوي الاحتياجات الخاصة وليس من يستقلها. لم تثن تلك الإجابة عن عزيمة صديقي وبمساعدة صديق ثالث لنا بحثًا عن السيارة الأنسب لتلك المهمة وقررا البدء في مشروع بسيارة واحدة لنقل ذوي الاحتياجات الخاصة بتلك السيارة. بدأ المشروع من شهور قليلة واعتمد صديقنا الأول على وسائل التواصل الاجتماعي في الإعلان عن مشروعه.

سارع الجميع من يعرفه ومن لا يعرفه بإعادة نشر تلك الرسائل التي تبشر بوجود تلك الخدمة. لم تتوقف السيارة عن العمل من تلك اللحظة وصارت الشركة الصغيرة جاهزة للبحث عن تمويل مناسب للتوسع واستيعاب سيارات إضافية. وصار صديقي يحلم بكيفية التوسع بمشروعه بأفكار من خارج الصندوق للقضاء على معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في التنقل وتشجيع السياحة لمن هم في ظروف مشابهة.

أما المشروع الثاني فهو لمجموعة أخرى من الأصدقاء بالتعاون مع جمعية أهلية بقرية فقيرة بإحدى محافظات الصعيد بها ككل القرى معيلات لأسرهن لا يوجد لديهم فرصة كريمة للعمل والإنتاج وكسب الرزق.

والمشروع هو عبارة عن ورشة صغيرة لإنتاج الشمع اليدوي. هذا المشروع لم يتطلب الكثير من الدعم المالي ولكن تطلب الدعم الفني. اجتهد الجميع حتى وصلوا إلى نتائج مرضية للوصول إلى منتج جميل من الشمع الذي يستخدم في الزينة ونشر الروائح العطرية الجميلة.

كما تطلب ذلك المشروع الدعم في الذوق الجميل والألوان المتناسقة لإخراج منتج قادر على المنافسة وبسعر منافس أيضًا للمعروض بالأسواق. عمل بتلك المشروع ست سيدات منهن سيدة من ذوي الاحتياجات الخاصة في السمع والكلام.

ولا أبالغ إن قلت إنها الأكثر كفاءة وإبداعًا وإنتاجًا. أما عن تأثير ذلك المشروع في حياة تلك السيدة فكان بمثابة الأمل الجديد لحياة لها معنى وقيمة. بقي تحدٍّ أخير وهو تحدي إيجاد السوق المناسبة وبمساعدة بعض الأصدقاء وجدنا أن الشركات التي تعطي هدايا للدعاية قد تجد تلك المنتجات المصنوعة بأيدي مصرية أجمل وأكثر قيمة من المستوردة والتي اعتادوا عليها في السنوات السابقة.

كما سيعتمد التسويق لتلك المشروعات المبهجة والبديعة على إنشاء منصة للتجارة الإلكترونية للتعريف بتلك المنتجات وإمكانية الحصول عليها من المتجر الإلكتروني.

المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر هي مستقبل بلدنا الذي تفوق زيادة عدد السكان به بدرجة كبيرة فرص العمل الجديدة بسوق العمل إن وجدت. كما أنها الأمل الوحيد للسيدات الفاضلات اللاتي اضطررن للقيام بدور عائل الأسرة دون احتياجهن لإهمال المنزل والصغار أو مغادرة القرية والمركز إلى المدينة للبحث عن فرصة عمل كريمة.

المشروعات المتناهية الصغر هي الأمل لكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة في البحث عن أمل وقيمة ومعنى للحياة يعطيهم طاقة للتحدي. هي أيضًا داعم كبير ولا يمكن تجاهله للاقتصاد والسياحة. فالمشروعان االسابقان كلاهما مهم للسياحة التي تعشق أيضًا تسوق المنتجات اليدوية والتقليدية.

تستحق تلك المشروعات منا كل الدعم المادي في رأس المال أو في الإقبال على منتجاتها وخدماتها، كما تحتاج منا أيضًا الدعم الفني في التدريب في تلك الأماكن وإن كانت بعيدة وأخيرًا تحتاج منا إلى التسويق وتشجيع الطلب على منتجاتها التي تفوق جودتها أحيانًا كثيرة تلك التي اعتدنا عليها.

الرابط المختصر