بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ أنعم علي الله من طفولتي أن اتعلم بمدرسة للراهبات بأسيوط. ويشهد الجميع بجودة التربية والتعليم بالمدارس التي تدار بواسطة الرهبان والراهبات وقدرتهم على التربية والتعليم وتخريج الأجيال اللصالحة والمرتيطة بالأوطان في مصر والعالم أجمع. أتذكر كيف كونت الراهبة الأم رئيسة المدرسة والراهبة المسئولة عن فصلنا علاقة وثيقة ووطيدة بأهالي التلاميذ.
كانت تلك العلاقة مع غاية المبادئ السامية والحب والنظام الصارم غير المتهاون لأي تجاوز من الأهل قبل التلاميذ بمثابة الخلطة السرية التي عندما أضيفت إلى جودة التعليم والمدرسين المؤمنين بنفس المبادئ هي سبب نجاح المدرسة التي نشأت بها.
هذه المقدمة هي تعبير عن شكري وامتناني لهم ولكل من عمل بتلك المدرسة وهي أيضًا أساس مهم في تقييمي لتجربة التعليم الرقمي التي مر بها كل بيت بسبب ظروف الوباء.
تشرفت بدعوتي للتدريس بنفس الجامعة التي درست بها منذ نحو خمسة عشر سنة ومن يومها لم أتوقف عنه فصلًا دراسيًّا واحدًا. فالتدريس بالنسبة لي متعة وفرصة لنقل معلومات وخبرات في العلم والحياة لعقول شابة طموحة مليئة بالأحلام والتطلعات التي لم تثقل بعد بتحديات الحياة العملية.
ومع انشغالي التام بعملي الأساسي إلا أن الذهاب للجامعة دائمًا ما كان يشبه نزهة ممتعة في حديقة جميلة وسط صحراء جافة وقاحلة.
جاءت أخبار الوباء وقررت جامعتنا قبل الجميع أن نتوقف عن الذهاب إلى الحرم الجامعي ونستمر في التدريس عبر الأدوات والوسائل الرقمية التي سبق ووفرتها الجامعة ودربتنا عليها تحسبًا لتلك الأيام.
بعد أول أسبوع من التجربة والتعود على النظام الجديد الذي عادة ما يكون غير مريح سارت العملية بسهولة كاملة وكنا على تواصل تام بمن رغب من الطلاب على مدار النهار والليل عبر الوسائل المتاحة والتي قرر كل عضو بهيئة التدريس الاعتماد عليها.
عادةً ما ينقسم أي فصل إلى ثلاثة أنواع من الطلاب: النوع الأول هو النوع المثابر والمجتهد والملتزم وغالباً ما يكونوا هم أول أهاليهم من خريجي المدارس التي وصفتها في المقدمة.
والثاني نوع يحتاج إلى الرعاية والتشجيع حتى يلحق بالنوع الأول ولديه استعداد تام للحاق بالثالث. أما الثالث فهو غير مبال ولا يريد أن يتعلم لو لم يكن مجبرًا غير مسئول ويستخدم كثيرًا من الكذب ومحاولات الغش في التهرب مما يطلب منه أو في الامتحانات.
كانت التجربة صعبة في مطلعها على الجميع خاصة على الطلاب الذين وجدوا أنفسهم محبوسين بالمنازل ولم يكن أحد يعرف كيف سيتم امتحان الطلاب واحتساب الدرجات وبعد أن تجاوزناها أود أن أشارككم بتقيمي لها في السطور التالية:
1- من الصعب جدًّا بل من المستحيل إجبار الطلاب على الحضور والاستماع للمحاضرات وهم في المنزل فغاية ما يمكن إثباته هو أن الكمبيوتر الشخصي حاضر الدرس وليس الطالب.
2-غياب تام للنظام والالتزام بأي شيء فالمحاضرات المسجلة يمكن أن تشاهد في أي وقت وبأي كيفية.
3-صعوبة تقييم الطلاب تقييمًا موضوعيًّا ولولا الأسابيع الستة الأولى التي قضيناها معًا لصار ذلك مستحيلًا فلا أحد يعلم من يجاوب على الامتحانات وبماذا وبمن يستعين الطلاب وإن كانوا هم من قدموا المشارع أم استعانوا بصديق.
4-المحتوى الرقمي مهم جدًّا وبديل ناجح للكتب المطبوعة وهنا أحيي السيد وزير التعليم على تجربة التابلت بدلًا من إهدار الأموال في الكتب. كما أن آليات التواصل الرقمي تتيح للطلاب وسائط مهمة للتواصل مع الأساتذة.
5-كانت التجربة من وجهة نظري فرصة ذهبية للفئة الثالثة للنجاح دون مشقة وضياع للفئة الثانية لفرصة اللحاق بالفئة الأولى من الطلاب. أما النوع الأول فلم يتأثر كثيرًا بتلك التجربة وعظم استفادته بها.
بناءً على ما سبق اذا أردنا أنجاح تلك التجربة مستقبلًا لزم تواجد شرطين مهمين خاصةً لمراحل التعليم قبل الجامعي وهما: توافر أخلاقيات الالتزام والأمانة لأولياء الأمور فهم من لهم القدرة على إجبار الطلاب على خوض التجربة كاملة وهم أيضًا من يسهلون لهم عمليات الغش أو شراء المشاريع إلى آخره.
ثانيًا تضافر وتواصل الهيئات التعليمية مع أولياء الأمور لمتابعة العملية التعليمية من البيت والتأكد من التزام الطلاب فهم الأقدر على تحقيق ذلك تمامًا كمدارس الراهبات.
الاعتماد التام على التعلم الرقمي يمكن أن يكون الأمثل لمن يريد أن يثابر على تعلم مادة أو مهارة معينة ولديه كل الدوافع الذاتية للاستفادة القصوى.
أما المجبر على التعليم فالرقمنة وإن كانت عنصرًا مهمًّا في توفير المادة والمراجع ووسائل الاتصال إلا أنها وحدها ليست كافية ولا تصلح أن تكون وسيلة بديلة بل مكملة للتربية والتعليم مع أهمية دور البيت والأهل والتواجد في الحرم المدرسي أو الجامعي.