بالاستثمار والنفوذ المالي.. الاقتصاديات الكبرى تتصارع على كعكة إفريقيا

مصر ضمن أهم دول القارة في جذب الاستثمار الأجنبي

aiBANK

محمد عبد الله

زادت حدة المنافسة بين كبرى الاقتصاديات العالمية على كعكة الاستثمار في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، وذلك لعدة أسباب اقتصادية وسياسية، وفق ما أظهرت العديد من التقارير التي نشرتها الصحف العالمية، والتي أظهرت أن الصراع على إفريقيا لم يعد يقتصر على الاستثمار فقط أو السيطرة السياسية، وإنما توسيع النفوذ المالي وإبرام الاتفاقيات المشتركة.

E-Bank

وتعد استراتيجية البيت الأبيض لإفريقيا في عام 2018 مثالًا واضحًا على ذلك، إذ سلطت الضوء على أن الصين وروسيا، تقومان بتوسيع نفوذهما المالي والسياسي بسرعة في جميع أنحاء إفريقيا، بحسب ما قاله «جون بولتون»، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في عرض الاستراتيجية، وفق صحيفة موسكو تايمز، مشيرة إلى أنه لهذا السبب تسعى أمريكا للرد بقوة على تحرك الدولتين.

بكين تسعى لتأكيد دورها كقوة كبرى.. وموسكو تسعى للحاق بها

تقارب جيوسياسي
ويساعد التقارب الجيوسياسي بين روسيا والصين على التعاون بين البلدين في إفريقيا وهو جزء من العالم انخفض فيه وجود اللاعبين الغربيين بشكل ملحوظ في السنوات الخمس عشرة الماضية. وتطور الاختراق الصيني للقارة باستمرار منذ بداية العقد الأول من القرن العشرين على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف، في حين أن نفوذ روسيا في إفريقيا بدأ يظهر فقط قبل بضع سنوات قليلة.

الصين لاعب رئيسي في إفريقيا
يندرج جزء كبير من تواجد الصين في إفريقيا في إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي، وهو حدث يعقد كل ثلاث سنوات منذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين وحضره قادة كل بلد إفريقي تقريبًا والقيادة الصينية.

وهو منتدى من أجل تعزيز التعاون الودي بين الصين والدول الإفريقية والمواجهة المشتركة لتحديات العولمة الاقتصادية والسعي إلى التنمية المشتركة، وعقد الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- الإفريقي في بكين في أكتوبر عام 2000 بمبادرة مشتركة من الجانبين الصيني والإفريقي، فكان ذلك إيذانًا بتأسيس منتدى التعاون الصيني- الإفريقي رسميًّا.

ويهدف هذا المنتدى إلى المساواة والمنفعة المتبادلة والتشاور المتكافئ وتعزيز التفاهم وتوسيع التوافق المشترك وتقوية الصداقة ودفع التعاون. ويضم المنتدى في عضويته الصين وثلاثًا وخمسين دولة إفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين ومفوضية الاتحاد الإفريقي. ويُعقد الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- الإفريقي مرة كل ثلاث سنوات، وقد عقدت ست دورات له حتى الآن.

شراكة اقتصادية صينية مع إفريقيا
في الرابع من ديسمبر عام 2015، أقيمت مراسم افتتاح قمة منتدى التعاون الصيني- الإفريقي في جوهانسبرج، حيث أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج نيابة رفع العلاقات الصينية- الإفريقية من الشراكة الاستراتيجية الجديدة إلى شراكة التعاون الاستراتيجي الشاملة، وطرح «عشر خطط رئيسية للتعاون» وينفذها الجانب الصيني مع الجانب الإفريقي.

وتغطي عشرة مجالات هي: التصنيع والتحديث الزراعي والبنية التحتية والخدمات المالية والتنمية الخضراء وتيسير التجارة والاستثمار والحد من الفقر وتحقيق الرفاهية العامة والصحة العامة والشؤون الإنسانية والسلام والأمن، ما يشكل خطة جديدة للتعاون العملي الصيني- الإفريقي. وفي سبتمبر عام 2018، عقدت قمة منتدى التعاون الصيني- الإفريقي في بكين، الأمر الذي حقق التعاون بين الصين والدول الإفريقية.

