تأثير كورونا على الاقتصاد المصري

بقلم محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار _ وفقًا لوسائل الإعلام كشف فيروس كورونا هشاشة العديد من الشركات الدولية «المعولمة» أمام اضطرابات سلاسل إمدادات التجارة الدولية. لذا فإن كثيرًا من الشركات ستعمل في المستقبل على المزيد من التنويع والتموضع في الصين وخارجها. أي أن النظرة إلى العولمة ستختلف، أو ستتغير ممارساتها، علمًا بأن ترك الصين كليًّا سيتحول إلى «كارثة» بالنسبة إلى تلك الشركات لأن الصين تحتل مكان «القلب» في العولمة الاقتصادية التي ينعم بها العالم، وفقًا للتقرير الأوروبي.

في ظل هذه الظروف تحتاج مصر إلى تنفيذ مجموعة من السياسات والحملات الإعلامية المتعلقة بالصحة لاحتواء انتشار الفيروس، فتأثير أزمة كورونا على مصر، لن يظهر قبل النصف الثاني من شهر مارس إذا استمر توقف بعض المصانع الصينية، وعمل بعضها بصورة جزئية، مع ضرورة استغلال أزمة كورونا فى جذب الاستثمارات الأجنبية الباحثة عن سلاسل إمداد بديلة للصين ويجب عليها فحص الآثار الاقتصادية المحتملة، فإنّ تفشي فيروس كورونا الذي طال أمده سيؤثر بالنهاية في سلاسل القيمة العالمية، والأسواق المالية، وتدفق رأس المال، ومستويات الأسعار، ما يؤثر في كل من الشركات والأسر، والتحوّل الاقتصادي ككل، وهذه الآثار تحتاج إلى دراسة بمزيد من التفصيل.

E-Bank

ستؤدي الأوضاع الحالية لإعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتي كانت ترتكز بشكل أساسي في الصين معتمدة في ذلك على التكنولوجيا الأمريكية، وبالتالي من الممكن أن تستغل مصر موقعها الاستراتيجي وخاصة منطقة محور قناة السويس لجذب العديد من الشركات الصينية وكذا العالمية التي تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، يكون أكثر أمانًا لتفادي العقوبات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين مما يستدعي الترويج لاستخدام السوق المصرية كمحطة لإنتاج وتصدير المنتجات البريطانية بالأسواق الإقليمية والعالمية.

بأتي ذلك في ظل تطلع الشركات البريطانية إلى استغلال إمكانيات وموارد مصر للتوسع والاستثمار داخل القارة الإفريقية والشرق الأوسط، مع التركيز حاليًا على أسواق دول غرب إفريقيا للاستفادة من الفرص التصديرية الضخمة المتاحة بأسواق هذه الدول مع تحديد الفرص الاستثمارية في القطاعات المستهدفة واستهداف الشركات العاملة في تلك القطاعات ودعوتها للاستثمار في مصر من خلال تنظيم حملات ترويجية .

الأمر أصبح يستلزم البدء في وضع برنامج متكامل لمراجعة التكاليف التي تتعرض لها الشركات بدءًا من مرحلة التأسيس وحتى مرحلة التشغيل بصورة تعكس عنصر المنافسة على مستوى قطاعات الاستثمار بأنواعها إلى جانب زيادة الدور الذي تلعبه السياسات الحكومية في عملية تشجيع الاستثمار ويجب أن تشمل عملية المراجعه هنا ثلاث مراحل :-

تابعنا على | Linkedin | instagram

• الأولى: تتعلق بتكاليف التأسيس والتراخيص بأنواعها سواء المصروفات الإدارية أو تلك المرتبطة بتكلفة الحصول على الأرض والمرافق وغيرها من التكاليف عند بدء النشاط .

• الثانية: ترتبط بعنصر فترة التشغيل ويتضمن هنا عوامل مثل تكلفة الطاقة والضرائب والتأمينات الاجتماعية والرسوم الإدارية التنظيمية وتكلفة النقل والمواد الخام ونقص سلاسل الأعمال بالإضافة إلى الرسوم الجمركية والأعباء الإدارية وتكاليف تأخير الإجراءات الحكومية بما يضم تحقيق وفر في التكاليف التي يتحملها المستثمر دون تحقيق غبن في تحصيل مستحقات الدولة .

