طارق عامر: مصر قادرة على تجنب الصدمات والدفاع عن استقرارها بما لديها من موارد

إيرادات السياحة تراجعت بأكثر من 75% بعد حادث سقوط الطائرة

aiBANK

إعداد – أمنية إبراهيم _ كشف طارق عامر، محافظ البنك المركزي، في لقائه التلفزيوني بقناة dmc، عن كواليس إعداد برنامج الإصلاح الاقتصادي واتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، ونتائج الإصلاح التي فاقت توقعات القائمين عليه وأثارت دهشة المؤسسات الدولية.

وسعت جريدة «حابي» لنقل أهم النقاط التي تمت مناقشتها في أول حوار لمحافظ البنك المركزي طارق عامر، في فترة ولايته الثانية وبعد تجديد الثقة.

E-Bank

وبدأ المذيع رامي رضوان حواره بالحديث عن تجديد الثقة وإشادات المؤسسات الدولية بالاقتصاد المصري من جهة والجوائز التي حصدها عامر من جهة أخرى، عن إنجازات فترة ولايته الأولى التي بدأت في نوفمبر 2015 وبدأت فيها مصر تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي واتخذ فيها قرار تحرير سعر الصرف، وإلى نص الحوار..

رضوان: ما هو شعورك قبيل الكشف عن هوية محافظ البنك المركزي هل سيتم تغييره أم سيتم تجديد الثقة؟
عامر: من واقع المسؤولية ما يهم هو مصلحة الدولة، عملت طوال السنوات الأربع الماضية وكانت فترة ثرية، ووجدت أن المصلحة العامة هي الأساس، إضافة إلى أن البنك المركزي مؤسسة قوية عريقة تضم الكثير من القدرات والكفاءات، فأنا لا أعمل بمفردي هنا.

كنت مطمئنًا أننا عبرنا المرحلة الصعبة، وأن مصر تجاوزت الأزمة ومرت منها بنجاح كبير، لدينا ارتياح كبير تجاه استقرار الأوضاع، ونستطيع القول إن البلاد باتت قادرة على تجنب الصدمات، والدفاع عن الاستقرار المحقق بما لديها من موارد.

صحيح أننا مررنا بفترة صعبة ولكنها كانت ثرية، وعملت فيها المنظومة الاقتصادية بأكملها بكفاءة كبيرة لتحقيق هذا الاستقرار، لم يكن قرار تحرير سعر الصرف وحده السبب في ذلك، بل كان عاملًا ضمن عدة عوامل في قطاعات أخرى ساهمت في تحقيق الاستقرار.

كانت لدينا مشكلة في السياحة نتيجة حادث سقوط الطائرة، الذي أدى إلى انحسار موارد القطاع السياحي وتراجعها بأكثر من 75%، كانت ضربة قوية لنظام النقد الأجنبي في مصر، وأدت إلى اختلال ميزان المدفوعات وأثرت على الأسواق، وبالتالي كان للعمل الأمني من الأجهزة السيادية المسؤولة عن تأمين الدولة دور هام جدًّا في إعادة الاستقرار الاقتصادي، والتضحيات التي قدمها أبناء الشرطة والجيش في سيناء وغيرها ساهمت في استقرار الأوضاع النقدية والاقتصادية للبلاد.

عادت السياحة بقوة، وحققت 12.6 مليار دولار العام الماضي، وهي أعلى إيرادات محققة في تاريخ السياحة بمصر.

رضوان: إذا عدنا ليناير 2017 وبداية ظهور التداعيات المباشرة لقرار تحرير سعر الصرف التي انعكست في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القيمة الحقيقية للجنيه.. ماذا كانت رؤيتك في هذا التوقيت خاصة أن البعض كان يرى أنه قرار صائب في التوقيت المناسب والبعض الآخر رأى أنه كان من غير الضروري اتخاذ هذا القرار.. ما هي قراءتك للسوق وهذه التداعيات حينها؟
عامر: لم يعمل البنك المركزي منفردًا في وضع برنامج الإصلاح، وتم التعاون مع عدد من الخبراء على مستوى العالم ككل، رأينا تجارب الدول الأخرى، وكان لدينا نموذج تمت صياغته للاقتصاد المصري على مدى 5 سنوات بعد تحرير سعر الصرف.

