بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية
ونحن نودع عام 2019 ونقترب من العام الجديد عادة ما تكون هذه الأيام فرصة للتأمل والتفكير على كل الأصعدة الدولية والمحلية والمهنية والشخصية في تقييم عام منصرف والاستمتاع بحلوه والاستفادة من مره وإخفاقاته في التخطيط للعام الجديد حتى يمكن تفادي تلك الإخفاقات أو نعوض خسائرها، والسطور التالية تحمل في كلماتها تقييمًا بسيطًا من ملاحظة الأحداث وقراءة الأرقام في العام الماضي، والتي تتزامن مع حكومة جديدة تشكلت ونتمنى أن يكون التغيير فيها محفزًا لأفكار جديدة وغير تقليدية تسهم في عام قادم أكثر جمالًا ورخاء بإذن الله.
أبدأ بقراءة في ابرز النجاحات التي حققتها الدولة في الفترة الماضية وهي كالتالي:
1- طفرة في نمو الإيرادات بالقطاع السياحي لمستوى غير مسبوق، فقد حققت السياحة نموًّا قارب الثلاثين بالمئة وإيرادات تعدت ثلاثة عشر مليار جنيه وهو لم يحدث في التاريخ وفق أعلى نمو في إيرادات كانت قد حققتها السياحة من قبل.
2- أخذ الجنيه المصري في الارتفاع في مقابل العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار بعد أن كان قد فقد أكثر من 65% من قيمته وكان العرض في الأسواق الرسمية أقل كثيراً من الطلب، ويعتبر العام المنصرف هو الذي شهد استعادة نحو 10% من تلك القيمة، والتي ساهم في تحقيقها بلا شك قطاع السياحة بجانب ارتفاع صادرات مصر من المنتجات البترولية بالإضافة إلى التدفقات من النقد الأجنبي الراغبة في الاستثمار في أدوات الدين لارتفاع العائد منه.
3- انخفاض معدلات الزيادة في التضخم والتي كانت قد قاربت الـ35 بالمئة في أعوام سابقة والتي جاءت نتيجة للإصلاحات الاقتصادية من رفع الدعم والسياسات الضريبية وانخفاض قيمة العملة والتي انخفضت نتيجة ثابت أثر رفع الدعم والضرائب، وأخذت في الانخفاض مدعومة بزيادة قيمة الجنيه في مقابل العملات الأجنبية. نتيجة لذلك بدأت أسعار بعض السلع الأساسية في الانخفاض وبدأ المواطن في التأثر إيجابيًّا بذلك.
4- انخفاض الفائدة المرتفعة والتي كانت العائق الأكبر أمام زيادة سرعة النمو الاقتصادي نظرًا لارتفاع تكلفة التمويل الضروري لجميع المشروعات الاستثمارية والزراعية والصناعية، وأي دورة إنتاجية والذي لعب دورًا في زيادة أسعار السلع والخدمات، والذي تمكن البنك المركزي من خفضه بعد انخفاض معدلات الزيادة في التضخم.
5- طفرة في الطرق والتي هي عماد الاقتصاد، والضرورية لنقل البضائع والبشر والتجارة الداخلية والخارجية أيضاً. والطرق أيضاً هامة جدّاً في جاذبية الدولة للاستثمارات الأجنبية وتنفيذ مشروعاتها بسرعة غير مسبوقة وإن كانت في معظم الأحيان متجاهلة لعناصر الجمال والطبيعة وغير مراعية بالمرة لأي معايير للسلامة والنظام أثناء تنفيذها.
أما عن الوجه الآخر للعملة من نتائج لسياسات حققت نتائج دون المستوى المطلوب فهي تتلخص في الآتي:
1- انخفاض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار 22 بالمئة حتى الربع الثالث في عام 2019، والذي بلغ 4.66 مليار دولار مقارنة بستة مليارات دولار في الوقت نفسه من عام 2018 حسب تقارير البنك المركزي. يتضمن ذلك انخفاضًا في صافي الاستثمارات العربية المباشرة أيضاً وتعتبر المملكة المتحدة صاحبة النصيب الأكبر من تلك الاستثمارات، وتحتل الإمارات المركز الأول في الدول العربية.
