رئيس البورصة: أسواق العقود والسلع والمشروعات الصغيرة على رأس الأولويات رغم كورونا

اتخذنا حزمة إجراءات مهمة لعبور المرحلة الصعبة وبلوغ مستوى التعايش مع الجائحة

aiBANK

ياسمين منير و رضوى إبراهيم _ الحديث عن مرايا الاقتصاد يزداد سخونة على خلفية صعود البورصات وأسواق المال ومعاناة الاقتصادات.. ولذلك كان من الضروري أن تنتهز جريدة حابي هذه الفرصة لإجراء حوار موسع مع رئيس البورصة المصرية محمد فريد، يجيب من خلاله على مختلف أسئلة الساعة، وأجندة الأولويات والعمل في هذه المرحلة المهمة من عمر البورصة المصرية.. وإلى نص الحوار:

إضغط لتحميل تطبيق جريدة حابي

E-Bank
محمد فريد: سيكون لدينا خطة فعلية لتطوير بورصة النيل في بداية 2020
محمد فريد رئيس البورصة المصرية

حابي: في البداية.. كيف تعاملت إدارة البورصة المصرية مع تداعيات جائحة كورونا؟.. وهل تتم دراسة قرارات جديدة لتجاوز التداعيات السلبية للأزمة العالمية سواء على صعيد حماية الشركات والمتعاملين أو تنشيط السوق؟
فريد: البورصة اتخذت خلال الفترة الأخيرة مجموعة من الإجراءات بالغة الأهمية لدعم قدرات عبور هذه المرحلة الصعبة، أما أجندة القرارات والإجراءات المستهدفة فسيتم ذكرها تباعًا، حيث نعمل حاليًا على إنجاز العديد من الملفات المؤثرة ونتمنى من الله أن تنجح مرحلة الفتح التدريجي لعودة نشاط الاقتصاد والتعايش مع جائحة كورونا.

فما واجهته مصر والعالم أجمع خلال الفترة الأخيرة فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة فيروس كوفيد 19 وتوفير التجهيزات لمواجهة تداعيات الجائحة العالمية سواء على المستوى الطبي أو المستوى الاقتصادي بهدف الوصول إلى مرحلة التعايش هذه، كان أمرًا في غاية الأهمية والصعوبة.

وعندما ننظر إلى ما يخص قطاع أسواق الأوراق المالية، فقد كانت هناك تقلبات شديدة على مستوى أسواق العالم كله، وهذه قد تكون من أول المرات التي نشهد فيها هذا الكم من التقلبات في فترة وجيزة، بل إن التقلبات امتدت الى حركة المؤشرات المختلفة خلال اليوم الواحد، وهذه تعتبر مستويات غريبة وتمثل أوضاعًا غير معتادة بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، وما استتبعها من الاقتصادات الناشئة.

فقد نتج عن أزمة كورونا صدمة للاقتصاد تم التعامل معها، وكان الأهم من ذلك هو توفير الأجواء المناسبة لاستمرارية الحياة دون تعريض العاملين في مختلف الوظائف لمخاطر الإصابة بالفيروس.

طورنا كل البرامج المساندة للتداول لتسهيل عمل السماسرة من أي مكان.. والتنسيق مع الرقابة للسماح بتلقي الأوامر إلكترونيًّا

وخلال الفترة الأخيرة تم تنفيذ تطوير تقني كبير على مستوى البورصة المصرية ومؤسساتها التابعة، فقد تم تدعيم كل البرامج الإلكترونية المساندة لبرنامج التداول بإمكانيات تمكن العاملين بشركات الوساطة في الأوراق المالية من الوصول إليها من أي مكان.

وعلى مستوى تلقي الأوامر، تم التنسيق مع الهيئة العامة للرقابة المالية بما أتاح للمستثمرين اللجوء للبديل الإلكتروني، إذا كان منصوصًا عليه في التعاقد مع شركة السمسرة للاعتداد به في أوامر البيع والشراء تسهيلًا للإجراء في إطار الحرص على التباعد الاجتماعي.

