بقلم محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار _ حسّنت مصر من قدرتها التنافسية خلال العام الماضي في أكثر من 60 مؤشرًا من أصل 103 تُقاس في تقرير التنافسية العالمية 2019 التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي وكان الأداء المصري قد شهد تحسنًا بمعدّل نقطة واحدة خلال العام المنصرم، لتحلّ مصر في المرتبة 93 عالميًّا من 141 دولة، مقارنة بالمركز الـ94 في العام الماضي، وأظهر التقرير ترتيب مصر في عدد من المؤشرات الفرعية، حيث أظهرت تحسنًا في عدد من المؤشرات.
نتائج التقرير تعكس الأوضاع منذ نحو عام، ولم تعكس النتائج الاقتصادية الإيجابية التي تحققت خلال الأشهر الاخيرة فرغم التحسن المستمر في ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمية، إلا أن التقرير لم يأخذ في الاعتبار الكثير من الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة المصرية، ومن المتوقع أن يتم الأخذ بها في السنوات المقبلة إلا أن التقرير يعد حافزًا لتحديد نقاط الضعف للعمل على إصلاحها.
هناك أهمية لمواصلة التحول الهيكلي لخلق بيئة أعمال مواتية للمنافسة، وتعزيز دور القطاع الخاص ليكون قادرًا على توليد وظائف أكثر وأفضل، مع تحسن البيئة العامة للاقتصاد الكلي في مصر.
كما يجب أن تعمل مصر على تحفيز الاستثمار الداخلي مع الأجنبي في ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحركة التجارة العالمية والاستثمارات، فيجب التركيز على الصناعات التي يتم استهلاك مخرجاتها داخليًّا مع عدم إغفال الصناعات التصديرية حتى لا يتأثر الميزان التجاري وسعر صرف الجنيه المصري، خاصة إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن حدوث أزمة اقتصادية من الممكن جدًّا أن يؤثر على استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية وهو ما قد يؤدي إلى العودة إلى نفس الأزمة السابقة إذا لم يتم تحفيز الإنتاج عمومًا وخاصة الاستثمار الرأسمالي.
كما يتطلب تحسين ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمية المزيد من الجهود الإصلاحية من الحكومة وفي الجزء الخاص بالإصلاح المؤسسي والقضاء على البيروقراطية ومشاكل سوق العمل والحوافز الاقتصادية وجودة الخدمات مما يستدعي مواصلة الجهود وإطلاق المبادرات التي تصب في دفع مسيرة التنمية الاقتصادية قدمًا وتعزز تنافسية الاقتصاد وفق معايير التنوع والاستدامة والمعرفة والابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي مع الإسراع بإصدار قانون المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر؛ لتحفيز الاقتصاد غير الرسمي للانضمام للمنظومة الرسمية، وسرعة البت في الإجراءات القضائية لتحقيق مبدأ العدالة الناجزة، واستبدال التشريعات العديدة الخاصة بالأراضي بقانون موحد ومبسط لإدارة أراضي الدولة. بجانب زيادة مخصصات هيئة التنمية الصناعية من الأراضي لطرحها على المستثمرين وفق آليات موضوعية وشفافة.
هناك أيضًا ضرورة التركيز على جذب استثمارات في الصناعات التكنولوجية لتصنيع منتجات ذات قيمة مضافة مرتفعة، والاهتمام بالتعليم الفني واستحداث مدارس ومعاهد فنية مؤهلة لسوق العمل تتناسب مع أنواع الصناعات التي تسعى مصر لتوطينها وتحقيق ميزة تنافسية بها، وتطوير منظومة النقل البري والاستفادة من السكك الحديدية في عملية نقل البضائع لتقليل التكلفة.
مؤشرات التقرير تكشف عن أنه ينبغي على مصر تعزيز محركات نمو اقتصادي جديدة وتكثيف الإصلاحات الاقتصادية مع التأكيد على أن مصر لديها هامش مناورة كبير لمواصلة آلية النهوض الاقتصادي «فالمحركات القديمة للنمو تتأثر» لهذا تبرز أهمية تعزيز الابتكار وتشجيع التكنولوجيات الجديدة – ولا سيما لتطوير الاقتصاد الرقمي وهو في خضم نموه حاليًا مع ضرورة إلغاء العقبات التي لا تزال موجودة في الاقتصاد وتخفيف العقبات أمام المنافسة في السوق مع الاهتمام بتقديم دعم أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة وتدعيم سلاسل القيمة بصورة أكبر وتقديم محفزات لها.
الموقف الاقتصادي المصري يحتاج إلى مراجعة بعض النقاط الجوهرية مثل اتباع سياسات تحفيزية لعدد من القطاعات الاقتصادية والسعي لاستراتيجية توسعية لتنمية الصادرات والحد من تنامي الواردات مع السعي لزيادة معدلات اجتذاب الاستثمارات والاستمرار في تنشيط السياحه مع إجراء تعديل جوهري في سياسات الإقراض المصرفي ووضع آلية لإنهاء التعثر خاصة في المصانع ذات الأصول الإنتاجية.
ينبغي إدراك أن التحدي الأساس للاستثمار ليس في الحصول فقط على ترتيبات متقدمة في مؤشرات التنافسية ولكن في تحقيق التحسن المستمر في هذه الجوانب، مع إدراك حقيقة تدفق الاستثمارات للاقتصاد، فرغم أن المؤشرات قد تقدم انطباعًا جيدًا، إلا أن الأهمية الحقيقية تكمن في قدرات الاقتصاد نفسه على منح المستثمرين عوائد إيجابية في ظل مناخ استثماري محفز مع وضع الخطط والسياسات التي تساعد على الابتكار وتوطين التكنولوجيا، وذلك بالتركيز على تطوير البحث العلمي.
إننا نقترب الآن من الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية، والتي تستهدف إطلاق طاقات الاستثمار، وتتوسع في برامج الحماية الاجتماعية فالموجة الثانية تختلف عن الأولى، لأنها تحتاج إلى إصلاح المناخ المؤسسي وتحتاج أيضًا إلى تطوير دور الدولة في النشاط الاقتصادي بجانب التوسع في الشراكات مع القطاع الخاص فالإصلاح في مجالات مثل الحوكمة والتمويل المحلي والخارجي والتجارة وأسواق المنتجات والعمالة قد يحقق مكاسب على المدى المتوسط وهي إصلاحات لا يستلزم معها تكاليف اقتصادية كلية قصيرة الأجل ويمكن أن تتحقق مكاسب كبيرة في الإنتاج والعمالة على المدى المتوسط إلى الطويل.