شريف سامي: مزايا دمج الهيئات في مصر تفوق سلبياته
التكنولوجيا المالية ستتصدر الأولوية في الفترة القادمة
بكر بهجت
قال شريف سامي، الخبير المالي، والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، إنه بعد مرور 10 سنوات على تأسيس الهيئة العامة للرقابة المالية، فإن الحديث قل نسبيًّا حول ما إذا كان من الأفضل وجود كيان واحد لتنظيم الأنشطة والأدوات المالية، أم أنه مناسب أكثر وجود هيئات متخصصة.
وأضاف سامي لجريدة «حابي» أن كل رأي له وجاهته لا سيما في سوق ناشئة مثل مصر يحتاج كل نشاط مالي فيها لاهتمام كبير لتطويره وتنظيم تشريعاته والتوعية به والقيام بمتطلبات الترخيص والتفتيش والفحص وفض المنازعات المرتبطة به.
وتابع: «أعتقد عند اتخاذ قرار إيجاد هيئة موحدة للخدمات المالية غير المصرفية، استلهم نموذج سائد في عدة أسواق متقدمة وناشئة، ومنها بريطانيا وأستراليا وألمانيا وسويسرا وهولندا وكوريا وغيرها»، لافتًا إلى أن هذا النموذج تجاوز ما لدينا الآن حيث ضم أيضًا القطاع المصرفي تحت مظلة الرقيب المالي الموحد.
وأشار إلى أنه بعد عدة سنوات تم تعديل هذا النموذج في بريطانيا بفصل الرقابة على الملاءة المالية ومتطلبات الاستقرار المالي وجعلها تحت تبعية البنك المركزي، بينما بقيت مهام الترخيص وضوابط ممارسة النشاط وحماية المتعاملين والتوعية تابعة لهيئة أخرى، سميت بهيئة السلوك المالي، موضحًا أنه من جانب آخر حافظت بعض الدول على الفصل بين الهيئات الإشرافية المالية، وعلى سبيل المثال الولايات المتحدة وفرنسا وكندا البرازيل والتي بها كيانات مستقلة لأسواق المال والتأمين والتمويل العقاري وبالطبع البنوك.
وقال سامي -إنه في رأيه الشخصي- إن مزايا الدمج في مصر حاليًا تفوق سلبياته، فقد تم دمج ثلاث هيئات هي سوق المال والتأمين والتمويل العقاري، ونقلت تبعية أنشطة التأجير التمويلي والتخصيم من الهيئة العامة للاستثمار، ولاحقًا استحدث نشاط التمويل متناهي الصغر وتنظيم الضمانات المنقولة، كما يجري حاليًا بحث تشريع ينظم التمويل الاستهلاكي.
وأكد أن كل ذلك ترسخ بالتعديلات الدستورية التي تم إقرارها مطلع عام 2014 بأن تكون الهيئة العامة للرقابة المالية مسؤولة عن الأنشطة والأدوات المالية غير المصرفية كافة، كما أقر الدستور أن تكون الهيئة واحدة من أربع هيئات رقابية مستقلة في مصر مع البنك المركزي والرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات.
هيئة فاعلة ومستقلة
الاقتصاد والاستثمار يستفيدان من وجود هيئة فاعلة لتنظيم الخدمات المالية
وأشار الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية إلى أن كلًّا من الاقتصاد وبيئة الاستثمار يستفيدان من وجود هيئة قوية وفاعلة لتنظيم الخدمات المالية، فمن ناحية تحقق الثقة والمصداقية، ومن ناحية أخرى تعمل على تنمية وتطوير الأسواق التي تختص بها من خلال تطوير التشريعات واستحداث آليات جديدة والتوعية وحل المنازعات.
وتابع أنه كلما كانت تلك الجهة الإشرافية مستقلة وغير تابعة للحكومة أو متأثرة بالسياسة، كان أفضل لأن عملها فني بحت، مشيرًا إلى أنه لذلك كان اهتمامه في الأشهر الأولى من وجوده بالهيئة -بالتزامن مع بدء العمل على إصدار دستور جديد- على التواصل المكثف مع قيادات لجنة الخمسين المكلفة بمناقشة وصياغة التعديلات للتأكيد على دور الهيئة وأهمية أن تكون مستقلة.