50 ـ 60% من موظفي البورصة يعملون عن بعد.. والوضع لم يتغير بعد قرارات فتح الاقتصاد

كما اتخذت البورصة نفسها إجراءات تتعلق بحماية العاملين والمؤسسة، من خلال توفير البنية التقنية التي مكنت نحو 50-60٪ من العاملين لتنفيذ مهامهم عن بعد.

وكذلك تم غلق الكوربيه أمام شركات السمسرة، حتى لا نعرض الإدارات الحيوية بالمؤسسة لمخاطر الإصابة بالفيروس، مثل إدارات العمليات والرقابة وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من الإدارات المؤثرة، وهذا الأمر طبق بالفعل على مستوى مختلف بورصات العالم.

كما تم إجراء مجموعة كبيرة من التحديثات التكنولوجية خلال الفترة الأخيرة، بما سمح للعاملين بشركات الوساطة للعمل من أي مكان بطريقة سهلة.

حابي: هل تم تعديل قرار العمل عن بعد بالنسبة للعاملين بالبورصة بعد قرارات رفع حظر التجوال والفتح التدريجي للاقتصاد؟
فريد: حتى هذه اللحظة ما زلنا نحافظ على سياسات العمل عن بعد، فطالما نحن قادرون على العمل من هذا المنطلق مع ضمان استمرارية العمل دون أي تأثر فسنستمر على نفس الوضع للحد من أي مخاطر صحية، والمجهود الذي بذل خلال الفترة الماضية استهدف بلوغ مرحلة التعايش مع الجائحة.

عجلنا بطرح برنامج معتمد للتصويت الإلكتروني لضمان استقرار عقد الجمعيات ومجالس الإدارات قبل وخلال مرحلة التعايش

فعلى مستوى المؤسسات التابعة للبورصة، طورت شركة مصر لنشر المعلومات نظامًا للتصويت الإلكتروني، حتى يتسنى للشركات عقد الجمعيات العامة واجتماعات مجلس الإدارة دون تأثر بالجائحة.

حابي: هل لاقى البرنامج الجديد إقبالًا من الشركات على تنفيذه؟
فريد: بالفعل استقبلت شركة مصر لنشر المعلومات العديد من طلبات التعاقد.

والمهم هو إتاحة برنامج معتمد من الجهات المختلفة بما يمكن الشركات والمستثمرين من عقد اجتماعاتهم وجمعياتهم دون تأثر، وهذا من الأمور التي سعينا للإسراع بها خلال الفترة الأخيرة، لأنه حتى مع إعادة فتح الاقتصاد تكون هناك مسؤولية كبيرة على المستثمر والشركات والمواطنين بشكل عام، بما يستدعي العمل على توفير أعلى قدر من الحماية في ظل فتح الاقتصاد من خلال السعي لتوفير إمكانيات التباعد الاجتماعي إن وجدت، أو الالتزام بأقصى مستويات الوقاية في حالة الأعمال التي يتحتم تنفيذها من خلال تجمعات.

حابي: ما هي الإجراءات التي اتخذتها البورصة لحماية السوق المحلية من التقلبات العنيفة الناتجة عن تداعيات الجائحة؟
فريد: شاهدنا تقلبات شديدة ومتوقعة على مستوى البورصات كلها عالميًّا، بما في ذلك البورصة المصرية منذ بدء ظهور حالات لفيروس كورونا، ولكن الوضع تغير اعتبارًا من 19 مارس بسبب عدة محددات، من أولها التنسيق مع الهيئة العامة للرقابة المالية لتعديل قواعد القيد والإجراءات التنفيذية لها واعتمادها، مما سرع وبسط من إجراءات عمليات شراء أسهم الخزينة، خاصة في الفترات الحرجة أو التي تتسم بالاحتياج لهذا الأمر.