استثمار صيني بقيمة 60 مليار دولار
نما الدعم الصيني من 5 مليارات دولار في عام 2006 إلى 40 مليار دولار في عام 2015. وفي قمة سبتمبر 2018 في بكين، أعلن الزعيم الصيني شي جين بينج عن حزمة تمويل جديدة بقيمة 60 مليار دولار، 50 مليار دولار من مؤسسات التنمية الصينية، و10 مليارات دولار أخرى في الاستثمار من الشركات الخاصة.

لسنوات عديدة، كانت الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا: 17.5٪ من إجمالي الواردات إلى الدول الإفريقية تأتي من الصين (بشكل أساسي الإلكترونيات، معدات التصنيع، ومنتجات المعادن). تشتري الصين من جانبها المواد الخام من إفريقيا: الهيدروكربونات والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، وهي كلها الأمور التي تقول بوضوح إن الصين تتوجه بقوة نحو إفريقيا وتحاول روسيا اللحاق بها.

في السنوات الخمس الماضية، زاد الاستثمار الصيني في إفريقيا بمقدار 24 مليار دولار، والاستثمار من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالكاد نما شيء بسيط، كما انخفض الاستثمار الفرنسي بمقدار 3 مليارات دولار.

أكبر المستثمرين في إفريقيا
يعد الوجود المالي المتزايد لبكين في الدول الإفريقية مقلقًا للغرب، الذي يعتقد أن الشركات والمؤسسات الإنمائية الصينية تضع الأموال في الأنظمة السياسية غير المستقرة هناك من أجل الحصول على أرباح إضافية. ومع ذلك، تعد الصين رابع أكبر مستثمر في إفريقيا، حيث استثمرت 40 مليار دولار في عام 2016، بعد الولايات المتحدة (57 مليار دولار)، والمملكة المتحدة (55 مليار دولار)، وفرنسا (49 مليار دولار).

والاستثمار الصيني في إفريقيا هو في المقام الأول في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، والتي لديها بالفعل أنظمة سياسية مستقرة نسبيًّا، والتي تعد من أكبر شركاء الصين التجاريين في إفريقيا.

اعتبارًا من عام 2017، كانت الصين تستثمر أكثر في جنوب إفريقيا (ما مجموعه 6.3 مليار دولار) وزامبيا (2.5 مليار دولار) ونيجيريا (2.3 مليار دولار).

في أعقاب التوسع الاقتصادي، شهدت السنوات الأخيرة زيادة تدريجية في وجود الجنود الصينيين في إفريقيا، ففي عام 2017، تم إنشاء أول قاعدة عسكرية للصين في الخارج في جيبوتي، على الرغم من أن المسؤولين الصينيين يشيرون إليها على أنها «مجمع لوجستي»، وليست قاعدة عسكرية بالمعنى المفهوم. كما تعمل الصين على إعادة تطوير البنية التحتية لجيبوتي، وبناء خط سكة حديد إلى إثيوبيا المجاورة، ونظام إمدادات المياه، والبنية التحتية الاجتماعية.

روسيا على خطى الصين
بعد مرور ما يقرب من عام على خطاب بولتون، عُقدت القمة الروسية الإفريقية في مدينة سوتشي الروسية يومي 23 و 24 أكتوبر، وهي الأولى من نوعها في روسيا. منذ الحقبة السوفيتية، عندما زود الاتحاد السوفيتي «الجمهوريات الإفريقية» بمساعدات اقتصادية وإنسانية وعسكرية متنوعة، وانخفض تفاعل موسكو مع الدول الإفريقية بشكل كبير.

من وجهة النظر الاقتصادية، روسيا ليست شريكًا جادًّا لدول القارة، بلغ حجم التبادل التجاري مع دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 3 مليارات دولار في عام 2017، ولا يمكن مقارنة حجم تجارة روسيا بإفريقيا التجارة مع الولايات المتحدة (27 مليار دولار) أو الصين (56 مليار دولار).

