تسارع وتيرة التخلي عن الليبور في 2020

مجلس الاستقرار المالي يكثف الاعتماد على سعر العائد لليلة واحدة للحد من المخاطر

إعداد- محمد عبدالله

تسعى منظمات دولية إلى إدخال تعديلات كبرى على أسواق المال، بغية تحقيق استقرار أكبر وتمثيلٍ لمتغيرات السوق بشكلٍ أفضل، بتغيير سعر الفائدة المعروف باسم “الليبور” (Libor)، والذي يجري من خلاله تسعير أرقام بمئات التريليونات من العملات الدولية في أسواق لندن المالية.

E-Bank

وليبور اختصار لكلمة (London Inter-Bank Offered Rate) أي سعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن.

وفق ما ذكرت وكالة رويترز للأنباء، فإنه من المتوقع أن يحدث تدافع أكبر في العام الجديد 2020 نحو تخلص البنوك وأسواق المال من سعر الفائدة المعروض بين بنوك لندن “ليبور”، ليتم ذلك على مدار العامين المقبلين 2020 و 2021.

قال مجلس الاستقرار المالي -الذي يعد جهة رقابية مالية عالمية- يوم الأربعاء الماضي، إنه سيُجري مسحًا يشمل جهات تنظيمية، العديد منها عضو بالمجلس، لتقدير تقدمهم في حمل البنوك والشركات على التوقف عن استخدم الليبور.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وتنبع أهمية التغيير الذي يريده المجلس من أن ليبور تستخدم لتسعير عقود بقيمة 400 تريليون دولار تقريبًا ما بين قروض عقارية وبطاقات ائتمان ومبادلات تستخدمها الشركات والبنوك لوقاية نفسها من التحركات غير المتوقعة في تكاليف الاقتراض، ولهذا، يريد المجلس أن تستخدم الأسواق أسعار فائدة لليلة واحدة، كمثل التي تضعها بنوك مركزية مثل مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوربي، حيث تعتمد أسعار فائدة لليلة على تعاملات بالسوق يمكن التحقق منها، وذلك بخلاف الليبور الذي يُستمد بدرجة كبيرة من أسعار معروضة تطرحها البنوك، ولا تكون بنفس درجة الوضوح المطلوبة، فالتأكد الرقمي خلال كل ليلة أكثر دقة بشكل كبير من التأكد من الأرقام على نحو متباعد يصل لسنة.

وتأتي أهمية التوجه المالي، كون مطلقه هو مجلس الاستقرار المالي (FSB)، الذي يعد هيئة دولية تراقب وتقدم توصيات حول النظام المالي العالمي، تأسست بعد قمة مجموعة العشرين الثانية بلندن في أبريل 2009 كخليفة لمنتدى الاستقرار المالي (FSF)، ليضم مجلس الاستقرار جميع الاقتصاديات الرئيسية لمجموعة العشرين، وأعضاء منتدى الاستقرار المالي السابق، والمفوضية الأوربية، وذلك من مقره في بازل بسويسرا، والذي يستضيفه ويموله بنك التسويات الدولية.

ولذلك فتغيير أداة تسعير الفائدة يأتي من الركيزة الرابعة لهيكل الإدارة الاقتصادية العالمية، جنبًا إلى جنب مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، ويضم 68 مؤسسة عضوًا، تضم وزارات المالية والبنوك المركزية والهيئات الرقابية والتنظيمية من 25 ولاية قضائية بالإضافة إلى 10 منظمات دولية وهيئات وضع معايير، و6 مجموعات استشارية إقليمية تصل إلى 65 ولاية قضائية أخرى حول العالم.

كيف يعمل الليبور؟

وفقًا لشبكة بلومبرج، فإن البنوك تقدم القروض في الأساس، وليبور أو معدل الفائدة القياسي، هو معدل يمكن البنوك أن تقترض به من بعضها البعض دون ضمان، ويعتبر هذا مناسبًا بسبب أن عائدات فوائد البنوك على قروضها ترتفع مع زيادة نفقات الفائدة الخاصة بها، بحيث يمكن للبنوك تحقيق أرباح قيمتها (إكس) على قروضها عبر الاقتراض بليبور والإقراض للغير بمعدل (ليبور + إكس)، لكن البنوك تتسم بالغرابة، وإذا قمت بقياس معدل الفائدة العادي اعتمادًا على تكاليف اقتراض المصارف، فإنك ستحصل على نتائج غريبة أحيانًا.