19 مارس نقطة تحول إيجابية في أداء البورصة خلال كورونا.. والفضل لأسهم الخزينة واهتمام القطاع المصرفي ومبادرة العشرين مليارًا

وهناك عدد كبير من الشركات تقدم بالفعل لشراء أسهم الخزينة منذ التعديلات وحتى الآن، وهذا كان أحد المحددات المهمة التي استند إليها استقرار السوق خلال الفترة الأخيرة.

25 شركة بدأت شراء أسهم خزينة.. وتنفيذ عمليات على ما يقرب من 50% من الكمية المطلوبة

فقد بلغ عدد الشركات التي تقدمت بطلبات شراء أسهم خزينة 25 شركة بنهاية الأسبوع الماضي، جميعها تقريبًا بدأت التعامل على أوراقها بالسوق، حتى وإن لم تنفذ كل الكميات المطلوبة.

وبلغ العدد الإجمالي للأسهم المطلوب تنفيذها نحو 756 مليون سهم، نفذ منهم نحو 300 مليون سهم، أي ما يقرب من 50٪ من الرقم الإجمالي لكل الشركات.

أما المحدد الثاني فيتعلق بإعلان القطاع المصرفي رغبته في زيادة الاستثمارات بالبورصة المصرية، وبالتالي نتج عن ذلك إعادة جذب انتباه المؤسسات والمستثمرين لسوق المال المحلية والتأكيد على وجود اهتمام بالبورصة، وكذلك توافر رغبة وقناعة بأن السوق تزخر بالفرص الجيدة.

كما أن إعلان رئيس الجمهورية عن مبادرة دعم التداولات من خلال البنك المركزي المصري بمبلغ 20 مليار جنيه كان له أثر كبير في استقرار التعاملات مثلما نشهد خلال الفترة الأخيرة.

وكل هذه المحددات مجتمعة كان لها أثر كبير على التعامل بإيجابية مع هذا الملف الصعب، فهذه الأجيال لم تشهد مثل هذه التقلبات والتداعيات العنيفة التي خلفتها أزمة كورونا.

محمد فريد، رئيس البورصة

حابي: أزمة كورونا ما زالت تلقي بظلالها على مختلف الاقتصادات وأسواق العالم حتى مع دخول مرحلة التعايش والفتح الآمن لأنشطة الاقتصاد.. ما هي أهم الملفات على أجندتكم خلال الفترة الحالية؟
فريد: بالتأكيد أي خطط كانت موضوعة تأثرت بالأوضاع الجديدة، ولكن فيما يتعلق بالشق الخاص بالتطوير، نحن مستمرون على قدر استطاعتنا، وأحد أهم الملفات التي نعمل عليها حاليًا هو تغيير آلية احتساب أسعار الاقفال.

فقد قطعنا شوطًا كبيرًا في هذا الملف، وتم استطلاع آراء الأطراف المختلفة بالسوق، ونحن حاليًا في المرحلة النهائية من هذه الدراسة، تمهيدًا لرفعها لهيئة الرقابة المالية للتوافق والاعتماد.

وهذا التعديل له متطلبات تكنولوجية متعددة وكثيرة، لذلك ندرس حاليًا هذه المتطلبات حتى يكون الإعلان عن هذا التعديل في حال موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية مدعومًا بتوقيتات مرجحة للتنفيذ.

حابي: ما هي الآلية المرتقب التحول إليها في احتساب سعر إقفال الأسهم؟
فريد: هناك العديد من التفاصيل الجاري دراستها حاليًا، ولكن في ضوء دراستنا للتجارب العالمية وجدنا أن أغلب الأسواق تعتمد على المزادات وفقًا لمحددات معينة لاحتساب أسعار إقفال الأسهم المتداولة.

الآلية الجديدة شبيهة نسبيًّا بالجلسة الاستكشافية، ولكنها ليست استكشافية بل جلسة مزاد تتحدد على أساسها الأسعار وفقًا لمحددات معينة، وقد وجدنا أن أغلب الأسواق خاصة المجاورة تعتمد على هذه الآلية مثل السعودية والإمارات، كما تعتمد عليها أسواق متقدمة كثيرة من بينها سوقا لندن وفرنسا.