تصحيح مسار سعر الصرف تأخر عامًا بفعل أزمة الأسواق الناشئة

التطورات الحاصلة بعد تحرير سعر الصرف معروفة، في البداية تحدث طفرة في السعر ثم تعود لتنحسر ليستقر عند المستويات الطبيعية، وهذا ما حدث بالفعل ارتفعت أسعار الصرف في البداية بصورة كبيرة وسبّب ذلك قلقًا وانزعاجًا للبعض، كنا في البنك المركزي وصندوق النقد الدولي متوقعين التداعيات ولكننا مطمئنون تجاهها لمعرفتنا بالمسار قبل التطبيق.

ارتفع سعر صرف الدولار لنحو 19.75 جنيه واليوم نحن عند مستويات أقل بنحو أربعة جنيهات، هذه الأمور تأخذ وقتها، ومصر لم تأخذ وقتًا طويلًا لاستعادة الاستقرار والتحسن.

الطفرة التي حدثت في سعر الصرف، كان لها مميزات مطلوبة، حيث كان ينادي الجميع بتقليل واردات السلع الكمالية لدعم الصناعة المحلية، ونجح ارتفاع سعر الصرف حينها في تحقيق هذا الهدف، حيث انخفضت الواردات من 76 مليار دولار إلى 59 مليارًا، لتتراجع بنحو 17 مليار دولار كانت تمثل الفجوة بين الطلب والعرض، لتسهم في حل الخلل وبدأ التصحيح.

فترة التصحيح في سوق الصرف كان من المفترض أن تبدأ في عام 2018، إلا أن أزمة الأسواق الناشئة التي نجمت عن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والسياسات النقدية المتبعة في أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، أخرت حدوث ذلك، لم نشعر بآثار هذه الأزمة بشكل مؤثر لنجاح مصر في احتياطيات دولية قوية، وخلال هذا العام فقدنا رؤوس أموال أجنبية كبيرة خرجت، ولكنها عادت مرة أخرى في 2019.

رضوان: ما هي نسبة تأثر مصر بالحرب التجارية بين الصين وأمريكا؟
عامر: صناديق الاستثمار العالمية تمتلك أكبر رؤوس أموال في العالم، وعندما يكون هناك مخاطر في الأسواق الدولية بسبب خلاف بين قوتين كبيرتين تذهب الأموال إلى الملاذ الآمن، وهو بالنسبة إليها الولايات المتحدة الأمريكية، خلال 2018 خرج من مصر رؤوس أموال كبيرة ونجحنا في توفيرها.

أصبحنا جزءًا من النظام العالمي لدينا سوق مفتوحة واتفاقيات تجارة حرة مع دول العالم، ولذا نتابع في السياسة النقدية واستقرار النظام المالي والنقدي للدولة المتغيرات الخارجية، ونتحوط منها ولدينا لها احتياطيات.

عجز الميزان التجاري البترولي تحول إلى فائض وواردات مصر من الغاز صفر

الميزان التجاري للسلع البترولية كان به عجز 3.7 مليار دولار، واليوم يحقق فائضًا، أي أن هناك 4 مليارات دولار زيادة في إيرادات قطاع البترول والغاز، وانخفضت أيضًا واردات مصر من الخام، فيما وصلت واردات الغاز إلى صفر بعد كانت أكثر من 3 مليارات دولار في العام، وهذا قطاع ثانٍ إلى جانب السياحة ساعد في استعادة الاستقرار النقدي وبناء أرصدة الاحتياطي النقدي الأجنبي.

تحويلات المصريين العاملين في الخارج، شهدت أيضًا تطورًا ملموسًا نتيجة الثقة في السياسة النقدية، بعد إزالة القيود عن تحويل النقد الأجنبي، حيث كان لدينا قبل سنوات قواعد للتحكم في التحويلات وتم إلغاؤها قبل 3 سنوات، فالأسواق لا تدار بالتحكم والأموال تهرب من الأسواق التي بها قيود.