وإذا قامت شركة صناعية مستقرة بالاقتراض بتكلفة (ليبور + 200 نقطة أساس) في الأوقات العادية، فإذا كان الليبور 3% مثلًا فإن تلك الشركات ستدفع معدل فائدة بنحو 5%، وهو الأمر الذي قد يكون مناسبًا لمستوى المخاطرة الخاص بها.

ولكن إذا كانت هناك أزمة مصرفية، وقفز معدل الليبور إلى 10% لأن لا أحد يرغب في إقراض البنوك، حتى مع بقاء الناس راضية تمامًا عن إقراض الشركات الصناعية المستقرة، فإن الشركة ستجد نفسها تدفع معدل فائدة 12% ليس لأن هذا هو السعر المناسب ولكن بسبب أنها تربط مصيرها بمصير تلك البنوك.

الهدف : إنهاء ممارسة استمرت 50 عامًا

بحسب شبكة ماركت ووتش المالية الأمريكية، فإن توجه مجلس الاستقرار المالي FSB هو بمثابة تحذير للمقرضين، من أنهم يجب أن يستعدوا لمزيد من التدقيق في أنشطتهم بعملية إحلال وتبديل ليبور، لإحداث التغيير بشكل تدريجي ينهي مقاربة تحديد سعر الفائدة المسمتمر منذ ما يقرب 50 عامًا.

وسلم المجلس، الرؤساء التنفيذيين لعدد من كبرى البنوك في أستراليا وبريطانيا والبنوك الأوربية، رسائل طلبات، تدعو لتبني معايير بديلة خالية من المخاطر، عوضًا عن ليبور لدعم جهود الإصلاح المالي وتجنب حدوث أزمات مالية كبرى كالتي كانت عام 2008.

وقال المجلس: “بالنظر إلى درجة المخاطرة الناشئة عن الاعتماد المستمر على ليبور Libor على وجه الخصوص، ينبغي على الشركات أن تتوقع مزيدًا من التدقيق وبذل جهود تحول مع اقتراب نهاية عام 2021”.

وأسفر حوار المجلس المستمر مع بعض المقرضين في المملكة المتحدة عن نتائج خلال شهر يونيو الماضي، مشيرًا إلى أن ليبور “متأصلة بعمق في هياكل الأصول والخصوم في الشركات، وفي الأدوات المستخدمة للتقييم والتسعير وإدارة المخاطر.

 

وحذر مجلس الاستقرار المالي من أنه على الرغم من أن المشاركين في أسواق المشتقات والأوراق المالية قد أحرزوا تقدمًا “جيدًا” في تبني استخدام أدوات بديلة عن ليبور، إلا أن استخدامه المستمر بين أهم اللاعبين في الأسواق المالية “يشكل مخاطر على الاستقرار المالي العالمي”.

القشة التي أنهت حياة الليبور

ويتبع ليبور الأسعار التي تفرضها البنوك على إقراض بعضها بعضًا على المدى القصير. وهو بمثابة معدل “مرجعي” للمنتجات المالية، بما في ذلك قروض الرهن العقاري ذات السعر القابل للتعديل، لكن ما دعا حقيقة إلى استبدال ليبور، هو الفضيحة التي ضربت العالم في عام 2012 بتحديد الأسعار، ما دفع منظمي الصناعة المالية إلى البحث عن بديل، بعد أن استخدمت البنوك ليبور للوصل على قروض وعقود بمئات المليارات من الدولارات.

من خلال ليبور تقرض وتقترض البنوك فيما بينها، ويتم احتساب هذا السعر وتحديده لكل عملة من العملات الرئيسية، ولخمسة عشر نوعًا من الاقتراض ولفترات زمنية تمتد من يوم واحد إلى 12 شهرًا، أي أن هناك 150 سعر فائدة ليبور للعملات الرئيسية العشر الكبرى بموجب هذا النظام، مثل ليبور بالدولار والين واليورو والجنيه الإسترليني وبقية العملات.

