حابي
تنشر بوابة حابي جورنال الكلمة الكاملة للدكتور محمد عمران رئيس هيئة الرقابة المالية، والتي ألقاها أمس في الاحتفالية التي نظمتها الهيئة بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيسها.
نص الكلمة:
دولة رئيس الوزراء الأستاذ الدكتور مصطفي مدبولي
أصحاب المعالى محافظ البنك المركزي والسيدات والسادة الوزراء
أصحاب السعادة السيدات والسادة السفراء ورؤساء الهيئات والمصالح والشركات
نواب الشعب، أعضاء مجلس النواب
الأخوات والأخوة ممثلي وسائل الإعلام
الزميلات والزملاء الأعزاء
أيه الحفل الكريم
نجتمع اليوم لكي نحتفل سوياً بمرور عقد من الزمان على إنشاء الهيئة العامة للرقابة المالية كجهة رقابية موحدة للقطاع المالي غير المصرفي، لنتم بذلك ثمانون عاماً في خدمة الاقتصاد المصري منذ أول تشريع لنشاط التأمين عام 1939.
لقد كانت رحلة الدمج طويلة، معقدة، مرهقة، مليئة بالتحديات، ووضعت عبئاً إضافياً على الهيئة في الرقابة والإشراف على هذا القطاع للحفاظ على قطاع مالي غير مصرفي مستقر، محفز للنمو، جاذب للاستثمارات وقادر على تقليل حدة الصدمات الخارجية.
لم يقتصر الأمر على أنشطة الهيئات الرقابية الثلاث التي تم دمجها ولكن أُنيط للهيئة تطوير واستحداث أدوات وأنشطة مالية أخرى مثل التأجير التمويلي، والتخصيم، والتمويل متناهي الصغر، وسجل الضمانات المنقولة بالإضافة لما هو مرتقب من أنشطة مستقبلية مثل التمويل الاستهلاكي وأسواق العقود الآجلة ومنصات التمويل الجماعي “Crowdfunding” وتنظيم تمويل المطورين العقاريين.
عقد مضي أو يزيد… كنا نتحدث فيه عن شتاء اقتصادي قارص البرد طال أمده.. نتقلب فيه بين فقاعات وجمود،،، بين عجز وإنفاق.. بين تضخم وركود.. ولسان الحال يتساءل أما لليل الطويل أن ينجلي وللغمة أن تزول.
ويشاء المولي عز وجل أن ينجو الوطن من كل هذه الفيضانات السياسية والاقتصادية وبدأت العواصف تهدأ وغيض الماء وبدأت سفينة الاقتصاد في الاستواء على الجودي آملة في صباح جديد مشرق بلا غيوم لنبدأ رحلة كفاح لبناء دولة جديدة دستورها العدالة والمساواة، والتنمية غير المشروطة للجميع.
عقد مضي أو يزيد… ووسط كل هذه التحديات يكافح القطاع المالي لأن يكون عضواً فاعلاُ في مسيرة أكبر وأجرأ إصلاحات اقتصادية تشهدها البلاد مستهدفة تفجير مواريث استمرت لعقود طويلة وكبلت مسيرة التنمية في وطن يستحق الأفضل.
لقد تسارعت وتيرة هذه الإصلاحات الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية وبالتحديد منذ نوفمبر 2016 حين قام البنك المركزي بتحرير سعر الصرف بالإضافة إلى وضع سياسات مالية تستهدف إعادة هيكلة منظومة الدعم وتحقيق إصلاحات حقيقية في هيكل الموازنة العامة للدولة والتركيز على تخفيض مستويات العجز بالإضافة إلى الإصلاحات التشريعية التي شهدتها منظومة الاستثمار.
إن الإشارات الإيجابية لا تخطئها الأعين ، ما بين نمو ٍاقتصادي يتسارع،،،، وعجز موازنة يتراجع، واحتياطي أجنبي يتزايد،، ومعدل بطالة وتضخم يتهاوى، وشمول مالي يتواكب، وشبكات ضمان تتكاثر، وتمكين مرأة وشباب يتزايد.