ارتفعت تحويلات المصريين في الخارج من حوالي 12 مليار دولار في 2010، لتقارب 26 مليار دولار حاليًا، وهي في الحقيقة أعلى من ذلك نظرًا لعدم احتساب نسبة النقد الذي يأتي به المصريين في صورة كاش ويتم إيداعه أو بيعه فيما بعد في البنوك.

 12 مليار دولار سنويًّا متوسط صادرات البنوك من النقد الأجنبي

البنوك العاملة بمصر قامت بتصدير نقد أجنبي بحوالي 36 مليار دولار إلى الخارج خلال السنوات الثلاث الماضية، بمتوسط 12 مليار دولار في العام الواحد.
الناتج القومي لا يعكس حجم الاقتصاد المصري الحقيقي، فهناك سوق غير رسمية لا تؤخذ في الاعتبار، وعندما يتم ضمها وهو ما نسعى إليه حاليًا سيتغير الحال.

رضوان: إطلاق برنامج الشمول المالي كان أحد أهدافه ضم القطاع غير الرسمي لمظلة الاقتصاد الرسمي.. إلى أي مدى ساعد البرنامج في تحقيق خطوات إيجابية في هذا الملف؟
عامر: بدأنا بالفعل ولكن لا بدّ أن نعلم أننا ما زلنا في البداية، وضعنا الخطط والهيكل التنظيمي للشمول المالي، والأمر يطلب تعاونًا كبيرًا بين البنك المركزي والوزارات المختلفة، حيث تحول الموضوع ليشمل الرقمنة والتحول الرقمي، ونسعى لتطوير أساليب العمل مع الأسواق لتكون الخدمات أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

رضوان: تحدثنا عن تأثير قطاعات السياحة والبترول والغاز وتحويلات المصريين في الخارج على ميزان المدفوعات .. ماذا عن دور قناة السويس؟
عامر: بلغت إيرادات قناة السويس في عام 2015 نحو 5.120 مليارات دولار انخفضت إلى نحو 4.945 مليارات دولار في عام 2016 تأثرًا بحركة التجارة العالمية، وفي العام المالي 2018/2019 وصلت إلى 5.730 مليارات دولار.

ارتفعت إيرادات قناة السويس بحوالي 800 مليون دولار تعادل حوالي 13 مليار جنيه كزيادة في عام واحد، أي أن مشروع قناة السويس الجديدة غطى نفقاته في خلال 3 سنوات.

رضوان: الديون من النقاط التي يثار حولها الحديث دائمًا ويمكن أن تشكل قلقًا لدى البعض تحدثت عن أن ديون مصر ليس لأغراض استهلاكية وإنما يقام بها مشروعات .. متى يشكل حجم الديون خطورة؟
عامر: لدينا زيادة في حجم الدين وأيضًا زيادة في الناتج القومي والإيرادات، ولذا يتم تقييم الدول بحسب النسب إلى الناتج القومي، فيمكن أن يزداد حجم الدين ولكن تتحسن نسبته إلى الناتج القومي.

صندوق النقد الدولي لديه معايير لمخاطر الديون وتصنيفاتها منخفضة متوسطة ومرتفعة، وتقع مصر في درجة الخطورة المنخفضة، حيث تبلغ نسبة الدين إلى الناتج القومي 37%.

رضوان: وما هي النسبة التي تشكل خطورة؟
عامر: عندما يصل حجم الدين فوق 50% من الناتج القومي، وأوضح هنا أن تركيبة الدين العام في مصر مختلفة عن الدول الأخرى، بعض البلاد في أوربا الشرقية معظم ديونها قصيرة الأجل، منها تركيا على سبيل المثال.

الدين الخارجي في مصر حوالي 108.4 مليار دولار، معظمه ديون طويلة الأجل، فمثلًا حصلنا قرض مترو الأنفاق من كوريا بأجل 59 عامًا، أيضًا السندات الخارجية التي أصدرتها مصر بالأسواق الدولية وصلت آجالها إلى 40 عامًا.

أصبح لدينا مرونة مالية عالية بالنسبة للمصادر التي يمكن اللجوء إليها لتوفير احتياجات الدولة من النقد الأجنبي، ونعتبر الاستثمار في السندات الدولية طويلة الأجل التي يصل آجالها إلى 30 و40 عامًا وتلقى إقبالًا كبيرًا كالاستثمار الأجنبي المباشر حيث إن العبرة بأنه يكون استثمارًا طويل الأجل، وكانت مصر ستطرح سندات دولية بأجل 100 عام خلال عام 2018.

