طريق الحرير الرقمي والفرصة المصرية

بقلم محسن عادل نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الخبرة _ “طريق جديد في عصر الاقتصاد الرقمي ومنه يمتد التنين الصيني إلى مختلف أسواق العالم”، كانت تلك بداية الكلمات التي وجدتها فور البحث على شبكة الإنترنت حول ماهية طريق الحرير الرقمي الذي انتشر كمفهوم حديث خلال الأسابيع الأخيرة خاصة بعد أن وقعت غرفة تجارة وصناعة دبي مذكرة تفاهم لبدء تطوير مشروع طريق الحرير الرقمي.

يأتي هذا ضمن مبادرة «دبي X10»، والذي يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ مع بداية 2020 ليشكل نقلة نوعية في تسهيل التجارة الإقليمية والعالمية ويشمل مشروع طريق الحرير الرقمي الإماراتي تطوير منصة إلكترونية متكاملة آمنة ومتطورة باستخدام تقنية البلوك تشين، تسهم في تخطي معوقات التجارة الحالية، كارتفاع التكاليف وغياب الشفافية وتنوع التشريعات، بالإضافة إلى غياب الأمان في المعاملات التجارية، ولكن الأمور أعمق بكثير من مجرد منصة رقمية.

E-Bank

بيرند ديبوسمان أحد الخبراء في المجال الرقمي يشير إلى أنه توجد خطط محكمة لدى الصين لتوسيع تأثيرها الرقمي بشكل كبير، وذلك يشمل منطقة الشرق الأوسط من خلال توسيع البنية التحتية للمواصلات والطاقة حول العالم لتحسين الاتصال بباقي أنحاء العالم، وربما لتعزيز إمكانيات الطاقة المادية والرقمية مشيرًا إلى أنه من أهم الجوانب المتعلقة بالاستراتيجية أنها غير مرتبطة بالطرق السريعة، أو الموانئ أو الطاقة.

وتتميز الاستراتيجية بأنها رقمية، ويلعب الشرق الأوسط دورًا محوريًّا في هذه الخطة وبينما يشير طريق الحرير إلى شبكة بنية تحتية مادية وفعلية على اليابسة والبحر عبر مساحة واسعة من الأراضي الأوربية الآسيوية، فإن طريق الحرير الرقمي يرتبط ببنية تحتية غير مرئية، ومن نواحٍ أخرى، تتميز بأنها بنية تحتية مجردة.

وبينما يتم الحديث عن طريق الحرير الرقمي كثيرًا في وسائل الإعلام الصينية فيما يخص مبادرة الحزام والطريق، فإنه يظل غير معروف في باقي أنحاء العالم، حتى وإن كان من الممكن أن يغير المساحة الرقمية للشرق الأوسط.

تابعنا على | Linkedin | instagram

يقول الرئيس الصيني شي جين بينغ في حديثه عام 2017 “يجب أن نسعى إلى تطوير يعتمد على الابتكار والتعاون المكثف في المناطق الحدودية مثل الاقتصاد الرقمي، والذكاء الصناعي، وتقنية النانو، والحوسبة الكمية، وتطوير البيانات الضخمة، والحوسبة السحابية والمدن الذكية من أجل تحويلها إلى طريق الحرير الرقمي في القرن الحادي والعشرين”.

“يجب أن نسعى إلى التكامل التام بين العلم والتكنولوجيا في الصناعات والمجالات المالية، وتحسين البيئة من أجل الابتكار وتجميع الموارد… ويجب علينا إنشاء مساحة، وبناء ورش عمل للشباب من مختلف البلدان من أجل صقل ريادة الأعمال في عصر الإنترنت هذا.”

الشركات التكنولوجية الصينية الخمس الكبرى تتحرك بقوة الآن بالفعل حيث أعلنت مجموعة علي بابا في عام 2017 عن برنامج قيمته 600 مليون دولار أمريكي لإنشاء «مدينة تكنولوجية» يبلغ حجمها خمسة أمثال مبنى البنتاجون القريب من ولاية واشنطن – وهذه المدينة ستستضيف 3000 مؤسسة تعمل في مجالات صناعة الإنسان الآلي، والذكاء الصناعي وتطبيقات الهاتف المحمول بالقرب من جبل علي في دبي. كما اتبعت المؤسسات الصينية الكبيرة الأخرى ذلك المسعى ولكن بسرعات مختلفة.

