محيي الدين يعرض محاور مهمته الدولية الجديدة
العلاقة مع الأمم المتحدة تعمقت خلال عام 2012 مع بدء إعداد خطة التنمية 2030
ياسمين منير ورضوى إبراهيم _ كشف الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل خطة عام 2030، كواليس اختياره للمنصب الجديد، المستحدث كليًّا بمنظمة الأمم المتحدة لتنفيذ أجندة التنمية المستدامة عالميًّا كمبعوث خاص لتمويل الخطة التي تتبناها أكثر من 190 دولة متقدمة ونامية.
واستعرض د. محيي الدين في حوار عبر الهاتف مع جريدة حابي مهام عمله الجديد الذي سيبدأ فعليًّا مطلع الشهر المقبل، بعد اجتماعات تحضيرية، تمهد لوضع جدول أعمال يتناسب مع الأولويات المتفق عليها بخطة التنمية 2030، وكذلك التحديات التي فرضت نفسها على الساحة العالمية ودفعت تجاه الكثير من المراجعات.
ويأتي المنصب الجديد، بعد أن أنهى محيي الدين الشهر الماضي فترة توليه منصب النائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولي. بعد نحو 10 سنوات من العمل في المجموعة، كان معنيًّا خلالها بوضع جدول أعمال التنمية لعام 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والشراكات، إلى جانب عدد من الملفات الحيوية مثل التنمية البشرية والتنمية المستدامة والحد من الفقر والإدارة الاقتصادية والمالية وتنمية القطاع الخاص، وكذلك منصب المبعوث الخاص لرئيس البنك الدولي المعني بالأهداف الإنمائية للألفية وخطة التنمية لما بعد عام 2015.
قال د. محيي الدين لحابي: «أنا على علاقة طويلة وممتدة مع الأمم المتحدة منذ بداية عملي في البنك الدولي عام 2010، وتنوعت مسارات العمل لمتابعة أهداف الالفية التنموية لعام 2015، وتعمقت العلاقة اعتبارًا من عامي 2012 و 2013 خلال وضع الأهداف الحقيقية للتنمية المستدامة التي تم الإعلان عنها عام 2015، وتم بدء الاتفاق عليها في مؤتمر ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 2012”.
وأوضح محيي الدين أنه كان ممثلًا عن البنك الدولي في عدة مجالات تتعلق بإعداد هذا البرنامج التنموي، مثل الأوراق الفنية والتحليلية وكذلك تحديد مصادر التمويل المحتملة، حتى تم تدشين البرنامج في المؤتمر السنوي في سبتمبر عام 2015 بولاية نيويورك بمشاركة قادة مختلف دول العالم.
وأشار إلى أنه قبل ذلك التاريخ بنحو شهرين، تم أخذ الموافقات من الدول على تمويل برنامج التنمية، مؤكدًا أن التفكير في توفير مصادر التمويل سبق الإعلان عن الطموحات المستهدفة بالخطة، حتى يتم وضع أهداف قابلة للتنفيذ.
فلسفة التنمية تغيرت لتشمل كل الدول بدلًا من التركيز على الدول الفقيرة والنامية فقط
وأكد محيي الدين أن خطة التنمية المستدامة لا تتعلق هذه المرة بالدول النامية فقط، بل تخاطب احتياجات نحو 193 تمثل الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة، قائلًا: «على عكس الأهداف القديمة التي كانت تتوجه للدول النامية فقط، تعكس الخطة الجديدة أهمية شمول التنمية والقضاء على الفقر وغيره من التحديات المجتمعية التي تواجه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء وتم تبني فلسفة جديدة تهدم مفهوم التنمية كمنحة من الدول المتقدمة للفقيرة”.
وأوضح أن خطة التنمية 2030 تتبنى 17 هدفًا عامًا، منبثق منها نحو 169 هدفًا فرعيًّا ونحو 230 مؤشرًا للقياس، مشيرًا إلى إمكانية تقسيم الأهداف السبعة عشر إلى أربع مجموعات أساسية، الأولى تتعلق بالتنمية البشرية والاجتماعية، بما في ذلك مجالات التعليم والصحة والعدالة بين الجنسين في التوظيف والأجر.
أما المجموعة الثانية تستهدف تحقيق نمو اقتصادي شامل، بما يساهم في القضاء على الفقر والعدالة في توزيع الثروة، فيما تتعلق المجموعة الثالثة بالبيئة والتعامل مع تطورات المناخ، والمجموعة الرابعة والأخيرة تستهدف الحوكمة والإطار المؤسسي.