لا نحتاج لتمويل جديد من صندوق النقد والأسواق الدولية مفتوحة أمام طروحاتنا

الأسواق الدولية أصبحت مفتوحة لمصر، بعد صياغة ووضع السياسات المالية والنقدية الجديدة المفهومة والواضحة والمقبولة للمستثمرين بالأسواق الخارجية، فبدلًا من الذهاب والتفاوض على قروض من دولة ما، أصبحنا نتجه للمستثمرين عبر طرح السندات الدولية.

ولذا نهتم بعجز الموازنة العامة للدولة، حيث إنها من ضمن المؤشرات التي تؤخذ بعين الاعتبار عند الاستدانة من الأسواق الدولية.

رضوان: البعض قد ينظر إلى أن الإقبال على السندات الدولية يأتي بفعل ارتفاع أسعار الفائدة عليها بالرغم من وجود دول تمنح عائدًا أعلى من مصر .. هل العائد يشكل عاملًا هامًّا بالنسبة للمجتمع الدولي؟
عامر: لا، معدل الفائدة في الأرجنتين حوالي 45% ومع ذلك يأتي المستثمرون إلى مصر، هناك عامل هام وهو المخاطر، وانخفاض الوزن النسبي لمخاطر الاستثمار في مصر هو ما يجعل أسعار العائد جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية.

رضوان: على ذكر أسعار الفائدة اتخذ البنك المركزي عدة قرارات متتالية بخفض مستويات الفائدة، يرى قطاع المودعين أن تقليل الفائدة مؤشر سلبي أما مجتمع الأعمال فيرى أنها فرصة للاقتراض من البنوك وضخ استثمارات جديدة بالسوق.. بعيدًا عن رغبات كل قطاع ما هي المعايير التي يسند إليها المركزي في هذا القرار؟
عامر: هدفنا الرئيسي كبنك مركزي استهداف التضخم والحفاظ على مستويات الأسعار، إذا ما انتهجت الحكومة سياسة توسعية في الإنفاق نقوم برفع أسعار الفائدة لسحب السيولة من السوق.

قرارات رفع الفائدة في بداية تحرير سعر الصرف جاءت لعدة أسباب، من بينها الحفاظ على معدل عائد مناسب ومُرضٍ لأصحاب المدخرات في ظل ارتفاع معدلات التضخم حفاظًا على قيمة الجنيه، ودعم احتفاظ المصريين بالعملة المحلية، فلا بدّ أن يكون العائد على الاستثمار بالجنيه أفضل من أي عائد على العملات الأخرى، وهذا هدف أساسي للبنك المركزي للحفاظ على العائد من مدخرات المصريين بالعملة المحلية.

رفع الفائدة لم يكن هدفًا في حد ذاته وإنما وسيلة لامتصاص السيولة من السوق لتخفيف معدل الاستهلاك والإنفاق وبالتالي تحجيم الضغوط التضخمية، وبمرور الوقت ومع تراجع معدل التضخم حان الوقت لخفض أسعار الفائدة لاستهداف النمو، والإفراج عن السيولة التي تم امتصاصها من السوق وإعادة توجيهها للاستثمار.

800 مليار جنيه سيولة تم سحبها من السوق عبر الشهادات في 4 سنوات

جذبنا سيولة بحوالي 800 مليار جنيه خلال السنوات الأربع الماضية، وكانت تكلفتها على البنك المركزي مرتفعة جدًّا، حيث تحملنا دفع عوائد الشهادات مرتفعة الفائدة التي تم طرحها بعد تحرير سعر الصرف.

تحملنا ذلك لأن الهدف كان أسمى من ذلك، للحفاظ على قيمة العملة المحلية، وحصول أصحاب المدخرات على عوائد جيدة، وعودة الاستقرار لسوق النقد الأجنبي، والقضاء على السوق السوداء، وبناء احتياطيات دولية، ورجوع الثقة في الاقتصاد المصري، وتوفير النقد الأجنبي لكافة المتعاملين بالأسواق سواء شركات أو مؤسسات إلى جانب تغطية احتياجات الحكومة.