2- انكماش في دور القطاع الخاص نتيجة الصعوبة في الحصول على أراضٍ بطريقة عادلة والبيروقراطية وطول إجراءات التقاضي والسياسات الضريبية غير المحفزة والممارسات الخاصة بالأجهزة التابعة لها، والمنافسة مع القطاع غير الرسمي في الدولة.
3 عدم تحقيق نتائج كبيرة في ملفات الشمول المالي والتحول لمجتمع لا نقدي بالرغم من الحراك الكبير للبنك المركزي والقطاع المصرفي في تلك المجالات، للبطء الشديد في التعديلات التشريعية اللازمة ولعدم قدرة الجهاز المصرفي والأجهزة الرقابية في استيعاب التكنولوجيا المالية بصورة قادرة على تحقيق نتائج سريعة وملموسة كدول كثيرة في القارة السمراء وعلى رأسها كينيا والتي لم نستفِد حتي الآن من تجربتها الناجحة.
4-انكماش دور البورصة في التمويل وضعف معدلات التداول بها والسيولة نظرًا لعدم قدرتها على جذب شركات في حجم الشركات التي خرجت منها في أعقاب أحداث 2011 ومحدودية الأدوات المالية، وانحسار التداول في الأسهم في السوق اللحظية. ترتب على ذلك اتجاه كثير من الشركات العاملة في سوق المال إلى أنشطة أخرى كالتمويل الاستهلاكي تحسبًا لاحتمالية الخروج من أنشطة التداول أو البحث عن مكاسب في أنشطة أخرى تعوض الخسائر الناتجة عن البورصة، مما ترتب عليه انكماش دور مهم لإيجاد التمويل اللازم للنمو الاقتصادي بجانب البنوك وآلية غاية في الأهمية للخروج من والدخول في الاستثمارات في القطاعات المتعددة.
5- زيادة معدلات الفقر نتيجة التضخم المرتفع في السنوات السابقة، وانكماش فرص العمل في القطاع الخاص وإن كانت الحكومة قد قدمت برنامج تكافل وكرامة، وبالرغم من دعمه للفقراء إلا أنه غير مؤثر لكل من يعمل بالحد الأدنى للأجور والذي لا يفي بالاحتياجات الضرورية لأي أسرة خاصة بالعاصمة والمدن الكبرى.
في أعتاب عام جديد نتمنى من الحكومة الاهتمام بالاستثمار بصفة خاصة وتذليل العقبات في طريقة وتشجيع القطاع الخاص والقضاء على الفساد بقدر الإمكان والذي يفقد أصحاب الاستثمار شهيتهم.
نتمنى من الحكومة إجراء إصلاحات جذرية في الضرائب وآليات تحصيلها وثقافة القائمين عليها لتكون سياسات عادلة ومحفزة وجاذبة للاستثمار وفي الوقت نفسه تساهم في زيادة الحصيلة للدولة اللازمة للإنفاق على كل الخدمات والمرافق التي تقدمها الدولة لمواطنيها. في الفترة من 2005-2009 كانت هناك تجربة في منتهى النجاح والقوة عملت على خفض الضرائب ومضاعفة الحصيلة وبناء الثقة بين الممول والضرائب فلم لا نتعلم منها ونكررها؟
نتمنى من الحكومة مزيدًا من السياسات الداعمة لدمج وتشجيع القطاع غير الرسمي في الاقتصاد. هذا واحد من الملفات التي لم تحرز فيه الحكومة أي تقدم حتى الآن مع وجود تجارب عديدة ناجحة في دول أخرى يمكن الاستفادة منها.
أخيراً نتمنى للحكومة كل التوفيق في مهمة دائماً صعبة ونتمنى لها ولنا عامًا جديدًا أفضل وأكثر رخاء وسهولة للكادحين من مواطني هذا الشعب الطيب. أتمنى للجميع عامًا مليئًا بالمحبة والفرح والسلام.