هذا بالنسبة لمركز لندن المالي، لكن ثمة أنظمة مشابهة في كل المراكز المالية العالمية الكبرى، مثل تيبور (Tibor) المعتمد في طوكيو وإيبور (Eibor) المعتمد في الإمارات. لكن ليبور البريطاني هو الأكبر عالميًّا من دون منازع، بسبب حجم سوق المال الهائل في حي المال في لندن. وتزايدت أهمية هذا المقياس بزيادة الاعتماد عليه عالميًّا ليصبح المعيار الرئيسي لأسعار الاقتراض البينية بين المصارف.

ويرتفع سعر فائدة ليبور عندما ترتفع المخاطرة وتنخفض السيولة المتوفرة للاقراض بين المصارف، في حين ينخفض حين تنخفض المخاطر وتتوفر السيولة. ولذلك فإن مستويات ليبور هي أفضل مؤشر للمتعاملين في الأسواق العالمية لمعرفة مستويات العرض والطلب على الأموال المتاحة للإقراض ومستويات التفاؤل والتشاؤم في الأسواق العالمية.

تأثير هائل
400 تريليون دولار أمريكي أصول مالية مسعرة على أساس العائد بين البنوك في لندن

من هنا تأتي أهمية ليبور الكبيرة والخطيرة في التأثير على أسواق المال العالمية، فهو المعيار المقبول عالميًّا، والذي يستند إليه ويرتبط به نحو 400 تريليون دولار أمريكي من الأصول المالية في أنحاء العالم، وهي تمتد من القروض العقارية إلى بطاقات الائتمان إلى تمويل المشاريع وعشرات الأصول والتعاملات المالية الأخرى.

فضيحة ليبور

بدأت الفضيحة مع قيام بنك باركليز البريطاني، بالتلاعب بالمعلومات المتاحة التي تشير إلى محاولة لخفض مستويات فائدة ليبور ربما بطلب من الحكومة البريطانية في مسعى لتهدئة الأسواق بعد إعلان انهيار مصرف ليمان برذرز الأمريكي عام 2008 في حينها، وقد يكون مصرف باركليز قد استفاد من ذلك ماليًّا، من خلال تحقيق أرباح كبيرة من المضاربات في مشتقات الأوراق المالية المسعرة استنادًا إلى سعر فائدة ليبور. ومع بدء التحقيقات في بريطانيا فإن الفضيحة بدأت تمتد إلى بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني).

ومع حدوث ذلك، يمكن تخيل تأثير ذلك التلاعب في سعر فائدة ليبور، على أسواق المال العالمية، وهو ما دفع حينها للاعتقاد بأن المخاطر وتكلفة الاقتراض أقل مما هي عليه، وذلك يعني أن البنوك في أنحاء العالم قد تكون أقرضت بأسعار فائدة منخفضة وربما سجلت خسائر كبيرة.
عيوب قاتلة

مع حدوث فضيحة ليبور مع بطلها بنك باركليز، اتضح أن أسعار فائدة ليبور غير متماسكة وبها عيوب كثيرة، باعتمادها التقديرات التي تعد أمرًا غاية في الصعوبة، خاصة حين تصاب الأسواق بالتوتر والهلع وانحسار السيولة.

وبينما كان من الأسهل إلى حد ما التحول إلى بدائل ليبور في سوق المشتقات بسبب طبيعتها العالمية، فإن أسواق القروض تميل إلى أن تكون إقليمية، لذلك هناك تحديات في بناء الوعي بين مجموعة متنوعة من المشاركين في الأسواق.

المشكلة الرئيسية في التحول تكمن في ضخامة تعاملات البنوك الأمريكية

وقال مجلس الاستقرار FSB إن بنك التسويات الدولية أو BIS، وهي منظمة دولية تعزز التعاون بين البنوك المركزية العالمية، تقدر أنه قد يكون هناك ما يصل إلى 8 تريليونات دولار في شكل قروض مرتبطة بديون ليبور المقومة بالدولار الأمريكي والتي نشأت خارج الولايات المتحدة.

لكن في مقابلة مع ماركت ووتش في نوفمبر الماضي، قال رئيس مجلس إدارة تأمين الودائع الفيدرالي إن المشكلة الرئيسية في عملية التخلص التدريجي من ليبور هي أن البنوك الأمريكية ما زالت تقدم قروضًا جديدة مقومة بليبور.