رضوان: هل تحققت أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر الصرف بنسبة 100% أم أنه ما زال هناك ما لم يتحقق؟
عامر: حقيقة ما تحقق فاق كل التوقعات، حتى إن المؤسسات الدولية مندهشة مما وصلت إليه مصر حاليًا، البعض لم يساعدنا في بداية الأمر لتوقعهم بعدم قدرة مصر على الخروج من عثرتها، ولا يمكن لطرف موضوعي أن يعيب في الاقتصاد المصري في الوقت الحالي.

رضوان: ما هو دور البنك المركزي في المشروعات الكبرى التي تم تنفيذها خلال الأعوام الأربعة الماضية؟ وما رأيك في جدوى هذه المشروعات حيث يطل علينا بين الحين والآخر من يقول إن هناك أولويات أخرى أو أن هذه المشروعات ليست ذات جدوى؟

عامر: تأتي مشروعات الحكومة إلى البنك المركزي لمراجعتها من ناحية مدى جدواها وهل شروط وآجال التمويل وأسعار العائد عليه مناسبة أم لا، وهل خطة الدين الخارجي قادرة على استيعاب القرض أم لا، حيث إن لدينا تصورًا لمستوى الدين الخارجي لخمس سنوات، وهو ما تلتزم به الحكومة والبنك المركزي، وتم تشكيل لجنة برئاسة وزيرة التخطيط لهذا السبب.

77 اتفاقية تمويل خارجي عرضت على البنك المركزي خلال 4 سنوات

تم عرض اتفاقيات قروض تخص 77 مشروعًا حكوميًّا على البنك المركزي على مدار السنوات الأربع الماضية، منها مشروع الشركة القابضة للكهرباء لتدشين محطات كهربائية بمليار دولار، ومشروع غلايات محطة غرب القاهرة البخارية 63 مليون دولار، الشراكة المصرية اليابانية في التعليم 91 مليون دولار، توريد معدات دار الطباعة الجديدة للبنك المركزي في العاصمة الإدارية 287 مليون دولار، تطوير ترام الإسكندرية 111 مليون دولار، تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة للبنوك بقيمة 418 مليون دولار، مشروع تحسين الصرف الصحي بالفيوم 140 مليون دولار، المساهمة في توريد 32 قطارًا للمرحلتين الثالثة والرابعة الخط الثالث 270 مليون دولار، وقرضان لصالح مشروع القطار الكهربائي لمدينة العاشر من رمضان الأول بقيمة 668 مليون دولار، والثاني 460 مليون دولار.

عرض علينا أيضًا اتفاقية قرض بقيمة 2.6 مليار دولار لمشروع توسعات 3 معامل تكرير ضخمة في قطاع البترول، ونحو 390 مليون دولار لتطوير ورفع كفاءة الخط الأول لمترو الأنفاق، كلها مشروعات هامة وذات جدوى اقتصادية وتمس بحياة المواطنين.

رضوان: تردد مؤخرًا أقاويل عن عزم مصر التقدم بطلب للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.. هل هذا أمر حقيقي أم أنها مجرد شائعات؟
عامر: صندوق النقد عرض على مصر الحصول على تمويل جديد، ولكننا رفضنا لعدم حاجتنا إليه الآن، وما نتحدث بشأنه الآن أمور تخص الخبرة والدعم الفني فقط.

إذا احتاجت مصر تمويلًا الآن، يمكننا الاتجاه للأسواق الدولية عبر طرح السندات في أي وقت وبإجراءات بسيطة وسهلة، فلسنا بحاجة لوضع برنامج وتطبيق إجراءات للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.

ما نتفاوض عليه هو الاستعانة بخبرات صندوق النقد الدولي في برنامج الإصلاحات الهيكلية لزيادة كفاءة مؤسسات الدولة وتحسين السياسات الحكومية من أجل تحسين مناخ الاستثمار للقطاع الخاص وتحقيق التنمية.