الركود الاقتصادي وزيادة النمو السكاني من أبرز التحديات.. ومراجعات تتم حاليًا على تقديرات الفجوة التمويلية
وقال محيي الدين: «علينا وضع برامج موحدة لتنفيذ مجموعات الأهداف الأربعة بالتوازي، فالاهتمام بجوانب معينة للتنمية على حساب أخرى سيخلف عواقب كثيرة، فالأمر أشبه بالعجلات الأربع التي تعتمد عليها السيارة حيث لا يمكن الاستغناء عن أي منها، وإذا زادت سرعة إحداها عن الأخرى تسبب ذلك في خلل وتداعيات سلبية”.
وشدد محيي الدين علي أن التنمية مفهوم أوسع من النمو رغم اعتبار الأخير عنصرًا أساسيًّا ولكن ليس كافيًا لتحقيق التنمية، مشيرًا إلى أن الركود الاقتصادي والزيادة السكانية وكذلك توقعات النمو السكاني من أبرز التحديات، ما يتطلب خلق فرص أكبر للتشغيل في إطار العمل على زيادة الدخول.
وأشار محيي الدين إلى الأهمية المتزايدة لما يعرف بالاستثمار المؤثر الذي تحدث عنه من قبل في إحدى مقالاته، وكذلك الإشارة لمؤتمر حابي للاستثمار العام الماضي الذي انطلق تحت عنوان النمو المؤثر، مؤكدًا على أهمية التأثير المباشر للنمو والاستثمار على خطط التنمية الأشمل والمستدامة.
التفكير في مصادر التمويل سبق حسم طموحات التنمية حتى يتم وضع أهداف قابلة للتنفيذ
وقال محيي الدين: «مهامي الجديدة تتعلق بالتمويل، فالأمر يرجع إلى وثيقة تمويل التنمية التي تم إعدادها عام 2015، وتم وضعه في إطار أكثر إيجازًا في الوثيقة الثانية التي أعلن عنها الأمين العام للأمم المتحدة عام 2018.. لذلك أعتبرها بمثابة إطار التكليف الخاص بعملي والذي يشمل أبعاد التمويل كافة “
وأوضح المبعوث الخاص لتمويل خطة التنمية 2030 أن الوثيقة الثانية جاءت بعد نحو ثلاثة أعوام من التفاوض والمناقشات حتى تم الاستقرار على 17 هدفًا عامًّا، وكذلك الموافقة على كيفية تمويلها من مصادر تتنوع بين المال العام والخاص والاستثمارات المحلية والأجنبية.
ويعتبر محيي الدين الموازنات العامة للدول بمثابة المصدر الأهم لتمويل خطة التنمية، موضحًا أنها لا تمثل مصدرًا فقط للتمويل ولكنها تعكس أيضًا أولويات وسياسات الدول، بما يعطي مؤشرات للمستثمرين المحليين والأجانب.
وقال: «موازنات الدول لا ينظر لها كإيرادات ونفقات وعجز، ولكن مستهدفات الدولة تظهر جليه أمام المتابعين، فإذا كان الاهتمام بالتعليم والصحة أعطت مؤشرات بالاستثمار في القوة البشرية، وكذلك الاهتمام بالبنية التحية في بعض المناطق بمثابة تشجيع للمستثمرين للتوسع بها، ونفس الأمر حال الاهتمام بالتكنولوجيا، كما أن أموال المنح والمعونات التي تمثل أحد مصادر التمويل يتم توجيه إنفاقها عبر الموازنة”.
وأشار محيي الدين إلى أهمية إزالة عوائق الاستثمار أمام المستثمر المحلي باعتباره ثاني أهم مصدر للتمويل، خاصة في ظل قدرته على تشجيع واستقطاب استثمارات جديدة سواء محلية أو أجنبية.
ولفت إلى أن متوسط قيمة المعونات المالية كأحد مصادر تمويل التنمية يدور خلال السنوات الثلاث الأخيرة بين 135 و150 مليون دولار سنويًّا، وهو ما يعتبره رقمًا شديد التواضع إذا تم تنسيبه إلى الاحتياجات الحقيقية للتنمية.
وأوضح أن الاحتياجات الكبيرة لتمويل التنمية دفعت الدول المتقدمة منذ سنوات طويلة للتعهد بتقديم نحو 0.7% من الناتج القومي كدعم للدول الفقيرة والنامية، إلا أن عددًا قليلًا من الدول يلتزم بهذا التعهد من بينها الدول الاسكندنافية مثل السويد والدنمارك، ومحاولات من دول مثل بريطانيا، في مقابل دول أخرى لم تقترب من الحد المتفق عليه.
وقال محيي الدين: «رغم تواضع قيمة المعونات مقارنة بمستهدفات التنمية، إلا أن أهميته تكمن في أمرين، الأول يتعلق بتوجيهه للدول الأكثر احتياجًا مثل إفريقيا جنوب الصحراء، أما الأمر الثاني فيتعلق بقدرتها على جذب الاستثمارات كنوع من الضمان لوجود دراسات جدوى والتزام على غرار ما يحدث باتفاقات التمويل التي تقدمها البنوك التنموية “.