لذا، هناك تحديات أخرى أمام صناعة الخدمات المالية في هذا التحول. سيتعين على المقرضين والشركات الأخرى إجراء تغييرات على أنظمة وإجراءات مكاتبهم، والتواصل مع العملاء والجهات المقابلة الأخرى، وامتثال مقدمي الخدمات لإجراءات المحاسبة والضرائب، وغير ذلك.

وقالت ماركت ووكتش، إن النظام المصرفي الأمريكي أكثر أمانًا وصحة مما كان عليه قبل عقد مضى، قبل الأزمة المالية في عام 2008، ولكن في كثير من الأحيان، هناك زوبعة أو اثنتان.

وتقول جيلينا ماكويليامز، وهي واحدة من الأشخاص المسؤولين عن الصناعة المالية بوصفها رئيسًا للمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع منذ منتصف عام 2018، أن الشيء الأهم في أوقات الأزمات هو حماية المستهلكين من إخفاقات البنوك.

البحث عن بديل

ذكرت ماكويليامز، أن ليبور هو سعر الفائدة بين البنوك في لندن والمعيار الحالي لأكثر من 400 تريليون دولار في العقود المالية في جميع أنحاء العالم، ولكن من المقرر استبداله في عام 2021، على الرغم من أن إيجاد بديل يمثل تحديًا للبنوك والشركات والمستثمرين.

قالت ماكويليامز :”نحن نبحث في بنوكنا عن بديل، والتأكيد على عدم إنشاء قروض جديدة، إلا أن بعض البنوك ما زالت تنتج قروضًا جديدة مقوّمة بليبور، وذلك لأنها غير متأكدة بالضبط مما سيكون عليه السعر الجديد، لذا، يتجه التفكير حاليًا لإيجاد بديل الليبور ، التي تحتسب من أسعار خمس عملات وسبع فترات اقتراض تتراوح بين ليلة واحدة وسنة كاملة.

وتلفت صحيفة ذا وال ستريت جورنال الأمريكية الشهيرة، إلى إن استبدال الليبور من بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يقيد عمل البنوك الصغيرة لحساب –ربما- البنوك الكبيرة والمؤسسات المالية، وهو ما قد يضر بقاعدة واسعة من المستثمرين، تقوم بضخ أموال في الاقتصادات الدولية.

وفي السياق، قالت شبكة بلومبرج، إن البنوك الإقليمية تكافح للابتعاد عن سعر الفائدة الليبور بين البنوك في لندن، لكنها تقول أيضًا إن بدائل ليبور، الذي يعد معيارًا رئيسيًّا للديون ذات المعدلات المتغيرة قد تضر بقدرتهم على تقديم قروض جديدة.

الشيء الأهم في أوقات الأزمات هو حماية المستهلكين من إخفاقات البنوك

وتقول هذه البنوك، بما في ذلك مجموعة الخدمات المالية PNC، وRegions Financial Corp، و US Bancorp، إنهم قلقون من أن معدل التمويل المضمون الجديد قد يتغير بين عشية وضحاها وهو ما قد يسجل انخفاضات كبيرة في أوقات التوتر الاقتصادي. وقد يجبر ذلك البنوك على الإقراض بأسعار مخفضة في أوقات ترتفع فيها تكاليف الاقتراض الخاصة بها، وذلك في ضوء معرفة أن كل ما تفعله البنوك، هو اقتراض أموال من جهة ما وإقراضها لجهة أخرى، أي أنها عملية اقتراض على المدى القصير بتقديم قروض طويلة الأجل.

أخيرًا، في عام 2008، عندما كان هناك أزمة مصرفية، فإن البنوك ذكرت أرقامًا أقل بكثير لأنها خافت من أن تعلن أرقامًا حقيقية مرتفعة تقفد الناس ثقتهم في البنوك، لذا، وخلال العامين القادمين، إذا نجحت البنوك في التخلص من الارتفاع الخاص بها في تكاليف الاقتراض، وبالتالي عكس البيئة العامة لمعدل الفائدة بدلًا من صعوبات التمويل المحددة التي عاشتها البنوك الكبرى، فإن هذا سيجعل الأمور تسير في نطاقها الصحيح لإيجاد استقرار مالي عالمي يفتقر إلى

الرابط المختصر