رضوان: تولي القيادة السياسية اهتمامًا بملف الصناعة وشهدنا مبادرة البنك المركزي التي تم إطلاقها مؤخرًا .. ما هي أبرز الملفات التي سيركز عليها المركزي في المرحلة المقبلة؟ وما هي الإجراءات التي تتخذ الآن ليس فقط للحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي وإنما تعظيمها؟
عامر: لم نكن نستطيع فتح ملف الصناعة قبل هذا التوقيت، لعدة أسباب أهمها عدم القدرة على إمداد المصانع باحتياجاتها من الغاز وكذلك الكهرباء، حيث كانت المصانع لا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية.

حقيقي أن أسعار الطاقة ارتفعت، المسألة كانت خيارًا بين توافر الشيء بسعر أعلى أو عدم توافره على الإطلاق، فما هو البديل لتطبيق خطة الإصلاح وتحرير سعر الصرف، كان ستكون هناك أزمة في الوقود والقمح والسكر وأغلب السلع الأساسية التي يتم استيرادها.

الإصلاح الاقتصادي هو من مكن البلاد من توفير الاحتياجات الأساسية والسلع، نعم متوفرة الآن بأسعار أعلى ولكن هل كان سيرضى أحد بعدم توافرها نهائيًّا.
أيضًا عدم توافر البنية التحتية والطرق أخر فتح ملف الصناعة ولكن الأمر اختلف الآن.

رضوان: هل مستوى التعاون بين الوزارات والجهات الحكومية المختلفة والتناغم الحاصل بين الأجهزة كان موجودًا بنفس الصورة سابقًا؟
عامر: لا، أعمل بالبنك المركزي من عام 2003، وحضرت وزارة حكومة عاطف عبيد والدكتور أحمد نظيف، التعاون والتعامل مع رئيس مجلس الوزارء الآن مختلف تمامًا، وكذلك التعامل مع وزارة المالية، هناك انسجام عالٍ بين أعضاء المنظومة بأكملها.

رضوان: بالحديث عن المشروعات الحكومية الجديدة.. هل سينتقل البنك المركزي للعاصمة الإدارية الجديدة؟
عامر: نعم سننتقل للعاصمة الإدارية، لدينا مقر جديد تم تأسيسه بشكل يليق بمؤسسة البنك المركزي، كما أن هناك 28 بنكًا حصلوا على أراضٍ هناك وسيكون لهم تواجد عبر مقار.

العمل يسير بوتيرة سريعة في العاصمة الإدارية الجديدة، وعادة يواجه التفكير خارج الصندوق استفسارات أو شعورًا بعدم الارتياح، الأمر يتطلب تغيير مفاهيم كثيرة في أسلوب حياتنا، فمثلًا عند تحرير سعر الصرف كان هناك الكثيرون ضد القرار ولكننا أصررنا وصممنا على ذلك لمعرفتنا بأن العواقب ستكون وخيمة إذا لم نفعل ذلك.

رضوان: يبدو أن كل القرارات والمشروعات تتخذ بناء على دراسات علمية جيدة؟
عامر: نعم، بعض الدول الكبرى مندهشة من أداء الاقتصاد المصري، والقدرة على توفير الأموال لتدشين هذه المشروعات، والتزام مصر بسداد ديونها في موعدها.

رضوان: لم تتأخر مصر عن سداد أي التزامات؟
عامر: لا يمكن، هذه سمعة مصر، وقمنا بسداد التراكمات القديمة كافة، قبل نحو 4 سنوات كان على مصر التزامات بنحو 6.5 مليار دولار تجاه شركات البترول الأجنبية، وتم تسديدها بالكامل، أيضًا أرباح الشركات الأجنبية الصناعية التي تحول لمراكزها الأم كانت تبلغ نحو 4 مليارات دولار تم سدادها.

17.3 مليار دولارأرصدة البنوك في الخارج

شهدت أرصدة البنوك المصرية بالنقد الأجنبي في الخارج ضعفًا كبيرًا قبل تحرير سعر الصرف، الآن تبلغ أرصدتها الخارجية بحسب آخر تقرير 17.3 مليار دولار.