ومع ذلك، تستخدم موسكو حاليًا جميع الأدوات الاقتصادية المتاحة لتعزيز مكانتها في إفريقيا، ففي المنتدى في سوتشي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شطب 20 مليار دولار من الديون المستحقة على البلدان الإفريقية.

وتعد صادرات روسيا الرئيسية إلى إفريقيا هي الأسلحة، فمنذ عام 2009، تم إرسال الأسلحة الروسية رسميًّا إلى 18 دولة هناك، معظمها كانت لأنجولا ونيجيريا والسودان. بالإضافة إلى شحنات الأسلحة، تمارس موسكو نفوذًا في إفريقيا عبر متخصصين عسكريين ومستشارين.

وفي الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، وقعت روسيا اتفاقية تعاون عسكري مع جمهورية إفريقيا الوسطى، والتي دمرتها الحرب الأهلية، وبموجب شروط الاتفاقية، يعمل المستشارون العسكريون من روسيا رسميًّا في العاصمة بانجي، حيث توجد الحكومة الرسمية في جمهورية إفريقيا الوسطى.

لا يزال من الصعب مقارنة حجم مشاركة روسيا والصين في إفريقيا، حيث تعد بكين واحدة من أبرز المستثمرين والشركاء التجاريين في القارة، وهي تشارك تدريجيًّا في حل النزاعات المحلية وفي الحفاظ على الاستقرار. وتحاول موسكو، بعد غياب دام 25 عامًا من القارة، استغلال إرث ماضيها السوفيتي، للولوج إلى القارة.

ومولت الصين أكثر من 3000 مشروع للبنية التحتية بالقارة. وقدمت الصين أكثر من 86 مليار دولار في شكل قروض تجارية للحكومات الإفريقية والكيانات المملوكة للدولة بين عامي 2000 و2014، بمعدل حوالي 6 مليارات دولار في السنة. وفي المنتدى السادس للتعاون الصيني الإفريقي، تعهد الرئيس شي جين بينج بتقديم 60 مليار دولار كقروض تجارية للمنطقة، مما سيزيد من الإقراض إلى 20 مليار دولار على الأقل في السنة إذا تم الوفاء بهذا التعهد.

ونتيجة لذلك، أصبحت الصين من أكبر الدائنين لدول القارة، حيث تمثل 14 في المائة من إجمالي ديون إفريقيا جنوب الصحراء، وفقًا لـ Foresight Africa 2018 . في كينيا، على سبيل المثال، حجم القروض الصينية للحكومة أكبر بستة أضعاف من حجم القروض الفرنسية.

الاتحاد الأوربي وتحدي إرث الاستعمار
يبدو أن إطلاق الشراكة الاستراتيجية بين إفريقيا والاتحاد الأوربي وأول قمة على الإطلاق بين أعضاء الاتحاد الأوربي البالغ عددهم 27 دولة و 54 دولة إفريقية في عام 2007 قد أثرت في نوع من العلاقات في المنطقتين.

وفي الواقع، على مدار العقد الماضي، عمل الاتحاد الأوربي، بدرجة كبيرة من النجاح، على الانتقال إلى نموذج شراكة قائم على التجارة المتبادلة، وعقدت قمة الاتحاد الأوربي – إفريقيا الخامسة في أبيدجان في عام 2017 على خلفية تجاوز حجم التبادل التجاري بين المنطقتين 300 مليار دولار، وتعهد الاتحاد الأوربي بتعبئة أكثر من 54 مليار دولار من الاستثمارات «المستدامة» لإفريقيا بحلول عام 2020..

الولايات المتحدة بعيدة عن الصين
منذ عام 2000، تقوم العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا على قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA)، وهو اتفاق تجاري يمنح حوالي 40 دولة وصولًا معفى من الرسوم لنحو 6400 منتج إلى الولايات المتحدة.