حابي: متى تنتهي الدراسة ويتم رفعها للهيئة في تقديركم؟
فريد: لا أفضل تحديد توقيتات، سيتم الإعلان عن ذلك في حينه بعد الانتهاء من دراسة الأنظمة التكنولوجية والتكاليف المطلوبة وغيرها من الأمور الفنية.

حابي: ما هي الملفات الأخرى بدائرة الأولويات؟
فريد: إعادة هيكلة سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا الملف يتضمن العديد من المحاور.

فالدراسة التي أعدها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية EBRD أثمرت عددًا من المقترحات، ونبحث حاليًا ما هو قابل للتطبيق وما هو غير قابل لذلك بالنسبة للسوق المصرية، كما نبحث الأمور محل التوافق مع هيئة الرقابة المالية حتى يتم الخروج بحزمة من المقترحات دفعة واحدة لعرضها على الهيئة، وفي حالة الموافقة يتم التطبيق تباعًا.

نبحث المقترحات القابلة للتنفيذ بدراسة EBRD لسوق المشروعات الصغيرة وننسق مع الهيئة لوضع خطة متكاملة لإعادة الهيكلة

فخطة إعادة هيكلة سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة تتطلب إجراء تعديلات على قواعد عمل الرعاة، وكذلك من المحتمل إجراء تعديلات على قواعد التداول والقيد، كل هذه الأمور ما زالت محل دراسة وسيتم حسمها مع هيئة الرقابة المالية.

هيكلة بورصة المشروعات الصغيرة تشمل تعديل ضوابط عمل الرعاة.. وتغيرات محتملة بآليات التداول وقواعد القيد

حابي: ما هي التجربة الدولية الأقرب لخطة الهيكلة المستهدف تنفيذها بسوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟
فريد: لا يوجد نموذج ناجح بالدرجة التي تضعه كهدف للتطبيق، كما أن نجاح نموذج في سوق ما لا يعني بالضرورة إمكانية نجاحه في سوق أخرى حال تقليده.
فسوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة يتسم بكونه مغايرًا للسوق الكبيرة، فالنماذج التي نجحت من بينها بكوريا الجنوبية والسوق الخاصة بالدول الاسكندنافية، وكل منهما لديه منحى مختلف لنظام العمل.

لذلك ندرس أفضل التطبيقات بمختلف الأسواق حتى يتم تجاوز نقاط الضعف، مع الإدراك الكامل لوجود بعض المسائل التي تحتاج معالجتها لبعض الوقت.

حابي: هل سيترتب على إعادة الهيكلة مطالبة الشركات المتداولة بهذه السوق بعمليات توفيق أوضاع وفقًا للضوابط الجديدة؟
فريد: من السابق لأوانه الحديث عن ذلك.

فنحن حاليًا في مرحلة بحث ما يمكن تطبيقه من مقترحات الدراسة التي أعدها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ونعمل عليها مع الهيئة العامة للرقابة المالية للاستقرار على النموذج النهائي القابل للتطبيق.

حابي: ما هي آخر تطورات خطة تدشين سوق العقود والمشتقات وشركة المقاصة الخاصة به؟
فريد: ننتظر صدور تعديلات قانون الإيداع والقيد المركزي بالجريدة الرسمية لنخاطب الهيئة العامة للرقابة المالية للتعرف على متطلبات تأسيس سوق العقود المستقبلية.

