نمو أم نمو مستدام؟

aiBANK

د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ في أعقاب يناير 2011 مرت مصر بظروف سياسية واقتصادية بالغة في الدقة مما أدخلنا في أنفاق مظلمة اقتصاديًّا وأوشك احتياطي البنك المركزي على النفاذ وظهرت بوادر الأزمة في طوابير الانتظار بهدف الحصول على الوقود من المحطات، وانتعشت السوق السوداء للعملات الأجنبية وفقد البنك المركزي السيطرة عليها وانعدمت الرؤية الاقتصادية والمالية للأعمال وفقد االجنيه قيمته، ولم تكن تلك المؤشرات نتيجة الأحداث فقط بل نتيجة قرارات كان من اللازم أن تتخذ من قبل وتاخرت كثيرًا.

ما إن استقرت الأوضاع في مصر واستعادت مصر السيطرة على مقاليد الأمور وبالرغم من الفوضى العارمة في المنطقة نجحت مصر في استعادة مكانتها الإقليمية والدولية وبدأت في برنامج جريء للإصلاح الاقتصادي.

E-Bank

بادر الرئيس باتخاذ قرارات مهمة جدًّا ودقيقة طالما طالب بها خبراء الاقتصاد، ولكن لم يجرؤ أحد قبل الرئيس السيسي على اتخاذها منها على سبيل المثال لا الحصر إصلاح نظام الصرف وقيمة الجنيه في مقابل العملات الأجنبية وتكوين احتياطي سمح بتمكين الشركات الأجنبية من التحويلات المتأخرة وتلاشت تدريجيًّا القيود على التحويلات الخارجية وتكون لدى البنك المركزي احتياطي غير مسبوق من النقد الأجنبي.

أيضًا رفع الدعم وتحويله إلى دعم نقدي لغير القادرين. لا يمكن أن ينكر أحد عاش بمصر من 2011 إلى الآن تحسن واستقرار الأوضاع الاقتصادية بدرجة كبيرة وزيادة معدلات النمو الاقتصادي ولا توجد أبلغ من لغة الأرقام التي قفزت بمؤشر النمو من 1 إلى 6 بالمئة في سنوات قليلة.

أدى برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى تضخم مرتفع جدًّا جاوز الثلاثين بالمئة مدفوعًا بثلاثة أسباب: الأول أن الجنيه كان قد فقد 65 بالمئة من قيمته تقريبًا.

والثاني متمثل في رفع الدعم خاصة عن الوقود والمحروقات. أما السبب الثالث فهو السياسات الضريبية والمتمثلة في ضريبة القيمة المضافة بهدف زيادة الحصيلة المهمة لسداد العجز بالموازنة.

اضطرت السياسة النقدية إلى استخدام الفائدة كأداة لمحاربة التضخم مع أدوات اخرى ونجحت في خفض التضحم واستعاد الجنيه بعضًا مما خسره في مقابل العملات الأجنبية مدفوعًا بنشاط سياحي غير مسبوق وصادرات مصر البترولية غير المسبوقة أيضًا.

لم تنخفض الأسعار بمصر كما لم يرتفع دخل الفرد بنسبة قريبة مما فقدته القوة الشرائية للجنيه ونتج عن ذلك مؤشران غاية في الخطورة. الأول تراجع الصادرات غير البترولية للشهر الخامس على التوالي والثاني تراجع الطلب والاستهلاك المحلي.

انخفض مؤشر مديري المشتريات الخاص بمصر الذي يرصد نشاط القطاع الخاص غير النفطي والذي تصدره مجموعة «آي إتش إس ماركت» لأدنى مستوياته منذ يناير 2017. م

عنى ذلك أن القدرة الشرائية للمصريين ضعفت وانكمش الطلب مما سيؤدي لارتفاع المخزون وخسارة القطاع الخاص الذي إن استمر سيؤثر بلا شك على الوظائف وفرص العمل في دولة قوامها مئة مليون مواطن 60 بالمئة منهم دون سن الخامسة والثلاثين ويزيد سكانها بمعدل 2.5 بالمئة سنويًّا.

فيما يبدو أن الحكومة تحاول حل تلك المشكلة بطرق منها تسهيل وتحفيز الاقتراض وإقامة الأسواق الداخلية لتحفيز الطلب. قرر البنك المركزي رفع الحد الأقصى للأقساط إلى 50% من إجمالي دخولهم الشهرية، بدلًا من 35% من مجموع الدخل الشهري، متضمنة القروض العقارية للإسكان الشخصي بنسبة 40% من مجموع الدخل.

تلك القرارات من وجهة نظري لن تحل المشكلة بقدر ما ستعرض القطاع المصرفي لمخاطر الائتمان الممنوح لمن ليست لديهم الجدارة الائتمانية الكافية، وستزيد الأعباء على المواطنين في تنظيم أوجه الصرف للدخول الشهرية.

في رأيي أنه لا مفر من تحرير القطاع الخاص من القيود المفروضة عليه والعمل على مساعدته في خفض التكلفة والأسعار حتى تتمكن القدرة الشرائية للمواطن من استعادة مكانتها.

كما يجب على الدولة أن تدعم الصادرات وتحفزها لتنشيط الطلب الخارجي على المنتج المصري بعد ارتفاع قيمة الجنيه. اعتمدت السياسة الضريبية بمصر على زيادة الضرائب لزيادة الحصيلة وأعتقد أننا في أمس الحاجة لمراجعة شاملة تزيد الحصيلة بتحفيز الطلب وتحفيز نمو القطاع الخاص بخفض الضرائب ووضوح سياساتها وآلياتها.

إذا انطلقت السياسات الضريبية من منبع تحفيز النمو بدلًا من زيادة الحصيلة ستؤدي إلى نتائج أفضل بكثير على جميع الأصعدة. هذه تجربة أثبتت نجاحها في مصر من قبل في مطلع القرن الحالي فلِم لا نتعلم منها؟

الرابط المختصر