ولفت إلى أنه في هذا الوقت كانت هناك لقاءات مطولة مع عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور حينها، والدكتور جابر نصار مقرر اللجنة، وتم إعداد أبحاث مقارنة وأوراق عمل لتأييد مقترح الهيئة، لافتًا إلى أنه كانت هناك إشكالية بأن قطاعًا كبيرًا من المتخصصين ومن أعضاء لجنة الخمسين لم يكونوا على دراية وقتها بالنطاق الكامل لدور الهيئة وأهميته، إلا أن منى ذو الفقار المحامية وعضو اللجنة ساهمت بجهد كبير أثناء المناقشات في توضيح دور الهيئة العامة للرقابة المالية ومدى أهمية استقلالها.
وأكد سامي إلى أنه فيما يتعلق بالدور التنموي والرقابي فإنه من خلال تجربته، وعضويته في مجلس إدارة المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية «الأيوسكو» ورئاسته للاتحاد العربي لهيئات الأوراق المالية، تولدت لديه قناعة راسخة، أن هيئات التنظيم والإشراف على الخدمات المالية لديها دور شديد الأهمية في تطوير الأسواق واستحداث آليات ومنتجات جديدة، وليس مجرد أن تستجيب لما يقدم لها من طلبات من الجهات العاملة بالسوق.
وأشار إلى أنه لدينا أمثلة عديدة على ما استحدثته الهيئة من منتجات وصيغ عقود وأدوات مالية من خلال قوانين جديدة وتعديلات تشريعية، بدأ استخدامها بعد عدة سنوات، والبعض الآخر ما زال ينتظر، لافتًا إلى أنه من الأمثلة على الفئة الأولى التوريق في سوق المال والتأمين متناهي الصغر والإجارة المنتهية بالتملك في التمويل العقاري، أما فيما يخص ما هو ينتظر أن تبدأ الاستفادة به فمنه الصكوك والتأجير التمويلي متناهي الصغر وسندات الإيراد وصناديق الاستثمار للتمويل متناهي الصغر والسندات قصيرة الأجل.
هيئات الخدمات المالية دورها هام لتطوير الأسواق واستحداث الآليات والمنتجات
وأكد على ضرورة أن الهيئة تتبعها كيانات مثل مركز المديرين المصري والذي يختص بالحوكمة ومعهد الخدمات المالية ومهمته التدريب وتنمية المهارات للعاملين بمختلف الأنشطة المالية غير المصرفية، إضافة إلى وجود وحدة الرقابة علي جودة أعمال مراقبي الحسابات ولها دور مهم في التأكيد علي ضبط أداء مراجعي الحسابات المرخص لهم تولي مهام المراجع الخارجي المستقل لكافة الشركات المالية إضافة إلى الشركات المقيدة أسهمها بالبورصة المصرية.
وأشار إلى أنه يجب مراعاة أن الهيئة تمثل مصر دوليًّا واقليميًّا في مجال اختصاصها، وأنه حرص خلال سنوات رئاسته أن تكون الهيئة عضوًا فاعلًا في المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية «الأيوسكو»، لافتًا إلى أنه تشرف بانتخابه كأول مصري في مجلس إدارتها عام 2014 وأعيد انتخابه عام 2016.
وتابع أنه تم السير على نفس النهج في الاتحاد العربي لهيئات الأوراق المالية، حيث كان رئيسًا للاتحاد للدورة التي انتهت عام 2017، ومن ثم تم انتخاب الدكتور محمد عمران لدورة تالية بعد توليه رئاسة الهيئة وكذلك المستشار رضا عبد المعطي نائب رئيس الهيئة لمجلس إدارة المنظمة الدولية لمشرفي نظم التأمين التقاعدي.