كان لقانون أغوا تراث مختلط، بالنظر إلى هدفه المتمثل في تنمية أسواق التصدير في إفريقيا بدلًا من بناء شراكات تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه. وساعد قانون أغوا في دمج التجارة والاستثمار في حوار السياسة بين الولايات المتحدة وإفريقيا وأدى إلى خلق أكثر من مليون وظيفة، بشكل مباشر وغير مباشر، في القارة.

وقد استفاد عدد قليل نسبيًّا من البلدان -لا سيما جنوب إفريقيا وليسوتو وكينيا وموريشيوس وإثيوبيا- من قانون أغوا لإنشاء حجم كبير من الصادرات غير النفطية إلى الولايات المتحدة في الوقت نفسه، فإن استراتيجية التجارة الحرة القوية للاتحاد الأوربي والطفرة الكبيرة التي حققتها الصين في القروض التجارية، جعلت الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية تجارية جديدة.

العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا على قانون النمو والفرص

في الواقع، تضاءلت المشاركة التجارية للولايات المتحدة في إفريقيا، خلال السنوات الخمس الماضية، بلغ متوسط صادرات الولايات المتحدة إلى إفريقيا جنوب الصحراء 19 مليار دولار. فهبطت التجارة الثنائية من 100 مليار دولار في عام 2008 إلى 39 مليار دولار في عام 2017، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى الاكتفاء الذاتي من الطاقة في الولايات المتحدة.

حصلت القارة الإفريقية على استثمارات أجنبية مباشرة قدرت بنحو 94 مليار دولار خلال العام الماضي، بزيادة نسبتها 32 في المائة على قيمتها عام 2015 البالغة 71.3 مليار دولار. وغطت 676 مشروعًا وفّر 129 ألف فرصة عمل.

إفريقيا .. من يتصدر جذب الاستثمارات
ذكر التقرير الصادر عن مؤسسة «إرنست أند يونج»، أن خمس دول إفريقية حازت على 58 في المائة من التدفقات الاستثمارية نحو القارة، وهي جنوب إفريقيا والمغرب ومصر ونيجيريا وكينيا.

 

وأشار التقرير إلى أن المشاريع الجديدة في إفريقيا تثير شهية المستثمرين الأجانب بسبب عائدها الاستثماري ومناعة بعض الاقتصادات الإفريقية أمام الأزمات، وحاجة الشركات العابرة إلى القارات للتوسع جنوبًا، خصوصًا من الولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا والإمارات واليابان وإيطاليا وألمانيا.

ونجت إفريقيا من الانخفاض العالمي في الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) حيث ارتفعت التدفقات إلى القارة إلى 46 مليار دولار أمريكي في عام 2018، بزيادة قدرها 11 ٪ عن العام السابق، وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأونكتاد لعام 2019.

وكان للطلب المتزايد على بعض السلع الأساسية وما يقابلها من ارتفاع في أسعارها بالإضافة إلى النمو في الاستثمار هو ما عزز هذا الارتفاع.

شمال إفريقيا
ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى شمال إفريقيا بنسبة 7٪ إلى 14 مليار دولار.

وتقلصت الاستثمارات في مصر (بانخفاض بنسبة 8 ٪ إلى 6.8 مليار دولار)، ولكن استمرت البلاد في كونها أكبر جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا.

وزاد الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المغرب بنسبة 36٪ إلى 3.6 مليار دولار على خلفية الاستثمارات الضخمة في التمويل وقطاع السيارات.

الشركات متعددة الجنسيات
تقوم الشركات متعددة الجنسيات من البلدان النامية بتوسيع أنشطتها في إفريقيا، لكن المستثمرين من الدول المتقدمة ظلوا اللاعبين الرئيسيين.

واستنادًا إلى البيانات حتى عام 2017، تعد فرنسا أكبر مستثمر في إفريقيا، على الرغم من أن مخزونها من الاستثمار لم يتغير إلى حد كبير منذ عام 2013، تليها هولندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين.

ومن المتوقع أن يؤدي تزايد الطلب والارتفاع المقابل في أسعار السلع، والتي تعد إفريقيا منتجًا رئيسيًّا لها، إلى دعم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القارة في عام 2019.

الرابط المختصر