بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ تابعت مع الكثيرين من الأصدقاء والقراء الأسابيع الماضية الجدل الذي دار حول مشروع قانون تقنين السايس أو المنادي وككثير من القضايا التي تدور حولها المناقشات على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي تتنتهي بكونها فقاعة غير معلومة المصدر.
وقد نفى سيادة النائب رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب -ولله الحمد- احتمالية وجود تقنين تشريعي لمهنة السايس رغم تصريحات مسؤولين كانوا ضيوفًا على برامج ومساحات إعلامية أفردت لمناقشة تلك القضية بالموافقة والدفاع عن مشروع القانون موضع المناقشة.
كنت طفلًا صغيرًا مقيمًا مع أهلي بأسيوط وكنا نأتي إلى القاهرة في إجازة الصيف وأتذكر جيدًا أننا كنا دائمًا نأتي إلى شوارع وسط البلد للتسوق حيث كانت أرقى المتاجر والمقاهي.
كان عدد السيارات والسكان أقل كثيرًا ولكن كان هناك عداد لكل مكان انتظار يتم تغذيته بالعملات المعدنية وعسكري مرور يدون مخالفات لمن يصف أمام عداد فارغ. لم يكن يجرؤ أي قائد سيارة على ترك سيارته بمنتصف الطريق ولو كان الشارع من دون عداد، كان هناك سايس معين من قبل المحليات يعلق بجيبة لافتة من النحاس عليها رقمه إعلانًا عن مسؤوليته عن تلك المهمة. كان غالبيتهم على قدر كبير من الاحترام والالتزام والمسؤولية.
مع زيادة عدد السكان وعدد السيارات وغياب الالتزام بقوانين المرور وزيادة عدد من ينجحون في الحصول على الاستثناء أو من ينتزعونه بالتبلد تارة أو البلطجة على عدد الملتزمين عمت الفوضي في الشوارع وظهر المنقذ –السايس– الذي اتخذ من الشارع ملكًا خاصًّا له بمباركة ومعرفة الجميع.
ولا أنكر فوائد السايس الكثيرة خاصة أن كانت من تقود السيارة تريد أن تنجو بترك السيارة أمام مقصدها من التحرش على الأقل اللفظي الذي لا يعاقب أو يوبخ عليه أحد أو إن كان في السيارة من كبار السن الذين لا يقدرون على المشي مسافات طويلة إلا أن النتيجة صارت بلطجة وفوضى عارمة.
وإن توجهت إلى شوارع جاردن سيتي أو المهندسين أو الكوربة بمصر الجديدة على سبيل المثال حتى لو في الصباح الباكر والشوارع خالية تمامًا تجد كل الأماكن محجوزة بالحجارة والكاوتش من االبوابين والسياس الذين اتخذوا من الشارع ملكًا خاصًّا لهم. هذا بخلاف السلاسل الحديدية والحواجز سواء كانت من الأهالي أمام منازلهم أو من المحليات أمام البنوك والكنائس مثلًا للتأمين مما يضيق من الطرق ويزيد من تكدس السيارات.
امتلك السايس الشارع وعطل المرور وفرض الإتاوات وتكدست السيارات وكثيرًا ما أتلفت في مقابل إمكانية صف السيارة وأعتقد أن الحل يكمن في الآتي:
أولًا: تفعيل قانون المرور بلا استثناء وتغليظ عقوبة الانتظار في الممنوع، مع مراعاة حق كبار السن ومن لا يقدر على السير في النزول أمام مقاصدهم إن كانوا بمصاحبة من يقود دون ترك السيارات في تلك الأماكن، مع منع ومخالفة كل من يحجز مكانًا لسيارته بالبلطجة.
ثانيًا: تقنين الحق والأولوية لسكان الشوارع الرئيسية في الأماكن المتاحة للسيارات بشوارعهم وفق تصريح خاص يصدر له وفق محل سكنه مع تجديد ترخيص السيارة الخاصة به كالنظم الموجودة بمعظم عواصم العالم ومدنها الرئيسية.
ثالثًا: فتح كل الجراجات الموجودة وتقنين استغلالها وحق أصحابها في الحصول على مقابل مناسب وإرجاعها بقوة القانون إلى نشاطها الأصلي إن كانت قد تحولت إلى مخازن أو متاجر مخالفة لغرض إنشائه.
رابعًا: تعريف الشوارع الرئيسية وترقيم أماكن الانتظار المتاحة بها وإنشاء التطبيق اللازم على الهواتف الذكية التي تمكن المواطن من االتعرف على إمكانية وجود أماكن انتظار متاحة قبل بلوغه إلى مقصده ثم الدفع إلكترونيًّا بإحدى وسائل الدفع اللانقدي. نفس التطبيق يمكن أن يبين لرجل المرور إن كانت السيارة مخالفة أم لا دون الحاجة لتواجد الشرطي ومناقشة صاحب السيارة إلى آخره.
خامسًا: استخدام جميع وسائل التواصل الاجتماعي في التوعية والتنبيه والتحذير والإعلان عن المخالفات التي تم تنفيذها حتى يلتزم المواطنون وكلنا نتذكر صدور القانون الخاص بحزام السيارة وكيف كان الجميع يلتزم به دون استثناء.
أخيرًا، نحتاج إلى خطة قومية تتضافر فيها جميع أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام والمنصات الإلكترونية ونجوم المجتمع لتغيير سلوك الغالبية المتمردة على القوانين وترغيبهم في الالتزام بها لأن فيها سلامة وراحة الجميع.