وأشار إلى أن التقديرات العالمية متفاوتة فيما يتعلق بحجم التمويل المستهدف لخطة التنمية 2030 والذي يرتفع من 2.5 تريليون دولار إلى نحو 4 تريليون دولار ببعض التقديرات.
وكشف عن أن التحديات العالمية المتزايدة خلال الآونة الأخيرة دفعت تجاه الكثير من المراجعات التي تجري حاليًا لتقدير حجم التمويل اللازم للأقاليم الجغرافية المختلفة.
التنمية البشرية والنمو الشامل وحماية البيئة وتطبيق الحوكمة.. أضلع رئيسية تنفذ بالتوازي
وأكد محيي الدين أن مهام عمله الجديد ستركز على كيفية تقديم المساعدة الفنية للدول الأعضاء بالأمم المتحدة، من خلال استخدام القدرة المنظمة الدولية على الدفع تجاه تبادل الخبرات والاستثمارات والمعونات، وكذلك توضيح الرؤية التنموية المستهدفة وتشجيع القطاع الخاص والأهلي للمساهمة في تنفيذها من خلال عنصري الاستدامة والاستثمار المؤثر.
وأشار إلى أن مهام عمله ستشمل أربعة مستويات، في مقدمتها العمل العالمي من خلال التنسيق والتعاون مع مختلف الأجهزة والوكالات التابعة للأمم المتحدة وكذلك المنظمات النوعية التي تهتم بالبيئة والصحة والتعليم، إلى جانب منظمات مثل اليونيسيف التي تلعب دورًا محوريًّا في رعاية الطفل، ومنظمات أخرى تختص بحقوق المرأة.
وأوضح أن المستوى الثاني يتمثل في مشاركة الحكومات بناء على طلبها ورغبتها في تقديم التعاون الفني لتنفيذ مستهدفات التنمية، أما المستوى الثالث فيتعلق بالبعد الإقليمي الخاص بمخاطبة التجمعات الإقليمية مثل الآسيان والاتحاد الإفريقي وكذلك الاتحادات الاقتصادية مثل الكوميسا، لافتًا إلى النشاط الهام الذي تلعبه جامعة الدول العربية في هذا الإطار ما يثمر عن مؤتمر سنوي للاستدامة يمثل اجتماعًا وزاريًّا إقليميًّا لبحث مستهدفات وتحديات تحقيق الأجندة التنموية المتفق عليها.
أما المستوى الرابع فيتعلق بالبعد المحلي، الذي يستهدف توطين التنمية من خلال تطوير المحليات، ضاربًا مثالًا بدول نامية حققت طفرات تنموية عبر الاهتمام بالمحليات والوصول إلى المواطن مثل فيتنام وكولومبيا.
وقال محيي الدين: «بغض النظر عن تباين حجم التمويل المستهدف لخطة التنمية المستدامة، إلا أن الأهم هو إدراك كل دولة لاحتياجاتها المالية بهذه الخطة، حتى تستطيع استهداف تمويلها عبر مصادر التمويل المتنوعة بين العام والخاص والمحلي والأجنبي”.
يجب تشكيل مجموعات عمل بكل دولة لتحفيز الاستثمار المؤثر والخروج من النطاق المحدود لممارسات المسؤولية المجتمعية
وأشار إلى تشكيل مجموعة عمل بالأمم المتحدة تمثل تجمعًا دوليًّا عالميًّا للاستثمار من أجل التنمية المستدامة، تقوم على تحديد الأولويات وآليات الاستثمار المؤثر وكيفية مراجعته وقياسه، مطالبًا بضرورة تشكيل مجموعات عمل موازية على المستوى المحلي بكل دولة لوضع أطر تنفيذ وتحفيز الاستثمار المؤثر والذي يتجاوز أدوار المسؤولية المجتمعية التي تتبناها الشركات حاليًا.
ولفت محيي الدين إلى أن البورصة المصرية دشنت منذ نحو 12 عامًا أثناء توليه حقيبة وزارة الاستثمار، مؤشرًا بالتعاون مع مؤسسة S&P لقياس الاستدامة بالشركات، وهو ما كشف عن أن الشركات الأكثر التزامًا بالاستدامة تعتبر أيضًا من الأكثر ربحية وكفاءة في الأداء.
ورفض محيي الدين الكشف عن مستهدفاته خلال العام الأول لمهمته الجديدة، مشددًا على أنه يعمل في إطار مؤسسي ودوره معني بالتنسيق والتحفيز والمشاركة، ما يستدعي انتظار مناقشة أفكاره بالاجتماعات التحضيرية قبل تولي منصبه الفعلي مطلع الشهر المقبل.