بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ كنت قد كتبت مقالًا في مطلع شهر فبراير الماضي تحت عنوان الخطر الأكبر من كورونا محذرًا فيه من قلة عدد الأطباء والأسرة لنسبة عدد السكان وكنت أحاول أن أدق جرس الإنذار للتحذير من أن عدم إمكانية الحصول على فرصة للعلاج أخطر من المرض نفسه.
اضغط لمتابعة جريدة حابي على تطبيق نبض
جاء الفيروس وكان أمرًا لا يمكن تفاديه وبذلت الدولة ولا تزال تبذل محاولات كبيرة لاحتواء آثاره الصحية والاقتصادية. سمعنا عن ملاحم وبطولات لأطباء وممرضين ومسعفين لا تقل عن بطولات العسكريين في المعارك الكبرى وسقط منهم شهداء في معركتهم مع الفيروس.
سمعنا أيضًا شهادات من كثيرين على صفحات التواصل الاجتماعي منهم صديق تم عزله في مستشفى حكومي وشاركنا بصور عن جودة وكفاءة الخدمة والقائمين عليها في أول الأمر.
انتشر الفيروس وزادت أعداد المصابين على قدرة استيعاب مستشفيات العزل وفتحت المستشفيات الخاصة أبوابها لتلقي المصابين أملا في العلاج. وقعت في يدي فاتورة لأحد الأصدقاء من مستشفى لم أسمع اسمه من قبل بالقاهرة وأود مشاركة سيادتكم ببعض الأرقام وتحليلها والوقوف على كيفية معالجتها.
بلغ متوسط الفاتورة اليومية في العناية المركزة واحدًا وثلاثين ألف جنيه، مفردات أحد الأيام كالتالي مقربة مع جبر الكسور للأقل:
إقامة 15 ألف – إشراف طبي ألفان – تمريض ألفان – معمل ثلاثة آلاف وخمسمئة – تحاليل فيروسات خمسة آلاف – أدوية أربعة آلاف – خدمة أربعة آلاف – مستلزمات ألف جنيه. إجمالي اليوم ستة وثلاثون ألف وخمسمئة جنيه تقريبًا.
ملاحظاتي على الفاتورة كالتالي:
أولًا: قيمة الإقامة في السرير في العناية المركزة في المستشفى غير المعروف والموجود بمنطقة متوسطة من حيث ثمن العقار يعادل الأقامة في بجورج الخامس بباريس أو جناح بأحد فنادق باركلين في لندن وهما من أغلى المناطق في العاصمتين الشهيرتين بارتفاع قيمة العقارات.
فلو افترضنا أن هذا المستشفى قد تكلف إنشاؤه وتجهيزه مئة مليون جنيه وبه خمسون سريرًا وإهلاك الأصول على عشرين عامًا وبحسبة بسيطة نجد أن تكلفة الإهلاك نحو 275 جنيهًا وإذا أضفنا هامش ربح 90 بالمئة لصارت تكلفة الإقامة 2750 بدلًا من 15000 جنيه.
ثانيًا: لو افترضنا أن كل مريضين لهم طبيب واحد وممرض واحد مخصص له من ورديتين لكانت تكلفة الطبيب والممرض شهريًّا ثمانين ألف جنيه وهذا مستحيل أيضًا.
ثالثًا: الخدمة أربعة آلاف حنيه بنسبة 27 بالمئة تقريبًا من تكلفة الإقامة وهي نسبة تمثل أضعاف قيمة الخدمة في أغلى فنادق باريس ولندن على سبيل المثال. ومعنى ذلك أن القائمين على الخدمة أعلى أجرًا من الأطباء.
رابعًا: ما هي الأدوية لعلاج كورونا التي من الممكن أن تتكلف أربعة آلاف جنيه في يوم وكيف نتأكد من استهلاكها؟
من المؤكد أن هناك استغلالًا بشعًا لحاجة المرضى وزيادة الطلب على العرض واستغلال الوباء في تعظيم الثروات. تلك الأسعار لا تعكس مرتبات الأطباء والممرضين والمسعفين بقدر ما تمثل هامش ربح المستثمرين بها. صحة المواطن ليست سلعة للبيع ولكن فرصة حياة وجزء من رسالة أقسم عليها الأطباء أمام الله والنقابة ولكن مع تدني الأخلاق بصفة عامة تنحدر أخلاقيات المهن أيضًا وهنا يأتي دور وزارة الصحة ونقابة الأطباء.
نقابة الأطباء هي الجهة التي تمنح نرخيص مزاولة المهنة للأطباء وبالتالي هي الجهة التي يجب أن توفر معايير واضحة وقابلة للقياس لكفاءة الأطباء وللحد الأدنى الذي يسمح لهم بمزاولة تلك المهنة وقياسه دوريًّا ومن تلك المعايير ما يقيس أخلاق المهنة أيضًا. يجب على النقابة أن توفر آليات للشكاوى من المواطنين بحق القلة الآخذة في الزيادة من الأطباء الذين يعملون دون تلك المعايير ومحاسبتهم وإيقافهم أو سحب التراخيص نهائيًّا. وهذا مطلب ليس للأطباء فقط لكن لكل النقابات الأخرى.
وزارة الصحة هي الجهة التي ترخص العيادات والمستشفيات ويجب عليها تطبيق معايير واضحة ونحن هنا لا نعيد اختراع العجلة بل يمكن أن نستفيد بتجارب الآخرين. من تلك المعايير الواجب فرضها تلك الخاصة بمعادلات التسعير التي تضمن للمستثمرين في القطاع الطبي هامش ربح جيد جدًّا وفي الوقت نفسه تحمي المرضى والأطباء والعاملين من هذا الاستغلال والجشع المخالف لكل قواعد الأديان السماوية والأرضية ولأبسط حقوق الإنسانية أيضًا.
يجب توفير أنظمة إلكترونية للقياس والإبلاغ للحد من العامل البشري لضمان كفاءة الرقابة وآلياتها.
لست ضد تحقيق مكاسب مادية جيدة من مهنة الطب والاستثمار في المنشآت الطبية. فلا استثمار دو عائد مغرٍ لرأس المال وقد طالبت بذلك في مقالي السابق ولكني ضد الاستغلال للكوارث والمبالغة اللانهائية والجشع غير القابل للاكتفاء. يجب على الجهات الرسمية أن تقوم بدورها في توفير خدمة طبية مربحة لمقدميها موفرة للحماية والرواتب الجيدة والظروف المريحة لمن يعملون بها ومقدمة للمرضى خدمة طبية جيدة تليق بالإنسانية وتتناسب مع القيمة المادية المدفوعة بها دون استغلال.