حققنا تقدمًا كبيرًا في أهم المؤشرات الدولية على مدار السنوات الماضية
وأضاف أن الهيئة حققت تقدمًا في أهم المؤشرات الدولية، فعلى سبيل المثال تقدمت مصر عام 2017 -مع نهاية مهمته بالهيئة- في مؤشر «حماية المستثمرين الأقلية في الشركات» بتقرير ممارسة أنشطة الأعمال ( Doing Business Report ) الذي يصدر عن البنك الدولي بنحو 33 مركزًا في الترتيب بين 190 دولة يغطيها التقرير.
وأشار إلى أن ذلك يعد تقدمًا في المراكز لأربعة أعوام متتالية في هذا المؤشر، كما أن مصر ما زالت تتقدم في السنوات التالية نتيجة لتعديلات في قانون الشركات وقواعد القيد للأوراق المالية في البورصة.
ولفت إلى أن تقرير مؤشر التنافسية العالمي لعام 2017 – 2018 والذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، كشف أن مصر تقدمت في مؤشر تنمية سوق المال 44 مركزًا، وكان أكثر عنصر حققت فيه مصر تقدمًا ضمن مؤشر تنمية سوق المال «الرقابة والإشراف على البورصات» حيث تقدمت في الترتيب 55 مركزًا في تلك السنة لتحتل الـمركز 50 في ترتيب الدول، كما أن مؤشر «توفير التمويل من خلال سوق الأسهم» شهد تقدمًا ملحوظًا حيث تقدمت مصر من المركز 58 إلى المركز 41.
وفيما يتعلق بالأولويات أمام هيئة الرقابة المالية قال سامي إنها كثيرة، وهي بالطبع متروكة لتقدير مجلس إدارتها وقيادتها الحالية، مشيرًا إلى أنه يعتقد أنها تتمثل في تنشيط أدوات الدين وسوق السندات إضافة إلى زيادة عمق وتنوع سوق الأسهم والسعي لزيادة وزن مصر في مؤشر الأسواق الناشئة اعتبارات جديرة بالاهتمام، وهي بالتأكيد حاضرة أمام القائمين على شؤون الهيئة.
تعديلات قانون الشركات وقواعد القيد في البورصة عززا مكانتنا دوليًّا
وأوضح أن التجارب العالمية ولا سيما في عدة دول بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وفي مقدمتها الصين والهند وكينيا ونيجيريا والبرازيل والمكسيك، تشير إلى أن تبنى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطبيقات الرقمية تساعد على تيسير نشر الخدمات المالية وتخفيض تكلفة تقديمها، بما يعزز من الشمول المالي في الدولة.
وتابع أن هذا التزاوج بين الخدمات المالية والتكنولوجيا أو ما يعرف بالتقنية المالية «FinTech» أحدث طفرة عالمية في تقديم المنتجات المالية المصرفية والتأمينية والاستثمارية والتمويلية، وأسفر عن زيادة استفادة شرائح أكبر من المجتمع من خدمات المؤسسات المالية بما تتيحه التقنية المالية من سهولة الوصول للخدمة في كافة أنحاء البلاد ومن انخفاض نسبي في التكلفة إضافة إلى إتاحتها على مدى اليوم كله، وهو ما لا يتوافر من خلال قنوات التوزيع التقليدية من فروع ومقرات شركات، كما تتيح تلك الآليات المستحدثة كذلك خصوصية لمستخدمها وطريقة آمنة للتعامل المالي غير النقدي.
وتوقع الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية أن يكون تطويع التشريعات وتنظيم الأنشطة المالية لاستيعاب وترخيص آليات وتطبيقات التكنولوجيا المالية؛ وتعزيز الاستفادة منها، في مقدمة مهام الهيئة وبالطبع البنك المركزي المصري وبالتنسيق في الكثير من الأحيان مع جهاز تنظيم الاتصالات، مشيرًا إلى أن ما يدعم ذلك توجهات المجلس القومي للمدفوعات وسعي الحكومة لتخفيض الاعتماد على المعاملات النقدية «الكاش» وتشجيع بل وفرض في بعض الأحيان استخدام وسائل الدفع المنظمة.