عقد مضي أو يزيد… ونحن سعداء اليوم بالتطور الذي أصبحت عليه الأنشطة المالية غير المصرفية، حيث شهد سوق رأس المال في مصر ارتفاعاً ملحوظاً في قيمة الأوراق المالية المصدرة لتزيد على تريليون جنيه.
كما واصلت البورصة دورها الرئيسي في دعم الاقتصاد من خلال توفير تمويل يزيد على مئة مليار جنيه للشركات المقيدة لمساعدتها على التوسع والنمو وتوفير المزيد من فرص العمل. ولكم أن تتخيلوا كم أسهمت تلك المليارات في تحفيز الاقتصاد المصري… لكم أن تتخيلوا كم من مصانع بُنيت ……. وكم من صحراء عُمرت… وكم من سِلع أُنتجت، وكم من خدمات قُدمت …وكم من يد عاطلة وجدت فرصة عمل …. وكم من مصادر رزق وفرت، وكم من بيوت فُتحت وعُمرت …. وكم من ضرائب للدولة دُفعت وسُددت.
كما أولت الهيئة اهتماما خاصاً بحماية صغار حملة الأسهم ليصبح المؤشر الأفضل بين جميع مؤشرات تقرير ممارسة الأعمال، بل إن إحدى المؤشرات الفرعية حصلت مصر فيها على العلامة الكاملة متفوقة بذلك على دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط وكذلك مجموعة دول التعاون الاقتصادي والتنمية.
ولقد حظي قطاع التأمين بمحطات مهمة، حيث أصبح كل طالب آمن في مدرسته بعد حصوله على مظلة تأمينية ليدخل تلك المظلة ما يقرب من 24 مليون طالب دفعة واحدة، وجاء ذلك تطبيقاً لقراري السيد رئيس مجلس الوزراء بإنشاء صندوقين حكوميين للتأمين على طلاب المدارس المصرية والتعليم الأزهري، كما أن قانون التأمين الموحد الجديد المتوقع إقراره العام القادم سيقدم مظلة تأمينية أفضل وتطبيق أوسع للشمول المالي، كما تدعم الهيئة حوالي 5 مليون مشترك في صناديق التأمين الخاصة للحفاظ على حقوقهم المستقبلية.
وبالنسبة لأنشطة التمويل والمتمثلة في التمويل العقاري والتأجير التمويلي والتخصيم والتمويل متناهي الصغر فقد شهدت جميعها قفزات كبيرة وصلت ل 25 ضعف بالنسبة لنشاط التخصيم مقارنةً بأرقامها في 2009 وخمسين ضعفاً بالنسبة للتأجير التمويلي. وبلغ عدد المستفيدين من نشاط التمويل متناهي الصغر 3 مليون مستفيد بأرصدة تمويل تصل إلى 15مليار جنيه.
وأخيراً أتاح إنشاء سجل الضمانات المنقولة تسهيل الحصول على التمويل للكيانات المختلفة خاصة المتوسطة والصغيرة بإجمالي ضمانات بلغت 580 مليار جنيه منذ مارس من العام الماضي.
السيدات والسادة
لقد أضحى دستور 2014 نقطة مضيئة في تاريخ هيئة الرقابة المالية حيث منحها استقلالية غير مسبوقة ووضعها في مصاف الهيئات والأجهزة الرقابية المستقلة في خطوة كانت مطلوبة وحيوية للمساهمة في تطوير الأداء الاشرافي والرقابي على الأسواق والعمل على تطويره وتنميته وأكد على الأهمية المتزايدة التي أصبح يشغلها القطاع المالي غير المصرفي في رؤية واستراتيجية صانع القرار.
السيدات والسادة
لأننا الأعرق والأقدم في المنطقة فقد قامت الهيئة بالتركيز على لعب دور إقليمي ليس على مستوي المنطقة فقط ولكن على مستوي الدول الناشئة ككل. وليس أدل على ذلك من إعادة انتخاب الهيئة عضواً بمجلس إدارة المنظمة الدولية لهيئات الأسواق المالية (IOSCO) وكذلك باللجنة التنفيذية لمنظمة مراقبي صناديق التأمين (IOPS) للمرة الثالثة على التوالي، كما تم تتويج الهيئة بجائزة الرقيب الأكثر ابتكاراً وإبداعاً في القارة الأفريقية عام 2018، بالإضافة لاختيار الأمم المتحدة لرئيس الهيئة لترأس المجموعة الاستشارية للهيئات الرقابية لأسواق المال بالأمم المتحدة في نفس العام.