وينستون مينيان ما، الشريك الإداري ورئيس الاستثمارات في رأس المال الاستثماري لطريق الحرير في الصين، يعتقد أن أسرع تأثير لطريق الحرير الرقمي سيكون انتشار شبكات ونماذج التجارة الإلكترونية الصينية ويضيف قائلاً: “تتوسع سوق الهاتف المحمول بسرعة لأن المستهلكين يبتعدون عن أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وخطوط الهاتف الأرضية، وبطاقات الائتمان، ويتوجهون نحو عصر الهاتف الذكي بما في ذلك التسوق. وفي الأسواق الناشئة -بما في ذلك أسواق مجلس التعاون الخليجي- تشهد الأسواق الأمر نفسه.”

أسعدني كثيرًا أن أرى هذا الاتجاه حاليًا كرؤية حقيقية تقوم بها مصر كنتيجة لتطوير بنية الدولة ضمن عملية التحول الرقمي لأجهزتها، فخلال جلسة المؤتمر الوطني السابع للشباب تم إطلاق مبادرة التحول الرقمي، في ظل تأكيد رئيس الجمهورية على أن عملية التحول الرقمي للدولة هي مسألة “أمن قومي” وأن التأخر في التحول الرقمي، ترتب عليه التراجع في عدة مجالات، وأن مصر ستكون قادرة من خلال هذه المنظومة الجديدة على رؤية الواقع وتحسين أداء الدولة بشكل يليق بمصر خلال السنوات القليلة المقبلة.

في ظل هذه الخطوات عالميًّا واتجاه مصر للحاق بها يجب أن يدرس بدقة هذه التجربة في ظل التقدم الذي برز مؤخرًا في مجال المعاملات المصرفية الإلكترونية خاصة في مجال الإقراض فالبنك الجديد الذي دشنته شركة علي بابا يقدم معاملاته من خلال الهاتف المحمول والمقترضون يستلمون النقود فورًا حال الموافقة، وهذه العملية إلكترونيًّا تستغرق 180 ثانية (ثلاث دقائق) في غياب تام للعنصر البشري من جانب المصرف الذي سجل عملاؤه معدل تخلف عن السداد يبلغ 1%.

كما أن معدل الموافقة على القروض لدى «ماي بنك» أعلى بأربعة أضعاف المقرضين التقليديين، الذين يرفضون عادة 80% من طلبات القروض للشركات الصغيرة ويستغرق الأمر منهم نحو 30 يومًا لمعالجة الطلبات المقدمة لهم وذلك كله وفقًا لتقرير بلومبرج والذي أرجع ذلك صراحة لحصول «ماي بنك» وأقرانه على بيانات جديدة باستمرار عبر أنظمة الدفع ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر، فإنهم يشعرون بمزيد من الراحة والأمان تجاه المقترضين الصغار علمًا بأنه وفقًا للتقرير السابق فإن المصرف يخطط لمضاعفة قائمة المقترضين خلال السنوات الثلاث المقبلة، ويشير إلى أن التكلفة التشغيلية للبنك الذي يتخذ من هانغتشو مقرًّا له تبلغ ثلاثة يوانات للقرض الواحد، مقابل 2000 يوان لدى المنافسين التقليديين.

إن الأمر يحتاج الآن إلى إعادة نظر شاملة في الإمكانيات التي تحتاج إليها مصر حاليًا لاستخدام البيانات الضخمة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتقديم القروض حيث يستلزم ذلك إلى البيئة التنظيمية التي تسهل توليد كمية هائلة من البيانات وأتصور أن ذلك أمر ليس بعيد المنال في ضوء الخطوات الحالية التي تقوم بها مصر في هذا المجال خاصة إذا تزامنت تلك المتغيرات مع صدور بنك الاستثمار العالمي مورجان ستانلي حول الاقتصاد المصري مشيرًا إلى أن الاستهلاك لم يعد هو قائد النمو كما كان الوضع حتى 2015.

ولكن مع ارتفاع سعر صرف الجنيه في 2019 وانتهاء برنامج الإصلاح الاقتصادي، تبدأ معدلات الاستهلاك في التعافي، كل هذا جعل مصر قصة إصلاح اقتصادي عظيمة في عيون الأسواق العالمية مع الإشارة إلى التفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصري الذي تجاوز مرحلة الإصلاح المالي، ما يتيح مساحة أكبر لدعم وتحسين تنافسية القطاع الخاص، خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

ونحن نعتقد أن مصر في طريقها لانطلاقة أكبر، حيث يمكن أن تساعد الطفرة في التقنيات الرقمية في دفع عجلة الاقتصاد، مما يجعل تنفيذ أحدث التقنيات أسهل، ويخلق مجموعة كبيرة من الفرص.

الرابط المختصر