ماهر عشم يكتب.. البنوك والاقتصاد الرقمي

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية – هب علينا زمن الكورونا بتحديات كثيرة ولا أظن أنه هناك إنسان أو كائن أو مؤسسة لم تتأثر بتلك التحديات. حتى الحيوانات في بعض الدول اكتشفت هدوء مدن الجوار وانطلقت إلى شوارع المدينة كما نقلت إلينا وكالات الانباء.

تأتي المعاملات المالية والمصرفية على قمة تلك المؤسسات التي تأثرت مباشرة بسبب الغلق الكامل أو مثلما حدث في مصر بسبب تقليل ساعات العمل.

E-Bank

كما تأثرت أيضًا بقرارات البنوك المركزية والحكومات والتي صدرت بدون إعطاء البنوك مهلة لتوفيق أنظمتها وتدريب موظفيها على التعامل مع تداعيات تلك القرارات. وبالإضافة لكل ما سبق اضطرت البنوك أن تتجاوب مع متطلبات جديدة من زبائنها التي تغيرت بيئة أعمالهم وظروفها واحتياجاتها المالية وتدفقاتها النقدية.

في مصر منذ سنوات قليلة بدأت البنوك التجاوب مع توجهات السوق والدولة في الاعتماد على التكنولوجيا في مساعدة الاقتصاد في التحول من الاعتماد على الكاش إلى مجتمع غير نقدي لأسباب عديدة معظمها غاية في الأهمية كمحاربة الإرهاب وغسيل الأموال والفساد والتهرب الضريبي إلى آخرها من فوائد.

هنا أيضًا اقترن التحول إلى اقتصاد لانقدي بالاحتياج إلى تكثيف الجهود نحو الشمول المالي إذ كيف سيتعامل لانقديًّا من لا نصيب له في المعاملات المصرفية.
لاحظنا في الشهر الماضي ازدحامًا غير عادي في البنوك مما دفع لحسن الحظ الكثير منها في الزج ببعض المعاملات التي كانت تتطلب تواجدًا بالبنك إلى ماكينات الصراف الآلي والإنترنت البنكي لتخفيف الزحام بالبنوك لتجنب الإصابات والعدوى. دفعتني تلك الظروف للبحث عن أرقام البنية التحتية المصرفية لأجد ما يلي في تقرير صادر من البنك المركزي بتاريخ يوليو 2019.

أولًا: عدد العاملين بالبنوك زاد من 108 آلاف في آخر عام 2015 إلى 120 ألفًا في تاريخ التقرير.

ثانيًا: عدد ماكينات الصراف الآلي من 8434 ماكينة في ديسمبر 2015 إلى 12656 ماكينة في تاريخ التقرير معظمها في محافظات القاهرة الكبري والإسكندرية.

ثالثًا: عدد نقاط البيع من حوالي 60 ألف ماكينة إلى ثمانين ألف ماكينة بذات التواريخ.

رابعًا: عدد الكروت الائتمانية من 2,791,897 إلى 3,157,751.

خامسًا: عدد كروت الخصم من 12,292,035 إلى 16,011,735.

وحسب إحصائيات البنك الدولي الصادرة في تقريره في أبريل العام الماضي أن 33% من المصريين الذين تتجاوز أعمارهم 15 عامًا يمتلكون حسابات مالية بالبنوك أو البريد كما أبرزت أن 18% من النساء لديهن بطاقات ائتمانية مقابل 25% من الرجال. معنى ذلك أن هناك 67% من المصريين البالغين يعتمدون اعتمادًا رئيسيًّا على الكاش خارج المصارف وأن العدد الأكبر من المشمولين ماليًّا لا بطاقات لهم تمكنهم من التعامل مع ماكينات الصراف الآلي أو نقاط البيع ويتعاملون بالكاش ومع فروع البنوك مباشرة. بناء على ما سبق من أرقام فإن البنوك المصرية أمامها طريق لا بدَّ من أن تقطعه نحو توفير البنية التحتية الخاصة بالمعاملات الإلكترونية خاصة أن ثقافة الكورونا نبهت معظم الأفراد إلى أهمية المعاملات الإلكترونية التي قد لا يتوافر خيار سواها وقت الأزمات.

بالإضافة لما سبق فإنه يجب تعاون هيئة الرقابة على الاتصالات مع البنك المركزي وقيادة البنوك وشركات الاتصالات للعمل معًا على تقديم خدمات مالية ومصرفية للوصول بها لمن لا كروت أو حسابات بنكية لديهم وهنا لنا في كينيا تجربة ومثل يحتذى به.

لا تزال القرى والمدن الصغرى في عزلة تامة عن البنية التحتية المصرفية وتواجد أي خدمات مالية إلا عبر جمعيات التمويل متناهي الصغر والتي يمكن أن تعدل التشريعات الصادرة بشأنها لتمكينها من تقديم خدمات مالية أكثر وأشمل أو السماح للبنوك بالتوكيل لمؤسسات أصغر أو متاجر بالقيام بمعاملات محدودة بمبالغ محدودة عادة ما تكون كافية لمعظم التعاملات التي تتم بتلك الأماكن.

هناك حلول كثيرة تبتكرها الشركات الناشئة ورواد الأعمال وكثيرًا ما تعجب بها البنوك وتمنحها الجوائز من بعيد لكن لا تمنحها الثقة في احتضانها والتعامل معها على سبيل المثال كانت هناك فكرة خاصة بالمدخرات متناهية الصغر وتحولت إلى تطبيق نال اهتمامًا وجوائز وكان هذا هو كل نصيبه دون أن يترجم إلى واقع حتى من البنك الذي منحه الجائزة. تلك المبادرات والحلول والابتكارات يمكنها توفير حلول ذكية تمكن البنوك من أداء مزيد من الأعمال بنفس البنية التحتية وبكفاءة أعلى وتوفر على العميل مشقة الزحام والانتظار ولا تشكل أي مخاطر على البنوك فلم لا نتبناها ونستخدمها.

تغيرت ثقافة العميل فهل تتغير ثقافة البنوك بنفس السرعة وهل ستكون البنوك مرنة بالقدر الكافي لاستيعاب الاحتياجات الجديدة أم تفقد بجمودها المعهود حصتها من السوق لصالح كيانات جديدة كما حدث مع شركات التكنولوجيا المالية في 2008؟ هذا السؤال ستجيب عنه البنوك والأيام القادمة.

الرابط المختصر