رضوان: وما هي خطة البنك المركزي تجاه الصناعة المحلية الفترة المقبلة؟
عامر: نعمل على تغيير عدة مفاهيم قديمة تعوق العلاقة بين البنوك والمستثمرين، وهي ليس خطأ أي منهما، ولكنه فكر متوارث، نعمل على تغييره الآن من حيث الضمانات والرهون ومتطلبات الحصول على التمويل، مما يجعل العمل الاستثماري بالنسبة للقطاع الخاص شبه مستحيل.

ما نهدف إليه هو دعم المستثمرين الصناعيين حتى يستطيعوا منافسة الأسواق الخارجية لزيادة الصادرات المصرية، دول العالم تدعم مستثمريها، ولا توجد مؤسسة مالية فقدت رأسمالها وذهبت إلى النيابة أو السجن.

هناك مصانع وشركات تراكمت عليها الديون بسبب أوضاع البلد الأمنية منذ عام 2011، ونسعى لحل ذلك لمساندة الصناعة المحلية، وقدمنا حلولًا لأكثر من 60 عميلًا.

في البداية عرضنا توفير 100 مليار جنيه تمويلًا لقطاع الصناعة بسعر عائد 10%، وهو رقم ضخم، حيث يبلغ إجمالي تمويل القطاع الخاص نحو 400 مليار جنيه، وبالنسبة للأمور المعلقة طرحنا مبادرة لإسقاط الفوائد.

رضوان: بالنسبة لمبادرة المتعثرين كم يبلغ عدد المصانع المتعثرة؟
عامر: إجمالي عدد عملاء المبادرة حوالي 8 آلاف عميل من قطاعات اقتصادية متعددة، منهم 5 آلاف حالة تعثر بقطاع الصناعة، تخص حوالي 3.5 ألف مصنع، نستهدف إغلاق هذا الملف بالكامل العام الجاري.

هدفنا مساندة المتعثرين وخروجهم من عثرتهم وليس مقاضاتهم وحبسهم، القانون الحالي والقواعد بها بعض بواقي النظم الاشتراكية التي لا تتناسب مع العمل بسياسات السوق المفتوح وهو ما نسعى لتغييره.

رضوان: ننتقل للحديث عن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهل تفضل البنوك المشروعات القائمة عن تمويل مشروع جديد؟
عامر، أطلقنا المبادرة قبل نحو 4 سنوات، هناك دول سبقتنا في تطور العمل بين قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والقطاع المصرفي، حيث اعتادت البنوك العاملة بمصر طوال السنوات الماضية على تمويل المشروعات الكبرى، وهو أمر اتضح أنه غير كافٍ، حيث إن معدلات التشغيل وخلق فرص عمل ووظائف يأتي من المشروعات الصغيرة.

حققت مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة نتائج جيدة، وتم ضخ نحو 160 مليار جنيه قروض جديدة لصالح 86 ألف شركة، ولكن هذا غير كافٍ حيث إننا لدينا بمصر ملايين الشركات الصغيرة ولا بدّ أن نصل إليها جميعًا.

تواجهنا مشاكل ومعوقات نتعلم منها لتجاوزها، نعم تفضل البنوك تمويل مشروعات قائمة، ولذا قمنا بإعادة هيكلة شركة ضمان مخاطر الائتمان واستحوذ البنك المركزي عليها وتم زيادة رأسمالها، وقامت الشركة بإصدار ضمانات لقروض بقيمة تقدر بنحو 40 مليار جنيه، ونستهدف زيادتها خلال الفترة القادمة، ونعمل على تجاوز المعوقات بشكل دائم.

هناك بنوك حققت نسبة 20% من محافظها التمويلية لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأخرى لم تحقق، ونتابعهم أولًا بأول.

سنقوم بتجديد المبادرة لمدة 4 سنوات أخرى، ونراجع النسب والقيم التي سيكون مطلوبًا تحقيقها من البنوك، حيث إننا ما زلنا بعيدًا عن الدول الناشئة التي سبقتنا في تمويل المشروعات الصغيرة كالهند وماليزيا، نجحنا في تغيير نظرة ومفهوم البنوك عن تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والدعم مستمر لوصول التمويل لأكبر قدر من المشاريع، ولهذا السبب يتبنى البنك المركزي قطاع التكنولوجيا المالية والبنوك الرقمية والتي تعد بمثابة أدوات يتم الاستعانة بها للوصول لجميع المواطنين بطريقة أسرع وأقل تكلفة، مع تيسير شروط التعامل والحصول على التمويلات الصغيرة.

