بقلم أحمد رضوان رئيس تحرير جريدة حابي
تعود جريدة «حابي» بهذا العدد 10 سنواتٍ وأكثر إلى الوراء، وقتما بدأ الإعداد لدمج هيئات سوق المال والرقابة على التأمين والتمويل العقاريّ تحت مظلّة واحدة، ومعها التأجير التمويلي والتخصيم، ثم تجمع فيما بعد أنشطة التمويل غير المصرفيّ على اختلافها.
نشعر بسعادةٍ بالغة ونحن نستعيد ذكريات واحد من أهم القرارات المؤثّرة على الأنشطة المالية غير المصرفية، مع متخذيه ومنفّذيه والمتأثرين به أيضًا، في هذا العدد الخاص الجديد من جريدة حابي.
هل استفادت الأنشطة المالية غير المصرفية بتوحيد جهات الإشراف والرقابة عليها؟.. أؤمن أن أفضل وأدقّ إجابة على هذا السؤال لن تأتي إلا بعد استطلاع موسع للرأي، يضم شريحة فاعلة ولها وزنها من ممثلي القطاعات الخاضعة لإشراف هيئة الرقابة المالية، وربما يحتاج الأمر إلى سلسلةٍ من الاستطلاعات بصورة تعكس كمّ التفاصيل المؤثرة على كل قطاع.
ولكن.. لحين توافر الفرصة والظروف المواتية لمثل هذا الاستطلاع أو الاستطلاعات، هناك دائمًا ما يستشفه الصحفي من مناقشاته، ونعتقد أن سوق المال كانت -في أفضل الظروف- الأقل استفادةً من قرار الدمج، وهذا وإن لم يكن تقديرًا له مقوماته العلمية التي يرتكز عليها، إلا أن الصورة العامة لا توحي بعكسه، فلا شك أن سوق المال المصرية أصبحت أقل وزنًا، ولا شك أيضًا، أن الحكومة نفسها أعلنت ولأكثر من مرة عن خططٍ لبرنامج طرح حصص من شركات مملوكة لها، وإلى الآن لم يتم سوى طرح واحد.
ربما توجد أسباب أخرى كثيرة كانت وراء تراجع جاذبية سوق المال، وانخفاض عدد المتعاملين بها وحجم تداولها، وتركز أرباح بنوك الاستثمار الكبرى في الأنشطة الأخرى الجديدة وفي مقدمتها التمويل متناهي الصغر، وهذه الأسباب ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بفكرة دمج أو فصل جهات الرقابة.. ولكن ربما أيضًا كان من المفيد في هذه الأجواء والتحديات والصعوبات أن يكون هناك جهة جلّ تركيزها منصب فقط على سوق المال حتى تواجه هذه التحديات وتستفيد منها.
نعتقد أنّ جزءًا مهمًّا من أدوات حماية الأسواق والمتعاملين هو تحفيزهم أيضًا، ليس على البقاء فحسب، وإنما على النمو والمشاركة في تنمية السوق وتوسعته، والعمل على حل مشكلاته مع القرارات الحكومية المؤثرة بالسلب عليه، لأنه في لحظة ما، لن يفيد التدخل، ومثال واضح على ذلك، عانت سوق المال لفترة من ارتفاع أسعار العائد على الجنيه، لكنها حتى الآن لم تظهر عليها أمارات رحلة الخفضِ التدريجيّ لأسعار الفائدة التي بدأت منذ بداية العام الجاري.
بعيدًا عن سوق المال، حقق قطاع التأمين معدلات نمو جيدة واستفاد بوضوح من عودة الاقتصاد الكلي للنمو، واستفاد أيضًا من معدلات التضخم المرتفعة التي انعكست على حصيلة أقساطِه ويستعد حاليًا لاستقبال تشريع جديد من شأنه أن يضيف مجالات أخرى للعمل وفرصًا متنوعة للنمو، نفس الشيء بالنسبة لقطاع التمويل متناهي الصغر والتمويل الاستهلاكي الذي أصبح منافسًا شرسًا لإدارات التجزئة المصرفية بالبنوك.
أما التمويل العقاري فما زالت نفس تحدياته قائمة، خاصة ما يتعلق بالتسجيل، وهو ما أفسح مجالًا كبيرًا لدخول الشركات العقارية والمطورين حلبة المنافسة على تمويل العملاء والاستفادة من مقدمات الحجز في تدبير جزءٍ من التكلفة الاستثمارية للمشروع، وعندما اشتعلت المنافسة في القطاع العقاري، دخل تمويل المطورين للعملاء إلى منعطف جديد بتسهيلات لم نرَها من قبل.