الرقمنة والحذر بين الخوف والتهوين والأمل

د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ في البداية أمنية لكل أم بعيد سعيد واحتفال يليق بدور الأمهات في تشكيل البشرية ونداء لأهمية الدور الذي له مفعول السحر في مستقبل الأمم وذكرى لأمي التي أحتفل للعام الأول بها وهي ليست معي بالجسد وأدين لها بكل شيء صالح والتي أشكر ربي من أجل أنه حباني بهذه الأم الفريدة طوال عمرها. وبالرغم من عدم علاقة الافتتاحية بالمقال إلا أنني لم أستطع أن أمر على مناسبة مهمة كهذه مرور الكرام فتحية ومحبة وعرفان لكل أم فاضلة معنا أو في العالم الأفضل.

أما مقالي فهو ملاحظات على الظروف التي تمر بها البشرية، تلك الظروف التي كونت وتكون تجربة فريدة لم تختبرها المسكونة من قبل. فبالرغم من اجتياح العالم لأوبئة كثيرة قد تكون أكثر شرًّا وحصدًا للأرواح من كورونا اللعين إلا أنها حدثت في أزمنة ماضية. أزمنة لم توجد بها الهواتف الذكية والمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي مما يجعل خبرتنا فريدة ومختلفة عن كل خبرات الأرض السابقة. في سياق تلك الملاحظات اجتهدت باحثًا عن معان لمفردات أربع في المعاجم المتاحة رقميًّا. تلك المفردات صارت جزءًا هامًّا من حياتنا الأسابيع الماضة في ظل ما يدور من أحداث:

E-Bank

المفردة الأولى هي التحذير والتَّحْذِيرُ فِي النَّحْوِ هُوَ أُسْلُوبٌ يُرَادُ بِهِ تَنْبِيهُ الْمُخَاطَبِ لِيَتَجَنَّبَ مَكْرُوهاً يُمْكِنُ أن يَقَعَ فِيهِ وهو أيضًا بيان يحتوي على تعليمات يجب الالتزام بها. وحَذِرَ حَذِرَ َ حَذَرًا أي تيقَّظ واستعدّ. إذن فالتحذير شقان: الأول يحتوي على تنبيه بأرقام وحقائق لمكروه حدث لآخرين حتى لا نقع فيه والثاني تنبيهات وتعليمات يجب علينا اتباعها حتى نتجنب تلك المكروها.

وأما المفردة الثانية والثالثة فكلتاهما تصف رد الفعل لتلك النحذيرات فمنا من قابلها بالتهوين. والتهوين بالشيء هو الاستخفاف به والتقليل من قيمته والتهوين بالخطر كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال حتى تقنع نفسها بأن الخطر غير موجود وتتجاهل كل التنبيهات والتعليمات لأنها تحذر من أشياء من زاوية رؤيتها أصغر كثيرًا من الحقيقة. وآخرون قابلوها بالخوف وهو انفعالٌ في النفس يَحدُثُ لتوقُّع ما يرد من المكروه ومن مفرداته الفَزَعٌ، الخَشْيَةٌ، الرُعْبٌ.

سخرت الوسائل الرقمية للفريقين آليات لنشر الأحاسيس مع توفير الأدوات لتكبيرها وتضخيمها للفريقين. فتعالت الصيحات الراكبة لموجات الرعب والتي تنادي بأقسى الإجراءات غير مبالية بعواقبها أو نتائجها في مقابل النكات والسخرية التي يطلقها الفريق الآخر. وقع الكثير من الإعلاميين في فخاخ التهوين والتخويف الراكبة على الحقائق بعد تضخيمها. في المنصات الرقمية أيضًا يصعب التمييز بين الحقائق والشائعات. كثيرًا ما تنكرت الثانية في ثوب الأولى دون مصدر واضح وتسببت في توليد مشاعر وردود أفعال مبنية على أسس غير سليمة. لم يكن ذلك الوضع قبل العصر الرقمي إذ كانت معظم المعلومات موثقة ومعلومة المصدر.

أما المفردة الرابعة فهي بين الرجاء والأمل. والأمل هو شعور يتفاءل به الإنسان ويرجو فيه نتائج إيجابية لحوادث الدهر أو تقلباته حتى وإن كانت تلكم النتائج الإيجابية صعبة وغير مرئية. والرجاء قوة عظيمة، فبه يعيش الإنسان، ومن خلاله يستمد رغبته في الحياة.

لكل منا منصته التي يستخدم فيها الحقيقة للتهوين أو للتخويف ولكن يندر منا من يستخدم منصته لنشر الرجاء والأمل. الرجاء ليس وهمًا فكورونا ليس أكثر بطشًا من أمراض كثيرة معاصرة وسبق ومرت على البشرية أهوال كثيرة تجاوزتها وبالحذر والعلم والايمان يصير المستحيل واقعًا فلنتمسك بقوة الرجاء لغد أفضل ولنستخدم منصاتنا الإلكترونية في نشر تلك الطاقة الجبارة التي تلهم وتبدع وتعطي لصانعي القرار مساحة أكبر تمكنهم من اتخاذ القرارات الصائبة بدلًا من تلك التي هي بمثابة ردود أفعال للضغط الشعبي الراكب على المنصات الرقمية. حفظ الله البشر من كل خوف وشر ووباء والهمهم بالعلم والإيمان لكل حل وابتكار ودواء. الحذر واجب مبني على الحكمة والخوف عدو الحياة والتهوين غباء وانعدام للمسؤولية يؤدي للهلاك أما الأمل والرجاء فهما صناعة مستقبل وحياة.

الرابط المختصر