التكنولوجيا المالية وفرص الحياة بعد الحاضنات

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية

فرضت ريادة الأعمال والشركات الناشئة نفسها على موضوع مقال هذا الأسبوع تزامنًا مع موسم تخرج المشروعات الناشئة من أشهر حاضنات في مصر وتزامنًا مع قمة رايز أب والتي تعد الحدث الأكبر بمصر وغالبًا الشرق الأوسط الخاص بالشركات الناشئة والتكنولوجيا المالية.

E-Bank

والتكنولوجيا المالية هي تقديم خدمات مالية كالتي تقدمها البنوك التقليدية في مجالات التمويل والمدفوعات والبورصات والرقابة المالية. والفرق بينها وبين المصارف التقليدية أنها تعتمد بصورة أكبر على التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي واستخدامات الهواتف الذكية.

ولدت التكنولوجيا المالية منذ اكتشاف التلغراف ولكن البداية الحديثة لها كانت بسبب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 عندما أفلست عدة بنوك وشركات تعمل في أسواق المال. كانت النتيجة تسريح عدد كبير من الموظفين من ذوي الخبرات المالية والذين كانوا على دراية تامة بأحدث ما تقدمه التكنولوجيا من إمكانيات.

تلقفت شركات التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي هذه الكوادر البشرية الخبيرة وأفسحت لها مجالًا للإبداع فولدت التكنولوجيا المالية من جديد وتمردت بسببها الخدمات المالية والمصرفية على البنوك ولم تعد حكرًا لها. كانت المدفوعات والتمويل من أول المجالات التي قدمتها التكنولوجيا المالية.

راقبت البنوك بقلق تلك التطورات ومنها من بادر بالاستثمار في تلك الشركات فإن نجحت حصدوا ثمار النجاح بدلًا من عبء المنافسة ومنها من حاول اجتذاب كوادر مماثلة وتوفير بيئة مماثلة لهم ومنها من وقف موقف المتفرج وذلك كانت خسارته الأكبر.

في مصر خلال السنوات القليلة الماضية بدأ الاهتمام بالتكنولوجيا المالية مع أنه حتى الآن لم تقدم الجامعات أي برنامج أكاديمي متخصص يمنح درجة البكالوريوس في هذا التخصص المهم.

وتبدأ الرحلة باهتمام الشباب سواء حديثي التخرج أو من لهم بعض من سنوات الخبرة بالمجال ثم الوصول إلى فكرة مشروع مبتكرة ثم البحث عن حاضنة أعمال وفي مصر حاضنات أعمال كثيرة توفر لهم البيئة والتوجيه والتدريب والتمويل المحدود حتى تتبلور الفكرة إلى مشروع.

بعد التخرج من حاضنة الأعمال يأتي دور برامج تسريع الأعمال التي تختار المشروعات لتمويل الفترة الأولى لها ثم تأتي شركات رأس المال المخاطر لتستثمر في من تراه واعدًا في المستقبل وتبدأ الشركة في الانطلاق.

وبالرغم من التطور الكبير للنظام البيئي للشركات في مصر من حاضنات ومسرعات أعمال وملائكة استثمار ورأس مال مخاطر إلا أن فقط عشرة بالمائة من الشركات الناشئة في ذلك المجال تنجح وتري النور. تتلخص أسباب عدم النجاح العالمية في عدم احتياج السوق للفكرة أو التوقعات غير الواقعية من أصحاب المشروع أو ضعف التمويل أو ضعف إمكانيات الكوادر القائمة على المشروع في التسويق له.

اضطلعت في مصر على كثير من المشروعات الواعدة والتي لم تنجح لسببين بالإضافة إلى الأسباب السابقة: الأول متعلق بأسباب تشريعية فبالرغم من المجهود الكبير الذي يبذله الرقيب في هذا المجال متمثلًا في البنك المركزي وهيئة الرقابة المالية إلا أنه ليس بالسرعة الكافية لمواجهة التطور التقني السريع جدًّا واحتياجات السوق المتمثلة في الشمول المالي والتحول إلى مجتمع لانقدي.

تحتل مصر مركزًا متأخرًا جدًّا في دول العالم وحتى على المستوى الإفريقي في كلاهما ولا سبيل للتقدم إلا عن طريق التكنولوجيا المالية والتفكير خارج صندوق البنوك التقليدية. فلا يزال تفكير الرقيب محدودًا بإمكانيات تلك البنوك والشركات المالية والتي عجز الكثير منها أيضًا عن مواكبة التطور السريع ولا يزالون يتفاخرون بما قدمته الدول الأخرى في العقود الماضية

أما السبب الثاني فهو العزوف التام للبنوك على التعاون مع تلك الشركات الناشئة. فبالرغم من الحماس الكبير لتلك البنوك في تمويل حاضنات الأعمال التي تدار بواسطة كيانات أخرى والحرص على الظهور بمظهر يواكب التكنولوجيا المالية الحديثة ويتبناها ويمنحها الجوائز لتميز أفكارها إلا أني لم أسمع عن بنوك تبنت تلك الشركات التي تخرجت من حاضنات الأعمال وتعاونت مع مشروعاتها التي قد تحسن من أداء تلك البنوك وتعزز الشمول المالي والتحول لمجتمع لانقدي.

وما زالت الخدمات التي تقدمها البنوك تحتاج لتلك المشروعات لتتطور ولكنها تخاف من التكامل التقني بين أنظمة البنوك وتلك المشروعات لأسباب منطقية ولكن تم التغلب عليها في العالم في العقد الماضي.

في مصر شباب مبتكر واعد نجح بمساعدة النظام البيئي للشركات أن يتطور وينضج وينتظر مزيدًا من التقبل والمرونة من الرقيب واستعدادًا للتعاون والتكامل من البنوك. إنجاح تلك المشروعات يحول مصر لدولة متقدمة في مجال التكنولوجيا المالية ويعزز التقدم في مناحي الشمول المالي والتحول إلى مجتمع لانقدي فلنعمل جميعًا على إنجاحها.

الرابط المختصر