وعلى صعيد الاستدامة، قامت الهيئة باستحداث إدارة مستقلة للتنمية المستدامة، ونعمل على إنشاء أول مركز إقليمي للتمويل المستدام لنشر الوعي وتعزيز ثقافة الاقتصاد الأخضر في المنطقة، كما أطلقت أول تقرير للاستدامة تصدره هيئة عامة في مصر. كما أصدرت الهيئة قراراً يلزم الشركات المقيدة بالبورصة المصرية والشركات المالية غير المصرفية بأن يتضمن مجلس إدارتهم عنصر نسائي واحد على الأقل، للعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، بالإضافة لاعتزام الهيئة مطالبة تلك الشركات بالإفصاح عن تأثير التغيرات المناخية والانبعاثات الحرارية.
السيدات والسادة
ننظر إلى الماضي بعين الرضا، أما المستقبل فننظر إليه بعين الأمل في أن يواصل هذا القطاع دوره في خدمة الاقتصاد الوطني، لذا فقد أطلقت الهيئة أول استراتيجية متكاملة للقطاع المالي غير المصرفي في مصر، والتي تحدد مسار القطاع خلال السنوات الأربع القادمة بهدف خلق نظام مالي غير مصرفي احتوائي ومحفز للنمو الاقتصادي يتسم بالاستقلالية والمساواة بين الجنسين ويحول الشمول المالي من رؤي وأفكار إلى واقع فعلي ويضع في مقدمة أولوياته تمكين المرأة والشباب ومحدودي الدخل، معتمدة في تحقيق ذلك على التحول الرقمي وآليات التكنولوجيا المالية.
وتستعد الهيئة في بداية العام القادم لوضع الضوابط والقواعد اللازمة لتصميم إطار كفء لإدارة المخاطر وتحسين الملاءة المالية للمؤسسات المالية غير المصرفية بما يسهم في بناء منظومة فعّالة للانذار المبكر وقياس المخاطر على مستوى تلك الأسواق.
السيدات والسادة الكرام
إن التحدي الذي يواجهنا ليس فقط كيفية خلق نظام مالي فعّال يؤدي دوره في تسهيل النفاذ إلى التمويل وزيادة مستهدفات الشمول المالي ودفع عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. بل إن التحدي الأهم هو التأكيد على جعل هذا النمو الاقتصادي نمواً محموداً، نمواً صالِحاً وليس طالِحاً، نمواً يؤدي إلى القضاء على الفساد والمحسوبية، نمواً يعمل على ترسيخ سيادة القانون، نمواً يتسم بالمنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، نمواً يشجع الابتكارات ورواد الأعمال، نمواً تتحقق فيه نظرية التساقط “Trickle Down Effect” عملياً وليس نظرياً ويستفيد جموع الناس من ثماره.
لم تكتفِ الهيئة بالسعي لوجود قطاع مالي غير مصرفي ينمو بوتيرة متسارعة، بل كان تركيزنا بشكل كبير على توجيه بوصلة هذا النمو ليكون نمواً بلا أنياب،،،،، نمواً يشمل الجميع ولا يتحيز،،،،، نمواً يحقق طموحات الوطن ويبسط يديه للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بنفس درجة إقباله على كبريات الشركات،،،،،
السيدات والسادة
إن تطور القطاع المالي يتطلب تشريعات مواكبة ورقابة قوية، لذا فإنَّ وجود نظام قانوني يتميز بحماية حقوق الملكية الفكرية وسيادة القانون وتنفيذ التعاقدات، وكذلك وجود مرونة في الإجراءات وسرعة الفصل في المنازعات المالية وتقليل ما يُسمى بعدم تماثل المعلومات، لمن العناصر المهمة لتطوير القطاع المالي. وبالرغم من إيماننا أن الرقيب لابد أن يكون حازماً حيث توضح الأدبيات أن الشركات تجد سهولة في الحصول على التمويل في الدول التي تتميز بالصرامة في تنفيذ القوانين والتي يتم فيها حماية حقوق الدائنين بشكل قوى ،،،، إلا أن الهيئة حريصة في الوقت ذاته على التواصل الفعال مع الجهات والأطراف ذات العلاقة، فأصبحت الرقيب الذى يبني الجسور لا الحواجز،،،، ولذلك كان اختيار الشعار الجديد للهيئة ليعبر عن فلسفتها في العمل وفقاً لجناحين جناح ينطلق بالطموحات بلا حدود،، والآخر يحمي ويظلل ويحفظ الحقوق.
