ماهر عشم يكتب: الجيش الأبيض وأسلحته الرقمية

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ يراهن العالم منذ مطلع العام الحالي على فريقين الأول هو كل من هو مؤهل لدور في المنظومة العلاجية ضد كورونا لمساعدة كل من أصيب في التماثل للشفاء. هذا الفريق استطاع ببطولاته اقتناص الإعجاب العالمي وحصد كثيرًا من المطالبات لمساواته بالجيش الذي يستبسل وقد يضحي بحياة أبطاله في الدفاع عن الأرواح والأوطان.

إضغط لمتابعة جريدة حابي على تطبيق نبض

E-Bank

أما الفريق الثاني فهو فريق العلماء الذين يسابقون الزمن بأبحاثهم سعيًا إلى تطوير آليات أكثر دقة لاكتشاف المرض وغيره من الأمراض ودراسة أسبابه وتأثيره على جسم الإنسان وأخيرًا اكتشاف علاج فعال لمن أصيب به ومصل يستخدم في وقاية من سلم منه حتى لا يصاب به في المستقبل.

لا يمكن بأي حال من الأحوال وجود بحث علمي ناجح ومنتج بدون توافر بيئة علمية محفزة ومعامل وعلماء ولكن حجر الأساس في البحث العلمي هو توافر المعلومات.

فإن كان هناك ما يميز القرن الحادي والعشرين فهو ثورة المعلومات نتيجة ثورة التكنولوجيا المتمثلة في تطور شبكة الإنترنت وتطور الحاسبات من الخوادم إلى أجهزة الهواتف الذكية بسرعة رهيبة وتطور القدرة الاستيعابية لتخزين تلك المعلومات بصورها المختلفة من بيانات نصية أو مرئية في صور وفيديو.

أدت تلك الوفرة المعلوماتية إلى تطوير علوم جديدة مثل علم البيانات المختص بطرق تخزين ومعالجة تلك البيانات حتى يمكن استخراج أنماط معينة قد تؤدي لفهم الأحداث بصورة أكثر دقة.

فعندما ظهر فيروس كورونا لم يكن معروفًا من قبل وبعد أسابيع أظهر تحليل البيانات أنه يهاجم الكبار بسهولة أكثر من الصغار ثم فهمنا أنه من الممكن أن تظهر الأعراض بعد أربعة عشر يومًا. فهمنا منها أيضا المتوالية الهندسية التي تساهم في انتشار المرض حتى أن جميع وكالات الأنباء ومعظم البشر صاروا متابعين للبيانات والأرقام اليومية الخاصة بالفيروس.
أدت ثورة التكنولوجيا أيضًا إلى تطور علم غاية في الأهمية وهو الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)وفروعه مثل التعلم الآلي(Machine learning) .

الذكاء الاصطناعي يحاكي الذكاء البشري في فهم واستيعاب وتحليل البيانات وإصدار توصيات مفيدة التعلم الآلي خاص بتصميم خوارزميات (Algorithms) وهي مجموعة معادلات وتقنيات تسمح للحاسب أن يتعلم من البيانات بقراءتها أولًا والاستنتاج منها ثانيًا.

الذكاء الصناعي يتفوق على الإنسان بقدرة الحاسبات على معالجة كميات ضخمة من البيانات في وقت قصير جدًّا والتعلم منها والاستنتاج بدقة ولا يمكن أن يعمل دون الذكاء الإنساني المؤسس والمبرمج له.

للذكاء الاصطناعي تطبيقات عديدة ففي معظم البورصات التي تعمل في الدول ذات الاقتصاد القوي تقوم الحاسبات بتحليل البيانات واقتناص الفرص في البورصات العالمية وإصدار أوامر البيع والشراء آليا دون تدخل سمسار بشري مثلًا.

وفي مجال البنوك عن طريق التعلم الآلي يتم تغذية الحاسبات بمعلومات عن تاريخ التعاملات الائتمانية لأعداد كبيرة من البشر لسنين طويلة فيتعلم الحاسب من تلك البيانات ويستطيع التنبوء بدقة عالية إذا كان طالب الائتمان أو القرض الجديد سيقوم بسداده أم لا.

أما التطبيق الأقرب لنا فهو قدرة البرنامج على التنبؤ بالوقت الذي ستستغرقه في الذهاب من مكان لآخر بالسيارة وأسرع طريق يمكن لك أن تتخذه بناء على تحليلات لبيانات الهواتف الموجودة في آلاف السيارات التي تجوب شوارع المدينة وفهمها وتحليلها والاستنتاج منها.

أدت ثورة المعلومات وآلياتها إلى تزاوج العلوم فظهرت التكنولوجيا المالية والتكنولوجيا الطبية وحتى التاريخ وعلم المصريات استفادوا من هذا التطور ولنا في هذا الموضوع مقالات أخرى.

أعلنت جامعة جونز هوبكنز وهي واحدة من أكبر وأعرق الجامعات في العالم والرائدة في تخصصات الطب والصحة العامة عن تطبيق جديد بالتعاون بين كليتي الصحة العامة والهندسة والحاسبات خاص بجمع البيانات للتعلم منها بخصوص كورونا.

هذا التطبيق متاح وجاهز للتحميل على الهواتف الذكية بنوعيها بطريقة سهلة وجذابة تتيح لحامليها إدخال بيانات خاصة بالصحة العامة وأعراض كورونا على وجه الخصوص.

تقوم الحاسبات المركزية بجمع وتحليل تلك البيانات من جميع أرجاء الولايات المتحدة وتقوم بتحليلها والتعلم منها واستنتاج مناطق تجمع المرض والتعلم من البيانات للوقوف على أسباب انتشاره في تلك المناطق حتى يمكن السيطرة عليه والوقاية لمن لم يصبهم المرض في تلك الأماكن.

طريقة جونز هوبكنز في جمع البيانات ليست غريبة علينا وقد أثبتت نجاحًا كبيرًا في تطبيق «بيقولك» الذي كنا نعتمد عليه في الطرق قبل خرائط جوجل والذي كان مبنيًّا على إدخال الأفراد لبيانات الطرق التي يسلكونها يوميًّا وكان مرشدًا للجميع في التنبؤ بازدحام الطرق.

لو أرادت إحدى الجامعات المصرية بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان لأمكنها بسهولة تنفيذ تطبيق مناسب والإعلان عنه وتشجيع الناس على استخدامه دون ذكر أي بيانات شخصية واستخدام تلك المعلومات في إنتاج خرائط لانتشار المرض ومحاولة فهم العوامل التي أدت إلى انتشاره ومكافحته وقائيًّا. من الذكاء أن نبدأ حيث انتهى الآخرون ونبني على آخر ما توصل إليه العلم سعيًا إلى كامل الصحة والسلامة.

أدين بالمعلومات الخاصة بالتطبيق وفكرة المقال إلى إحدى خريجات تلك الجامعة الدكتورة مها عشم.

الرابط المختصر