بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ تخيل معي أنك ذهبت إلى أحد المتاجر التي تبيع الأثاث أجزاء مفككة وتترك للعميل مهمة تركيبه. ثم أعجبتك قطعة مكونة من مائة جزء ومسمار وأدوات ورجعت إلى المنزل لتجميعها.
لم يسبق لك تركيب مثلها من قبل وفوجئت بعدم وجود الكتيب المصاحب الذي يشرح خطوات التركيب. قد تبذل أضعاف الوقت المطلوب وقد تتسبب في تلف أحد القطع حتى يتم التركيب إن استطعت بسبب غياب الخبرة أو التعليمات.
لا توجد حكومة على سطح الأرض سبق واختبرت وتعاملت مع الكورونا قبل نهاية العام الماضي. فلم توجد من قبل أي معلومات عن ما تمر به البشرية سواء من الناحية الطبية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.
وما نعلمه حتى الآن هو نتيجة الخبرة القصيرة التي تقاس بعدة شهور والتي قام فيها العلماء والمسؤولون بملاحظة كل المتغيرات والتأثيرات ودراستها ومحاولة استنتاج الطرق الأمثل للوقاية والتعامل مع المجتمعات لتقليل الإصابات والحفاظ على الحياة.
لم تكن مصانع الأدوية مستعدة لإنتاج الأدوية ذات الصلة -ومنها البديهي مثل فيتامين ج- بالكميات المطلوبة فلم يتوقع أحد مدى ازدياد الطلب على هذه الأنواع.
ونظرًا لأن المصانع تحتاج إلى تخطيط مسبق للإنتاج تتبعها سلاسل الإمداد للخامات والمستلزمات ثم التصنيع وأخيرا التوزيع فهناك الكثير من الوقت المطلوب لزيادة الإنتاج.
ولم تكن المستشفيات تتوقع الأعداد التي تحتاج لاستيعابها ولا كيفية التعامل معها ولا الطرق المثلى لحماية العاملين بها ولم تكن تملك المخزون الكافي للأدوات اللازمة.
ومن المؤكد لم تكن الحكومات تعلم كيف تتعامل مع الوضع اجتماعيًّا واقتصاديًّا. هل الإغلاق وقبول الانكماش الاقتصادي السريع وما يترتب عليه أم الفتح والتعامل مع نتائجه التي تهدد صحة المواطن. فهي بلا شك خبرة جديدة لا نملك لها كتيب إرشادات ولا سبق لنا أن مررنا بمثلها.
لذلك انعدمت إمكانية الخطط طويلة المدى وتم استبدالها بخطط قصيرة مدتها أسبوعان لانعدام الرؤية المستقبلية. فكل دول العالم بلا استثناء كلفت حكوماتها بالاجتماع المستمر للوقوف على المستجدات وإصدار التعليمات كل أسبوعين.
تضمنت تلك التعليمات قرارات ملزمة للجميع للتعامل الأمثل مع الأزمة والخروج بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية. تنوعت القرارات والرسائل بحسب المرحلة.
تعامل المواطنون مع تلك القرارات والرسائل بردود أفعال اختلفت مع اختلاف المرحلة. في أول الأمر سارع المواطنون بتخزين السلع التموينية ومنهم من لم يصدق واقع الفيروس وظن أنه خدعة واتجه المواطنين إلى سحب المدخرات نقدًا تحسبًا لاحتياج النقد ثم زادت الأعداد من المصابين وقام الكثيرون بشراء الأدوية وتخزينها بكثافة تحسبا لإصابة أحد أفراد العائلة.
نتج عن القرارات والرسائل وردود الأفعال سلوكيات احتاجت وقفة لكيفية التعامل معها وتقليل الضرر الناتج عنها. فارتفعت أسعار الخدمات الطبية والأدوية إلى عدة أضعاف تفوق قدرة الغالبية وتستغل الاحتياج طمعًا في المكسب وضاربة عرض الحائط بأبسط قواعد الإنسانية مع إمكانية الاحتفاظ بالمكسب.
كما تزاحم المواطنون على البنوك في الشوارع في حرارة الجو دون نظام يسمح لهم بالحصول على خدمة تليق بالإنسان وكذلك تزاحم الكثيرون على جميع المصالح الأخرى خاصة تلك التي أصدرت قرارات بتوقفها أسابيع.
ولم تتوفر سبل الحماية للكثير من الأطقم الطبية وموظفي البنوك وغيرهم من العاملين بالمصالح المختلفة وسقط كثيرون فريسة للجهل بكيفية التنفيذ أو للطمع والإهمال وانعدام الإرادة بفرض آليات الحماية على تلك المصالح.
نجحت الحكومة في إصدار القرارات وإدارة الأزمة في كثير من الجوانب لكن من وجهة نظري كان لا بد من تكميلها بأمرين غاية في الأهمية: الأول هو توفير وفرض آليات للتنفيذ فمثلًا كان يمكن توفير آليات رقمية لتنظيم الدخول للبنوك والمصالح وعدم احتياج أحد للانتظار بالشوارع وفرضها.
أو توفير وفرض آليات رقمية تمكن المواطن من معرفة المستشفى الذي يتوفر به مكان للعلاج وغيرها من أمثلة كثيرة لا يتسع لها المقال. الأمر الثاني هو تشديد العقوبة وإحكام الرقابة على كل المستغلين للموقف. على كل من يبيع الدواء الذي كان ثمنه 90 جنيهًا قبل الأزمة بما يفوق الأضعاف العشرة. على كل من فرض عشرة أمثال على الأقل ثمنًا للعلاج. على كل من توانى على توفير الأدوات اللازمة والإمكانيات لحماية الأطباء.
نحن على أعتاب مرحلة جديدة تنفذ بها قرارات خطيرة طال انتظارها لا لأنها تأخرت ولكن لأن البشر لهم قدرة احتمال اجتماعية واقتصادية. تلك القرارات قد تؤدي إلى انفراجة مالية منتظرة للكثيرين ولكنها في نفس الوقت غاية في الخطورة على حياتهم. لذا أتمنى أن تقوم الحكومة بدورها في توفير وفرض الآليات اللازمة لحسن تنفيذها بجودة عالية ونظام مطلوب وفي نفس الوقت تشديد الرقابة وتغليظ العقوبات على المخالفين.
خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي