وداعا بطل العودة الآمنة للبورصة

aiBANK

ياسمين منير ورضوى إبراهيم

بعد صراع مع المرض لم يثنِه عن استكمال السعي وبناء الخطط في العديد من مجالات القطاع المالي والاستثمار والعمل الجامعي، رحل الدكتور أشرف الشرقاوي في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس الماضي عن عمر يناهز 58 عامًا، تاركًا خلفه رصيدًا زاخرًا بالإنجازات والمواقف المهنية والإنسانية التي ظهرت جلية في عبارات الرثاء التي اجتاحت البيانات الرسمية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي لعدد كبير من الشخصيات العامة وزملائه وتلاميذه.

E-Bank

تولى الدكتور أشرف الشرقاوي العديد من المناصب الحيوية، أهمها حقيبة قطاع الأعمال العام في الفترة من مارس 2016 وحتى يناير 2018، ورئاسة الهيئة العامة للرقابة المالية عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو.

كما تولى رئاسة بنك مصر إيران، وشغل منصب رئيس لجنة المراجعة في البنك المركزي وشريك في شبكة جراند ثورنتون- مصر للاستشارات المالية علاوة على عضوية مجالس إدارات العديد من المؤسسات العامة والشركات بقطاعات استثمارية متنوعة.

وبين كل هذه المناصب يعتز الدكتور أشرف الشرقاوي بدوره الأكاديمي ومنصبه كأستاذ للمحاسبة المالية والتمويل والاستثمار، مؤكدًا في أكثر من مناسبه أنه اللقب الأهم في تاريخه المهني ويعتبره الدرع الحامي من تقلبات المناصب الرسمية والعمل العام.

وتسعى جريدة حابي في هذا التقرير لاسترجاع ما سرده الشرقاوي عن نفسه خلال مراحل مؤثرة من حياته، تلبية لما أراده هو عندما تحامل على نفسه قبل أسبوعين من الوفاة لمشاركتنا في العدد الخاص «ماذا بعد؟» الذي صدر بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس هيئة الرقابة المالية، رغبة في توثيق دوره البطولي في قيادة الفتح الآمن للبورصة والفترة الصعبة التي عايشها حتى بلوغ البلاد مرحلة الاستقرار.

وأكد الشرقاوي خلال المكالمة التليفونية الأخيرة مع جريدة حابي أنه ما زال يباشر أعماله ولكن في أضيق الحدود، من خلال المشاركة في اتخاذ القرارات وكذلك حضور بعض الاجتماعات ولكن دون خوض مناقشات طويلة، مؤكدًا أن تلك المكالمة تعد أطول حوار خاضه منذ أن تزايد التعب، ليعتذر بعدها بأيام عن حضور احتفالية هيئة الرقابة المالية التي شهدت تكريمه بسبب تدهور حالته الصحية.

كما تجمع بين كاتبتي هذا التقرير والدكتور أشرف الشرقاوي علاقة صحفية وإنسانية تمتد لأكثر من 10 أعوام، نقل خلالها عن لسانه فلسفة العديد من القرارات الحازمة التي اتخذها لإحكام الرقابة على حركة رؤوس الأموال خلال الفترة الحرجة اللاحقة لثورة يناير مرورًا بحكم جماعة الإخوان المسلمين، حتى فند في لقاء موسع كواليس هذه الحقبة الاستثنائية بعد أن ترك رئاسة الهيئة وقبل توليه حقيبة قطاع الأعمال العام.

وكشف الشرقاوي في هذا اللقاء الذي يعود لعام 2014 عن العديد من كواليس الفترة التي وصفها في آخر كلماته بأنها أسعد فترات حياته رغم الصعوبات والضغوط الكبيرة التي تعرض لها ويعتبرها سببًا رئيسيًّا لما أصابه من مرض، مجاوبًا على كل ما صدر من انتقادات وهجوم على إدارته الصارمة للهيئة.

وقال الشرقاوي: «منذ يناير 2013 وأنا أرغب في ترك منصبي، ولكني قررت الاستمرار لحين انتهاء مدتي القانونية حتى لا يزعم أحد أنه تم الاستغناء عني أو شائعات الهروب من تحمل المسؤولية في فترة صعبة على المستويين الاقتصادي والسياسي».

وأوضح أنه رفض تولى منصب وزير الاستثمار وقطاع الأعمال العام بحكومة الدكتور كمال الجنزوري بسبب رؤيته لأهمية تخصيص وزارة مستقلة لقطاع الأعمال العام، وقال: «هيئة الرقابة في الأساس لا تحتاج لأن تتبع وزيرًا مختصًا، وهذا ما تمت مراعاته في الدستور الجديد، الذي أكد استقلاليتها التامة، وهذا ما سعيت لتصحيحه منذ أن توليت منصب رئيس الهيئة».

وأضاف: «في ظل استقلالية الهيئة يتبقى تحت مظلة وزارة الاستثمار هيئة الاستثمار وشركات قطاع الأعمال العام، لذلك فنحن بحاجة لوزير يختص بقطاع الأعمال العام حتى يستطيع التركيز على النهوض به، ويتمكن من إدارة أصول هذه الشركات وإجراء عمليات الهيكلة اللازمة لرفع كفاءتها مرة أخرى».

وأكد الشرقاوي أن الدكتور كمال الجنزوري وافق بالفعل على وجهة نظره بتخصيص وزارة لقطاع الأعمال العام فقط ولكنه رفض المهمة بسبب قصر عمر الحكومة والتي تحدد لها نحو ٤ أشهر فقط تمثل الفترة الانتقالية قبل تشكيل حكومة جديدة، في حين كان يرى أن قطاع الأعمال العام يحتاج للكثير.

وقال: «رشحني الدكتور هشام قنديل في التشكيل الثاني لحكومته لتولي منصب وزير المالية، ولكنى اشترطت عدة أشياء لقبول المنصب، تتلخص في أن أكون وزيرًا له صلاحيات لا يتلقى توجيهات أو قرارات من جهات بعينها، خاصة أن وزارة المالية من أكثر الوزارات التي يمس عملها جميع المواطنين».

وأكد الشرقاوي أنه لم يتخذ أي قرار نتيجة ضغوط سياسية طوال فترة رئاسته لهيئة الرقابة المالية، فيما انتقد تعديلات قواعد القيد التي عقبت انتهاء رئاسته لهيئة الرقابة المالية المتعلقة بالاستثناء من شرط الربحية، قائلًا: «لا يصح أن أساهم في دخول بضاعة غير جيدة للسوق، فالأمر يشبه السماح بعرض بضائع أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، وأرى أن الشركات ذات الحالات الخاصة بالقيد ينبغي أن يكون التداول عليها بشكل مختلف حماية للأقلية، فلا بد أن تكون هناك استثناءات بالتداول كما هو الحال بالقيد».

ورغم أن هذه الفترة كانت الأنشط والأكثر ربحية بسوق المال منذ غلق البورصة، إلا أنه كان يستشعر بالخطر وقال: «بصفة عامة، أخشى من زيادة حالة التفاؤل في السوق، خاصة مع تجاوب عدد كبير من الشركات مع موجة الصعود بشكل مبالغ فيه دون أسباب، وهو أمر يثير القلق».

وأضاف: «الحل من وجهة نظري كرقيب يتمثل في مزيد من الإفصاح من الشركات، وأن تقوم الرقابة على التداول بدورها في فحص التعاملات لكشف أي تلاعبات، وفى النهاية أي سوق من سمتها الصعود والهبوط، لكن المشكلة في الارتفاع غير المبرر، ولا يجوز للهيئة التدخل في الأسعار بقرار إداري».

في حين اختتم الشرقاوي حديثه الأخير مع جريدة حابي بالتأكيد على أن القطاع المالي غير المصرفي ما زال أمامه الفرصة لتحقيق ما هو أفضل، ونادى بضرورة وضع تشريعات محكمة لتطوير نشاط التأمين والتمويل الاستهلاكي وكذلك تشريعات تبسط عمليات إصدارات وثائق التأمين والأسهم دون الإخلال بالأحكام الرقابية بما في ذلك قواعد الطروحات العامة.

وحول كواليس قيادته لوزارة قطاع الأعمال العام والتي شهدت تسجيل أرقام نمو وتحسنًا استثنائيًّا في إيرادات محفظة الشركات التابعة، رفض الشرقاوي أكثر من مرة الخوض في خبايا هذه الحقبة من مشواره المهني، على أمل أن يمد الله في عمره سنين أخرى ليقص كل ما يخزنه من ذكريات وآمال ومواجهات، ويحقق أيضًا ما يتمناه لمستقبل أفضل.

وبكلمات تعجز عن تقديره، نودع جميعًا الدكتور أشرف الشرقاوي الذي ستظل ذكراه عطرة وحاضرة بكل ما قدمه من مجهود وتفانٍ وإخلاص في الأدوار المتعددة والمؤثرة التي لعبها على مدار سنوات حياته القصيرة.

الرابط المختصر