أسسنا أيضًا صندوق استثمار لدعم الابتكار برأسمال مليار جنيه، مهمته تمويل أفكار الشباب الموهوبين في مجال التكنولوجيا المالية، كما قمنا بإنشاء المختبر التنظيمي كحاضنة أعمال لهذه الأفكار للتحقق من صلاحيتها بما يمكنها من الحصول على تمويل لرأسمالها فيما بعد.

رضوان: ننتقل لمبادرات التمويل العقاري؟
عامر: تم استنفاذ مبادرة محدودي ومتوسطي الدخل بالكامل بقيمة 20 مليار جنيه، وتتولى وزارة المالية تجديد المبادرة لشريحة محدودي الدخل.

35 مليار جنيه حجم التمويل العقاري بالبنوك

لدينا مبادرتان حاليًا لقطاع الإسكان، الأولى لصالح المطورين العقاريين حيث تقوم البنوك بتخصيم مستحقاتهم لدى العملاء وهي مبادرة هامة جدًّا خاصة أن حجم التمويل العقاري بالبنوك المصرية صغير جدًّا حوالي 35 مليار جنيه، وذلك مقارنة بالدول الأخرى حيث يصل إلى حوالي 50 و70% من محافظ التمويل.

والمبادرة الثانية لمشتري الوحدات السكنية من متوسطي الدخل، بأجل 20 عامًا، وسعر عائد 10%، ولكنها تواجه بعض المعوقات الخاصة برهن الوحدة السكنية نظرًا لعدم تسجيل الأرض لصالح الشركة المطورة حتى سداد ثمنها بالكامل، ونعمل حاليًا على حل هذه المشكلة للتوصل لصيغة قانونية تسمح للبنوك بتسجيل هذه الوحدات.

وهناك استجابة من الحكومة متمثلة في وزارة العدل حيث تم تشكيل لجنة، وقمنا بإرسال ممثل عن البنك المركزي ضمن هذه اللجنة للتغلب على هذه العقبة.

رضوان: بالنظر لإفريقيا نرى أن هناك منافسة كبيرة من دول العالم على الأسواق الإفريقية فيما أن تحرك المستثمرين المصريين ليس قويًّا حتى الآن والبعض يبرر ذلك بأن ليس هناك مساندة من البنوك المصرية فما رأيك؟
عامر: هناك شركات مصرية تعمل بشكل جيد في إفريقيا، صحيح أن عددها ليس كبيرًا ولكنها لديها حجم أعمال ضخم هناك.

كبنك مركزي قمنا بإنشاء إدارة لإفريقيا تتولى إدارتها وكيل المحافظ الدكتورة نجلاء نزهي، وخلال الفترة الماضية كان للبنك المركزي نشاط كبير من ناحية توطيد العلاقات والتعاون، وقدمنا تدريبًا لأكثر من 17 بنكًا مركزيًّا إفريقيًّا، لنحو 800 متدرب في المعهد المصرفي المصري، كما قمنا بتأسيس شركة لضمان مخاطر الصادرات لإفريقيا لمساندة شركات القطاع الخاص في الأسواق الإفريقية.

انتهينا من تأسيس الشكل القانوني للشركة برأسمال 600 مليون دولار، ونعمل حاليًا على تأسيس الإدارات الداخلية ووضع السياسات وقواعد العمل واخيار الرئيس التنفيذي.

والبنوك أصبحت تركز بصورة أكبر على إفريقيا حاليًا، والبنك المركزي يحثهم بالبحث عن الفرص الإفريقية.

البنك المركزي يسعى للاستحواذ على بنك بشرق إفريقيا

طلبت شخصيًّا من أحد بنوك الاستثمار الكبرى البحث عن بنك قائم في شرق إفريقيا للاستحواذ عليه، وتم ترشيح بنك متواجد في 6 دول بشرق إفريقيا، ونتفاوض حاليًا مع المساهمين لإقناعهم بعملية البيع.

الرابط المختصر