وأحسبنى فى ذلك ممن ينطبق عليهم قول الأول:
لأبلغ عذراً أو أنال رغيبةً ومبلغ نفسٍ عذرهـا مثل منجح
إنني أدعو حكومتنا الواعية أن تستمر في جهود دعم القطاع المالي لما في ذلك من تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة لتحقيق جهود السيد رئيس الجمهورية لتحسين معيشة جموع المواطنين وهو ما يستلزم أن يكون هذا النمو مستداماً، نمواً يؤهلنا لتحقيق حلم الانضمام لما يُعرف بنادي ال 13 وهو ما يتطلب معدلات نمو لا تقل عن 7% سنوياً ولمدة 25 سنة متصلة على الأقل.
لذا لابد من الاستفادة من تاريخ النمو الاقتصادي والتأكيد على أن التاريخ لن يعيد بالضرورة نفسه (على الرغم من أن التاريخ قد كرر نفسه عدة مرات من قبـل، وعلى حد قول كارل ماركس “فإذا فعل التاريخ ذلك وكرر نفسَهُ فإنَّ المرة الأولى تكون درامـا مؤثرة، أما المرة الثانية فإنَّها تصبِحُ ملهاةٌ مضحكةٌ”)، فما بالكُم وإخفاقاتُ تاريخِ النمو الاقتصادي في مصر قد كررت نفسها مرات ثانية، وثالثة ورابعة. إنها دعوة للدراسة والتأمل واتخاذ سياسات وقرارات تضمن للاقتصاد الاستمرار في مسار النمو والتنمية المستدامة التي نرنو إليها جميعاً.
السيدات والسادة الكرام
يقول المثل المجري القديم: إذا قصرت يداك عن المكافأة، فليطل لسانك بالشكر. لذا فالشكر موصول لكل القيادات التي ساهمت في وصول السفينة لهذه المرحلة،،،،، بدايةً من د. محمود محي الدين وفريق العمل من داخل وزارة الاستثمار والجهات التابعة لها في ذلك الوقت، مروراً برؤساء الهيئات السابقين د/زياد بهاء الدين، د/اشرف الشرقاوي، أستاذ شريف سامي وكل النواب وأعضاء مجالس الإدارة السابقين والحاليين،،، والشكر لكل موظف كبر أو صغر أخلص في عمله وسعي بجد واجتهاد لم يحركه إلا مصلحة الوطن. كما نتوجه بالشكر لدولة رئيس الوزراء الذي يتعاون معنا لأقصي حد ويقوم بنفسه بالتدخل لتسريع وتسهيل الإجراءات التشريعية المطلوبة للقطاع.
وفي الختام، فكلي ثقة ويقين في عدم حاجتي إلى ذكر شيء من قصيدة الشنفرى المعروفة بلامية العرب، والتي مطلعها:
أقيموا بني أمي ، صدورَ مَطِيكم فإني ، إلى قومٍ سِواكم لأميلُ
ولم لا، ويقيني هذا ينبع من حقيقة جَلية بأن مصر يقودها ابنٌ أمين وشريف، مُخلص وبَار وحكومتها يترأسها عقل ذو بصيرة وهمة وإصرار وشعبها الطيب يستحق منا كل تضحية وجهد وإيثار.
” رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب”