ماهر عشم يكتب: الشريحة المتوسطة والتمويل الاستهلاكي

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ يدور اقتصاد العالم ما بين فترات نمو تزدهر فيها الأعمال ويزيد الطلب على السلع والخدمات فتقوم الشركات بزيادة الإنتاج مما يتطلب توسيع قاعدة العمالة وخلق مزيد من فرص العمل وزيادة الدخل. يترتب على ذلك زيادة الإنفاق مما يوسع قاعدة الطلب ويؤدي إلى التضخم الذي سريعًا ما تحاول الحكومات السيطرة عليه بالأدوات المعروفة من السياسات النقدية وغيرها حتى يمكنها من الحفاظ على معدلات النمو أطول فترة ممكنه. ثم تأتي فترات الكساد التي يقل فيها الطلب على السلع والخدمات مما يجبر أصحاب الأعمال إلى وقف نزيف الخسائر بتقليص الإنتاج مما يترتب عليه زيادة في معدلات البطالة تؤدي إلى خفض الإنفاق. تحاول الحكومات في تلك الفترة إنهاض الاقتصاد بتحفيز الطلب على السلع والخدمات. ومن الأدوات المعروفة إقامة مشروعات قومية حكومية للبنية التحتية مثلًا تحفز العجلة على البداية في الدوران كما حدث في مصر بداية من عام 2014.

اضغط لمتابعة جريدة حابي على تطبيق نبض

E-Bank

أسباب انطلاق شرارة الكساد كثيرة منها ضعف منظومة الائتمان كأزمة 2008 أو عدم الاستقرار السياسي كمصر 2011 أو الحروب وأخيرًا الأوبئة كأزمة الكورونا الأخيرة التي أجبرت قطاعات واسعة على التوقف التمام لمدة زادت على الشهرين في معطم الدول. فالمطاعم والمقاهي وحركة الطيران والسياحة والفنادق شبه متوقفة عن العمل ولو انعدمت الإيرادات لفترة تفوق قدرة الشركة على الإنفاق لأفلست أو أضعف الإيمان جمدت أنشطتها واستغنت عن الوظائف.

أصحاب تلك الوظائف بدورهم سيقومون بضغط الإنفاق حتى يمكنهم أن يعولوا أسرهم أطول فترة ممكنة حتى يتمكنوا من الحصول على فرص جديدة بديلة لوظائفهم التي فقدوها.

بالتالي سيقل الطلب على السلع والخدمات إلا في النطاق الضروري جدًّا لاستمرار الحياة. يقل الحرص في الانفاق كلما انتقلنا من الأقل دخلًا إلى الأعلى دخلًا.

ومن المعروف أن الشريحة المتوسطة هي التي تعد الأكثر استهلاكًا وهي عماد الطلب على السلع والخدمات. فكلما مكنا تلك الشرحة من الإنفاق زاد الطلب وزاد الإنتاج ورجعت فرص العمل للأسواق ومكنت الشرائح الأقل من الحياة الكريمة .

كثيرًا ما ظلمت تلك الطبقة المتوسطة من وسائل الإعلام بتصويرها بأنها طبقة انتهازية تعلم أولادها في مدارس خاصة وتسكن في منازل مريحة وهي دائمًا الأقل التزامًا إلى آخره من سقطات إعلامية معروفة. من ناحية أخرى كثيرًا ما وجدت فيها وزارة المالية خاصة في السنوات الأخيرة حلولًا بدت لها وكأنها السحر الذي يسد عجز الموازنة فزادت عليها الرسوم والضرائب عملًا بالمثل الشعبي “اضرب المربوط يخاف السايب” إذ إن تلك الطبقة هي من الموظفين أصحاب الشرائح الأعلى والأكثر التزامًا بسداد الضرائب في مقابل كل من يختبئ في منظومة الاقتصاد غير الرسمي الذي فشلت حتى الآن في طمأنته “بضربها المستمر في المربوط” وبالتالي لم تتمكن في تحقيق طموحاتها في الحصيلة الضريبية المستهدفة.

لا أحاول أن أقيم أداء المالية في تلك السطور ولكن أحاول أن أثمن دور الطبقة المتوسطة كونه الأساس والعماد في توسيع قاعدة الطلب على السلع والخدمات وهو من الضروريات للخروج من الأزمة المترتبة على تبعيات كورونا.

اعتادت تلك الطبقة على مستوى اجتماعي معين قد يصعب عليها أن يقل ولا تزال هي الأكثر استهلاكًا واحتياجًا إلى التمويل.

التميل الاستهلاكي هو أحد الحلول للخروج من تلك الأزمة وهو توفير التمويل المطلوب لشراء السلع الاستهلاكية والتقسيط على فترة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين على حسب ثمن السلعة وقدرة العميل. اعتمد التمويل الاستهلاكي لسنوات طويلة على كروت الائتمان حتى ظهرت شركات قليلة متخصصة في هذا النوع من التمويل.

تقوم تلك الشركات بجمع المعلومات عن العملاء الراغبين في الحصول على الخدمة ومعالجة تلك البيانات بمنظومة مدعومة بالتعلم الآلي المبني على الذكاء الاصطناعي من قاعدة بيانات لمعاملات سابقة فتستطيع أن تقيم بقدر كبير من الدقة القدرة الائتمانية للعميل وقدرته على السداد. تقوم تلك الشركات بإتاحة سقف تمويل للعميل يمكنه من الشراء والسداد على اقساط.

من المعوقات الأساسية في التمويل الاستهلاكي المبالغة في سعره من رسوم وفوائد مرتفعة من ناحية العملاء من الراغبين في الحصول على الخدمة ومن رسوم مبالغ فيها من التاجر البائع للسلعة من ناحية أخرى وصلت إلى خمسة بالمئة في بعض الأحيان ولا تقل عن ثلاثة بالمئة للتجارة الإلكترونية. على الرغم من نجاح تلك الشركات وأيضًا كروت الائتمان في تحقيق نجاح إلا أن ارتفاع التكلفة على العميل والتاجر يبالغ في السعر النهائي للسلعة ويعد غير محفز لا للعميل ولا للتاجر.

خفض سعر التمويل الاستهلاكي وتوفيره ونشره باستخدام التكنولوجيا المالية ومنصات التمويل ضروري لإنقاذ الطبقة المتوسطة وتحفيزها على الشراء وبالتالي توسيع قاعدة الطلب على السلع والخمات لزيادة معدلات النمو وإرجاع فرص جديدة لسوق العمل.

الرابط المختصر