• الثالثة: هو مقارنة متوسطات التكاليف بالمتوسطات السائدة في المنطقة بالمقارنة مع المتوسطات الخاصة بالعوائد أيضًا محليًّا ومع الدول المنافسة لإبراز عنصر التنافسية الحقيقي للاستثمار في مصر. علمًا بأن هذه التكاليف يجب أن تتضمن أيضًا مراجعة شاملة لتكاليف التمويل سواء المصرفي أو غير المصرفي على عملية الاستثمار .

كما أن هناك ضرورة لقيام البنك المركزي المصري بتدشين حملة مكثفة لبرنامج لتقديم تمويل منخفض التكلفة بالنسبة لشراء الآلات والمعدات الرأسمالية مع توسيع قاعدة البرنامج ليشمل تطوير وتحديث الطاقات الإنتاجية الحالية وتطويرها كما أنه من الهام في ظل المتغيرات الحالية إعادة النظر في القيود المفروضة على مساهمة البنوك في رؤوس الشركات الجديدة وهو ما يحد من تنويع العملية التمويلية.

يجب الأخذ في الاعتبار أن نمو الصادرات مؤخرًا أثبت اعتماديته على مدخلات مستوردة ما أدى إلى استمرار الفجوة لصالح الواردات. وهو وضع بالمناسبة ليس خاصًّا بمصر بل يشمل الكثير من البلدان النامية التي تعتمد في إنتاجها للأسواق المحلية أو التصديرية على استيراد مدخلات من الخارج، ما يجعل استراتيجية تنمية الصادرات في حد ذاتها، ودون أن تكون جزءًا من استراتيجية تصنيعية أكبر وأشمل، بعيدة عن أن تكون حلًّا لمشكلات ميزان التجارة.

يبدو أن الحل على المدى المتوسط إلى البعيد يكمن في صياغة وتطبيق استراتيجية لتصنيع السلع الوسيطة محليًّا، وبالتالي الاعتماد على استيراد الخامات فحسب وتصنيعها محليًّا، والخامات بالطبع أقل تكلفة، ومن شأن نجاح مثل هذه الاستراتيجية في السنوات العشر القادمة تنمية قطاع الصناعة، وخلق فرص عمل، وإتاحة فرص للنمو لدى القاعدة العريضة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تعمل في مجال تغذية الصناعات النهائية، وفي الوقت نفسه تقلل من حجم الاعتماد على الواردات.

نؤكد أن استراتيجية كهذه ينبغي أن تكون شاملة لجوانب التمويل وإتاحة التكنولوجيا وبناء المهارات أي ببساطة صياغة وتطبيق استراتيجية تصنيع، ولا يمكن لهذا أن يتحقق دون دراسة الأدوات المتاحة للدولة، والتي تشتمل على شق سياسات كإجراءات الدعم والتحفيز والاستثمارات العامة في مجالات التدريب المهني والتعليم الصناعي، وفي شق الترتيبات المؤسسية للشراكة بين الدولة والمنتجين في وقت لم تعد فيه الدولة تضطلع بالقسم الأكبر من الإنتاج والتوزيع المباشرين للسلع والخدمات.

ولعله يكون من المناسب النظر إلى حالات نجح فيها «تعميق الصناعة» من خلال إيجاد شبكات من الصناعات المغذية المرتبطة بصناعات نهائية كما هو الحال في تايوان أو في كوريا الجنوبية أو في الصين، وكلها من الحالات الفذة في مجال التطوير الصناعي مع ضرورة إنشاء فرع مركز الثورة الصناعية الرابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي في مصر، والذي سيعد الأول إفريقيًّا والسادس على مستوى العالم مما سيوفر مساحة لتطوير آليات وخطط عمل وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في مصر، وسيسهم في تبني التقنية وأفضل الممارسات في المنطقة والعالم.

