بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ توج مسلسل الاختيار بطلًا على جميع الأعمال الدرامية التي تم عرضها في شهر رمضان الماضي.
اضغط لمتابعة جريدة حابي على تطبيق نبض
لم أتابع من المسلسلات سوى معظم حلقاته، ولم أضطلع على أي إحصاءات لنسب المشاهدة والمتابعة ولكن لو أخذنا في الاعتبار التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي مقياسًا ومؤشرًا لتفوق الاختيار على جميع الأعمال بفارق كبير جدًّا.
تأثير الحلقة الخاصة بمعركة البرث فاق تأثير الحادثة نفسها على مشاعر المصريين وإبراز التضامن والتعاطف مع الجنود الأبطال أحياء أو شهداء ومع عائلاتهم .
من منا لم يشعر بالفخر والانتماء لهؤلاء الأبطال وعلى رأسهم الشهيد المنسي والغضب الشديد من خسة وندالة وحقارة الإرهاب. أثير الجدل حول جودة الحوار الديني الدائر في الحلقات المختلفة مقابل الأفكار الإرهابية وجدواه في نشر الفكر المستنير مقابل فرصة كان يمكن أن تكون أكثر تأثيرًا. جدل آخر حول إمكانية الحد من شهدائنا في المعركة وآراء من خبراء يحاولون شرح طبيعة المعركة لمن لم تتوفر لديه معلومات عن الظروف المحيطة بها.
أما الثابت والأكيد من كل الجدل الدائر فهو استعادة الأذهان لقوة تأثير القوى الناعمة من سينما ودراما وموسيقى في تكوين الوعي والإدراك وتشكيل العقول والضمائر.
ومن الحقائق التي أعاد إبرازها المسلسل هو دور العاطفة في تشكيل الأفكار وبالتالي الأفعال ليس فقط لدى الشخصيات التي جسدها أبطال المسلسل بل لدى معظم أفراد الشعب بمختلف ثقافاته وأعماره. فالسينما والمسرح كثيرًا ما شكلوا شخصيات صارت قدوة حسنة أو سيئة يحاول العامة تقليدها. القوى الناعمة لها تأثير سحري على جوانب عديدة من أبرزها ما يلي:
1. المظهر: مررت أول أيام العيد بمجموعة من الشباب في مرحلة المراهقة ووجدت مظهرهم وقصات شعورهم مطابقة لأبطال أعمال درامية أخرى هابطة كلكم تعرفون أسماءها وأسماء منتجيها وأبطالها.
دائمًا كانت البطولة والرجولة بها لبلطجية يسلكون ويتلفظون بما تقشعر له الأبدان. صاحبت تلك الظاهرة ما يعرف بموسيقى المهرجانات التي لا تقل هبوطًا في كلمات معظمها ولا يختلف مظهر مؤديها عن هؤلاء الممثلين.
قارنت ذلك بأبطال وبطلات لزمن الجميل مثل أحمد رمزي وأحمد مظهر وفاتن حمامة وحتى أبطال الكوميديا مثل عبد المنعم إبراهيم والذي تطابق مظهرهم مع مظهر جماهير الكرة في مباريات الستينيات والسبعينيات وجمهور الحفلات الغنائية أيضًا. فمن الثابت مدى تأثير القوى الناعمة في خلق أبطال يقتدي بها الشباب في ملبسه ومظهره. ولا يختزل المظهر في الملبس لكن في تنسيق البيوت وواجهاتها والنظافة العامة وحتى التنسيق الحضاري للمدن والقرى.
2. الفكر: كثيرًا ما تناولت السينما والدراما أفكارًا مظلمة وحاربتها وأبرزت مخاطرها وفتحت الأذهان والعيون على مسارات وممارسات خاطئة بهدف تصحيحها مثل تلك التي حاربت الخرافات بالعلم مثل رائعة يحيى حقي قنديل أم هاشم أو التي أرشدت أولياء الأمور إلى مخاطر المخدرات وكيفية تعامل أولياء الأمور مع الأولاد إن وقعوا في تلك المصيبة وأفلام الفنان عادل إمام في محاربة الإرهاب.
3. السلوك: الفكر يتشكل ليكون مبادئ أخلاقية عامة تنتج سلوكيات وعادات تعم على المجتمع فمثلًا كانت السيجارة لا تفارق أبطال الأفلام العربية والأجنبية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مما رسخ عادات التدخين في المجتمعات التي اختفت مؤخرًا من الأفلام الأجنبية وتراجعت معها تلك العادة في أمريكا وأوربا.
حتى أفلام الكارتون التي كانت تزرع أجمل المبادئ والأفكار في الأطفال تغيرت لتبرز مناظر غير عادية تروج لأخلاقيات خاطئة ومرفوضة متسترة تحت مبادئ الحريات العامة .
القوى الناعمة هي لغة تخاطب النفس التي خلقها الله مدركة وواعية وذواقة للجمال والموسيقى والفن بل واتخذت منها وسيلة للتعبير عما يدور بها من رسم ونحت وموسيقى وتصوير من آلاف السنين.
هي قوة مذهلة في تحريك العواطف والمشاعر، وقد يعتبر الكثير منّا أنها وسيلة للترفيه، أو لإثارة أفكار مثيرة للجدل، تحقيق الأرباح ولكنها بالغة الأثر في تغيير مجتمعات وبشر ما زالوا قادرين على التمييز والتعاطف مع كل ما هو جميل وكل ما يجسد بطولة وأخلاقيات علتها أتربة القبح التي تراكمت لأننا تركنا الساحة لمثيريها.
الاختيار مسلسل أعاد لنا عاطفة الانتماء وأخلاق البطولة وكشف وجسد حقائق لم نكن نعرفها عن أبطال عاشوا معنا وماتوا من أجلنا مما أثار في ذهني أن الجمهور لا يزال ذواقًا لأعمال جيدة وأنه إن كانت البطولة والاستبسال في الدفاع عن الوطن اختيارًا فأيضًا استخدام القوى الناعمة في إصلاح ما أفسده القبح هو نفس الاختيار.