شريف سامي: التوابع الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد حتى الآن أخطر من المرض نفسه
تأثير الدومينو يصعب التنبؤ بنتائجه حتى نقف على توقيت هدوء المجتمعات وبدء انحسار الفيروس
حابي _ قال شريف سامي، الخبير المالي والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، إن درجة الفزع التي صاحبت انتشار فيروس كورونا المستجد نتج عنها اختلال في دوران عجلة النشاط التجاري والاقتصادي تبدو نتائجها حتى الآن أكبر من المرض ذاته.
وأكد أنه بالتأكيد لا يجب الاستهانة بالإصابة بالفيروس، إلا أن الأرقام التي تعلن عن نسبة الوفيات يصعب الاعتماد عليها؛ لأنها تنسب إحصائيًّا إلى عدد الحالات التي تم اكتشافها والإبلاغ عنها. إلا أنه واقعًيا فهناك عشرات الآلاف من البشر يمكن أن يصابوا بأعراض البرد وما يصاحبها ويشفوا منه دون أن يعرفوا أنها فيروس كورونا المستجد. كما أن هناك حالات أخرى يكتشف أصحابها إصابتهم ويعزلون أنفسهم حتى الشفاء دون إبلاغ طالما الحالة لم تتدهور.
وأضاف شريف سامي، أن نفس أرقام الإصابة حتى لو كانت مضاعفة ولكن اقتصرت على دول من العالم الثالث أو أسواق ناشئة، ما كانت وسائل الإعلام العالمية أمطرتنا بهذا الوابل المكثف من التغطية مما زاد من الفزع العام.
وأشار إلى أن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها عدة دول غربية وعربية بالتأكيد لها آثار اقتصادية مهمة، فعشرات الفعاليات التي ألغيت والتدني الكبير في حركة الطيران والسياحة، والقيود على انتقال الأشخاص واضطراب سلاسل الإمداد من المصانع وخاصة في الشرق الأقصى وما يرتبط به من انخفاض حركة الشحن التجاري، كلها بالتأكيد تؤثر على نتائج أعمال الشركات المعنية وعلى مورديها ودخول العاملين إضافة إلى قدرتها على الوفاء بالتزاماتها للبنوك المقرضة لها وتأثر أسعار أسهمها في البورصات العالمية. وهو ما يطلق عليه بتأثير الدومينو ويصعب وضع تصور كمي لحدوده حتى نعرف متى يهدأ الناس ويبدأ انتشار كورونا في الانخفاض.
ونوه أن مصر بالتأكيد تتأثر على عدة محاور، أولها العاملون في الخارج وتحويلاتهم، وحركة المرور بقناة السويس، ومعدلات السياحة الوافدة، إضافة بالطبع لما قد تشهده بعض عمليات التصدير من بطء.
ولفت شريف سامي إلى أنه بالإضافة للاعتبارات الاقتصادية السابق الإشارة إليها فلا يمكن إغفال أن الأسواق المالية العالمية، ولا سيما الأمريكية كانت قد بلغت ذروتها في الصعود التاريخي في شهر فبراير الماضي، وكان المخضرمون في إدارة الأصول يتوقعون لها تصحيحًا طبيعيًّا منذ بداية العام. لذلك جاءت التحركات العنيفة وغير المعتادة في مؤشرات تلك البورصات ترجمة لتفاعل كل من التصحيح المنتظر وانتشار فيروس كورونا المستحدث إضافة إلى ما استجد في سوق البترول.
القلق من تدني أسعار البترول وآثاره على العمالة وتدفق الاستثمارات من دول الخليج
ولفت إلى أن التدني الكبير في أسعار البترول نتيجة لما شهدناه من صراع بين دولتين من كبار المنتجين له تأثير كبير، وعلى مصر تحديدًا. وهو لو استمر فبالتأكيد سيؤثر في الأوضاع المالية لدول منطقة الخليج ومشروعاتها ومدى طلبها على العمالة المصرية وتدفق استثماراتها على مصر.
وأوضح شريف سامي أننا يجب أن نتابع عن كثب التطور في أسعار وثائق مبادلة مخاطر الائتمان (credit default swaps) الخاصة بسندات مصر السيادية، فقد ارتفعت بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، وهو ما يعكس نظرة المؤسسات المالية العالمية لدرجة المخاطر لدينا. ومن المعروف أن العائد المنتظر على أي سندات دولية أو محلية يرتبط عكسيًّا بمعدلات الخطر أو أسعار وثائق مبادلة مخاطر الائتمان، والتي يشتريها المستثمرون لتلافي خطر إخفاق دولة ما عن سداد التزاماتها بشأن سندات مصدرة.
ارتفاع أسعار وثائق مبادلة مخاطر الائتمان السيادية المصرية
وأضاف أنه من ضمن ما يمكن تحقيقه في ظل اهتمام الجمهور بالوقاية من فيروس كورونا، هو التوسع في تبني وسائل الدفع غير النقدية، حيث حذرت منظمة الصحة العالمية وعدة دول بالفعل من إمكان انتشار العدوى من خلال العملات الورقية، وأن التقدم في نظم الدفع الإلكترونية يتيح بديلًا أكثر أمانًا في سداد الكثير من المعاملات. وأعلن البنك المركزي في بريطانيا أن أوراق النقد يمكن أن تحمل فيروسات أو بكتيريا وحث المتعاملين بها على غسل أيديهم.
كما أن البنك المركزي الصيني أصدر تعليمات للبنوك بتعقيم الأوراق النقدية قبل إتاحتها للجمهور وذلك باستخدام الأشعة فوق البنفسجية والحرارة، ثم الاحتفاظ بها لمدة 14 يومًا قبل إمكان طرحها. حيث ضاعف البنك الصيني من إصدار أوراق النقد الجديدة لتصل إلى ما يعادل 86 مليار دولار خلال الفترة الماضية ليتم استبدال البنكنوت في الأقاليم الأكثر تعرضًا للإصابة وكذلك من المستشفيات وحافلات النقل العام. كما أن البنك المركزي الكوري قد اتخذ إجراءات مشابهة، وأعلن أنه يتم تعريض أوراق النقد لحرارة تبلغ 150 درجة مئوية قبل تغليفها وشحنها لإعادة الاستخدام في البنوك.
أما على المستوى المحلي، فوفقًا لشريف سامي، بالإضافة إلى الإجراءات الصحية الاحترازية التي تتابعها الحكومة يوميًّا، إلا أن لها حدود إذ يصعب منع اختلاط الناس بصورة كاملة في وسائل المواصلات أو الأسواق وغيرها، كذلك أخذًا في الاعتبار وجود قطاع كبير غير رسمي في الاقتصاد المصري، فلا شك أن الوزارات الاقتصادية والبنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية عاكفة على وضع تدابير تعمل على الحد من اضطراب الأسواق بقدر الإمكان وتساعد على تشجيع حركة التجارة والاستهلاك.
وأوصى شريف سامي كذلك بتفعيل آليات عقد الجمعيات العامة للشركات بصورة إلكترونية والتصويت على قراراتها عن بعد.
كما أنه نظرًا لما قد يطرأ في مجال التعليم ونظرًا للتكدس الكبير في الفصول الدراسية وقاعات الكليات الجامعية، يمكن أن تطلق منصة الكترونية موحدة للتعليم عن بعد، يمكن استغلالها من مختلف الجامعات والمعاهد والمدارس –نظير مقابل رمزي– لرفع مناهجها ومحتواها التعليمي، مما يوفر على كل منها إعادة اختراع العجلة، ويقدم حلًّا سريعًا.