بقلم محسن عادل نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الخبرة للتنمية الاقتصادية _ منذ عام 2016 ومع كل نجاح لبرنامج الإصلاح الاقتصادي كان نجاح سياسات الدولة والبنك المركزي المصري تدفع بحجم الاحتياطي إلى مستويات قياسية رفعت من مستوى الأمان المالي للاقتصاد إلا أنه مع ظهور أزمة الكورونا وحدوث ضغوط على الاحتياطي مؤخرًا اتجهت الدولة لتنويع الموارد للحفاظ على المرونة الاقتصادية بصورة أكبر.
إن أغلب دول العالم تقدمت للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي بغرض زيادة المرونة المالية المتاحة لديها خلال الفترة الحالية ومصر من ضمن تلك الدول، وما يدعم موقف مصر للاقتراض ما قامت به من برنامج ناجح للإصلاح الاقتصادي وقوة موقفها الائتماني ولذا فإنها تستطيع أن تلجأ للاقتراض من المؤسسات المالية والحصول على تمويل متوسط الأجل، وذلك يأتي في إطار محاولة الحكومة المصرية لتدعيم وتقوية الاقتصاد المصري في ضوء حالة عدم اليقين التي ولدتها الأزمة المالية العالمية الناتجة عن جائحة كورونا وما ترتب عليها من إجراءات على المستوى العالمي.
بالتأكيد فإن ما تم مؤخراً من إجراءات قد زاد من مرونة الاقتصاد المصري للتعامل مع المتغيرات العالمية وبما يسمح بمزيد من العمق الاقتصادي القابل للتعاطي مع متغيرات الموقف الاقتصادي العالمي، فالإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية بدأت حتى قبل ظهور الفيروس لحماية الاقتصاد المصري ومعدل التحرك، ومساعدة القطاعات المتضررة للخروج من تلك الأزمة بأقل الخسائر، بل وتحقيق المكاسب في قطاعات أخرى بعد انتهاء الأزمة.
الدولة المصرية قد اتخذت بالفعل العديد من الإجراءات الاقتصادية لتفادي أي آثار سلبية لأزمة فيروس كورونا على القطاعات الاقتصادية المصرية، فعدد كبير من دول العالم يعاني بشكل كبير من المتغيرات المتلاحقة التي يحدثها فيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية الهائلة التي أحدثها هذا الفيروس سواء على مستوى قطاع المال أو القطاعات الاقتصادية الأخرى، موضحًا أن الحكومة المصرية دشنت برنامجًا لدعم القطاعات الاقتصادية، بالإضافة إلى ضخ سيولة كبيرة للاقتصاد، بجانب استراتيجية لزيادة مخزونات السلع الاستراتيجية الموجودة في السوق.
بمراجعة المؤشرات خلال إبريل على وجه الخصوص فإن مصر نجحت في امتصاص جزء كبير من التأثيرات والتداعيات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا، وذلك بفضل مجموعة الإجراءات التي اتخذتها قبل أسابيع، وكنتيجة لعملية الإصلاح الاقتصادي التي بدأتها منذ عام 2016 لهذا فإن الوقت الحالي هو فرصة حقيقية لإعادة بناء مجموعة كبيرة من الصناعات المحلية بشكل كبير، وتحفيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة ورفع القدرة التصديرية خلال الفترة المقبلة، وزيادة حصص مصر من المعدلات التصديرية، فلدى مصر فرصة كبيرة الآن لأن الأسواق الأساسية التي تقوم بالتصدير بدأت تعاني من مشكلة سلاسل الإمدادات من جنوب شرق آسيا وهذه السلاسل متعطلة بشكل أو بآخر، ولدينا الآن فرصة لاختراق هذه الأسواق.
يجب على الجميع التأكد من أن مصر لديها الفرصة لجذب وتوطين مجموعة من الاستثمارات الأجنبية، في مرحلة ما بعد كورونا مباشرة؛ لأن الشركات الكبرى العالمية تبحث حاليًا عن أماكن جديدة تنتج من خلالها لضمان حالة من حالات التوازن، وبالنسبة لمصر فقد تكون واحدة من الدول التي ستجذب جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات التي ستتجه إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط الفترة المقبلة، لذا يجب تجهيز أنفسنا من خلال إجراء حزمة جديدة من التعديلات التشريعية، والترويج للبنية التحتية الجديدة، والاستقرار الاقتصادي لمصر، وكل هذه العوامل قد تحول الأزمة إلى فرصة حقيقة بالنسبة للاقتصاد المصري في الفترة المقبلة.
في ضوء الإجراءات الأخيرة سواء الحكومية أو التي اتخذها البنك المركزي المصري فإنه أصبح من الضروري إجراء تحليل حساسية شامل لتأثير تغيرات أسعار الصرف على مؤشرات التصدير وعلى كلفة الواردات مع إجراء تحليل حساسية للتأثير التفصيلي لتغيير سعر الدولار على الصادرات والواردات من القطاعات المختلفة مما سيسهل وضع السياسات الخاصة التي تهدف إلى زيادة الصادرات وتقليل الواردات.
تبقى ضرورة التركيز على تنفيذ ومتابعة برنامج تعميق التصنيع المحلي لزيادة القيمة المضافة للمنتجات المصرية، وإعداد برنامج إصلاح هيكلي لقطاع الصناعة يركز على حل مشكلات الصناعة بدءًا من مرحلة الإنشاء وحتى الإنتاج والتصدير والاستفادة من الحوافز التي أعلنتها الحكومة لجذب استثمارات في الصناعات التكنولوجية لتصنيع منتجات ذات قيمة مضافة مرتفعة، والاهتمام بالتعليم الفني واستحداث مدارس ومعاهد فنية مؤهلة لسوق العمل تتناسب مع أنواع الصناعات التي تسعى مصر لتوطينها وتحقيق ميزة تنافسية بها، وحل مشكلات منظومة النافذة الواحدة التي تم البدء في تنفيذها بمصلحة الجمارك، والتي لم تحل مشكلة تأخر مدة الإفراج الجمركي، وربطها بجميع الجهات المتعاملة مع الجمرك، وتطوير منظومة النقل البري والاستفادة من السكك الحديدية في عملية نقل البضائع.
كما أنه من الهام أن يتزامن هذا مع تفعيل قانون شراء المنتجات المحلية رقم 5 لسنة 2015 وإلزام الجهات الحكومية كافة بتطبيقه مع تفعيل مواد شراء المنتجات من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في القانون رقم 141 لسنة 2004، مع تفعيل منظومة حوافز الاستثمار التي نص عليها القانون رقم (72 لسنة 2017) سواء بالنسبة للحوافز الضريبية أو الحوافز غير الضريبية مما سيساهم في تنشيط عملية الجذب الاستثماري وتحقيق الهدف من هذه الحوافز بالإضافة إلى تفعيل الحوافز الضريبية الجديدة والتي صدرت بموجب تعديل القانون مما سيشجع الشركات على إعادة استثمار فوائض الأرباح المحققة ضمن نتائج أعمالها مجددًا مما سيرفع من معدلات الاستثمار علمًا بأنه من الضروري الآن مد أجل العمل بالحوافز التي ستنتهي في أكتوبر القادم لثلاث سنوات أخرى.
(تمت الاستعانة في المقال بآراء ومقالات منشورة من مصادر متعددة)