كما سيتيح المركز فرصة التعاون مع مختلف الجهات الحكومية والمؤسسات العالمية والشركات الخاصة، في إطار الجهود الرامية إلى تطوير حلول فاعلة لتحديات القطاعات الحيوية وإعداد الكفاءات ورفع مستوى القدرات، وبناء مواهب متقدمة في المجالات ذات العلاقة بالثورة الصناعية الرابعة.

هناك أهمية قصوى لسرعة الانتهاء من تعديل السياسة الضريبية تجاه المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإصدار القانون الخاص بها بحيث يتم وضع نظام للمعاملة الضريبية المميزة لأنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لفترة محددة كبديل عن الضريبة النسبية على الإيراد أو الأرباح وفقًا لضوابط تضعها مصلحة الضرائب الجهاز كضريبة مقطوعة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحفيزها على أن يتم إصدار هذا القانون في توقيت موازٍ لبدء تطبيق الضريبة على القيمة المضافة.

كما يجب أن تعمل مصر على تحفيز الاستثمار الداخلي مع الأجنبي في ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحركة التجارة العالمية، يجب التركيز على الصناعات التي يتم استهلاك مخرجاتها داخليًّا مع عدم إغفال الصناعات التصديرية حتى لا يتأثر الميزان التجاري وسعر صرف الجنيه المصري، خاصة إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن حدوث أزمة اقتصادية من الممكن جدًّا أن يؤثر على استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية وهو ما قد يؤدي إلى العودة إلى نفس الأزمة السابقة إذا لم يتم تحفيز الإنتاج عمومًا وخاصة الاستثمار الرأسمالي لهذا فإن العام الجاري يستلزم وبقوة تنفيذ مبادرات متكاملة لتنشيط قطاع الصناعة في مصر كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي.

هناك أهمية لمواصلة التحول الهيكلي لخلق بيئة أعمال مواتية للمنافسة، وتعزيز دور القطاع الخاص ليكون قادرًا على توليد وظائف أكثر وأفضل، مع تحسن البيئة العامة للاقتصاد الكلي في مصر كما يجب أن تعمل مصر على تحفيز الاستثمار الداخلي مع الأجنبي في ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لحركة التجارة العالمية والاستثمارات، فيجب التركيز على الصناعات التي يتم استهلاك مخرجاتها داخليًّا مع عدم إغفال الصناعات التصديرية حتى لا يتأثر الميزان التجاري وسعر صرف الجنيه المصري، خاصة إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن حدوث أزمة اقتصادية من الممكن جدًّا أن يؤثر على استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية وهو ما قد يؤدي إلى العودة إلى نفس الأزمة السابقة إذا لم يتم تحفيز الإنتاج عمومًا وخاصة الاستثمار الرأسمالي .

المؤشرات الاقتصادية تكشف عن أنه ينبغي على مصر تعزيز محركات نمو اقتصادي جديدة وتكثيف الإصلاحات الاقتصادية مع التأكيد على أن مصر لديها هامش مناورة كبير لمواصلة آلية النهوض الاقتصادي «فالمحركات القديمة للنمو تتأثر» لهذا تبرز أهمية تعزيز الابتكار وتشجيع التكنولوجيات الجديدة – ولا سيما لتطوير الاقتصاد الرقمي وهو في خضم نموه حاليًا مع ضرورة إلغاء العقبات التي لا تزال موجودة في الاقتصاد وتخفيف العقبات أمام المنافسة في السوق مع الاهتمام بتقديم دعم أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة وتدعيم سلاسل القيمة بصورة أكبر وتقديم محفزات لها .

الموقف الاقتصادي المصري يحتاج إلى مراجعة بعض النقاط الجوهرية مثل اتباع سياسات تحفيزية لعدد من القطاعات الاقتصادية والسعي لاستراتيجية توسعية لتنمية الصادرات والحد من تنامي الواردات مع السعي لزيادة معدلات اجتذاب الاستثمارات والاستمرار في تنشيط السياحة مع إجراء تعديل جوهري في سياسات الإقراض المصرفي ووضع آلية لإنهاء التعثر خاصة في المصانع ذات الأصول الإنتاجية .

الرابط المختصر