ننتظر نشر تعديلات قانون الإيداع في الجريدة الرسمية لمخاطبة الهيئة حول متطلبات ترخيص تسوية العقود والبدء في إجراءات التأسيس

فتداول العقود المستقبلية والخيارات يتطلب وجود شركة متخصصة للتسوية، وبالفعل أخذنا موافقة مجلس إدارة البورصة المصرية، وكذلك مجلس إدارة شركة مصر للمقاصة والإيداع والقيد المركزي لتأسيس شركة مشتركة بين المؤسستين لتسوية العقود، لذلك سنخاطب الرقابة المالية للتعرف على الاشتراطات التي ستضعها لهذا الأمر، وبمجرد صدورها سنتقدم بطلب التأسيس في حال توافرت الإمكانية لذلك.

فتفعيل تداول العقود والمشتقات لن يتم سوى في حال توافر آلية للتسوية، وهذا لم يكن يتأتى قبل صدور التعديلات على قانون الإيداع والقيد المركزي الذي صوَّت عليه البرلمان خلال الشهر الماضي.

حابي: هل سوق العقود ما زالت ضمن قائمة أولويات البورصة المصرية؟ أم ترى أن أزمة كورونا أِثرت على أهمية الملف خلال هذه المرحلة؟
فريد: بالتأكيد سوق العقود ما زالت ضمن أولويات البورصة رغم أزمة كورونا، وسنحاول الانتهاء منها في حال صدرت كل المتطلبات حتى نبدأ في تأسيس شركة التسوية، وكذلك تحديد العقود التي يمكن تداولها.

وفي كل الأحوال علينا أن نتفق أنها عملية طويلة نسبيًّا وستستغرق بعض الوقت، حيث ينطوي الأمر على تدعيم السوق بأنظمة تكنولوجية جديدة وتدريب العاملين وأطراف السوق المختلفة على تداول العقود، لذلك هي تمثل على كل المستويات عملية طويلة، لذلك علينا الإنجاز في مرحلة البدء حتى يتسنى لنا الوصول لتفعيل هذه السوق في فترة مناسبة، مثلما بدأنا في تلقي مقترحات تفعيل آلية الشورت سيلينج –اقتراض الأسهم بغرض بيعها- بنهاية عام 2017 واستغرقت الدراسة وقتها لحين تفعيل الآلية نهاية العام الماضي.

حابي: هل ستحتاج للاستعانة بشريك أجنبي في سوق العقود أو شركة التسوية؟
فريد: لا أعتقد ذلك.

حابي: ماذا عن تطورات تدشين بورصة السلع والتي تم قطع شوط كبير في الإجراءات والدراسات الخاصة بها قبل تفشي أزمة كورونا؟
فريد: كانت هناك لجنة مشكلة من قبل مجلس الوزراء، والبورصة المصرية ممثلة بها، لإعداد تصور للقواعد الحاكمة لسوق السلع الحاضرة، وكانت اللجنة تضم تمثيلًا للجهات الرئيسية المنوط بها السوق الجديدة، كوزارة التموين والتجارة الداخلية وأجهزتها التابعة مثل جهاز تنظيم التجارة الداخلية، بهدف وضع تصور لبدايات هذه السوق، وبالفعل جارٍ الانتهاء من أعمال هذه اللجنة، وحاليًا في مرحلة وضع الرتوش الأخيرة.

لجنة دراسة بورصة السلع تضع الرتوش النهائية.. وسنبدأ إجراءات التأسيس فور اعتماد التصور النهائي

وبمجرد الانتهاء من وضع هذا التصور تبدأ مرحلة التأسيس، وقد أوشكنا على دخول هذه المرحلة، ولكن الموضوع أكثر تعقيدًا من تدشين سوق العقود، حيث لا يقتصر الأمر فقط على الأنظمة التكنولوجية المختلفة والتراخيص وما إلى ذلك ولكنه يتطلب أيضًا اشتراطات ومواصفات تتعلق بالسلع والمخازن، وعمليات الربط ما بين المخازن وسوق التداول وغيرها من الأمور الفنية المتعددة التي تحتاج قدرًا كبيرًا من العمل قبل بلوغ مرحلة الإطلاق.

حابي: كيف تفسر أسباب عدم استغلال المتعاملين للأدوات والآليات والأنشطة التي طالما نادوا بضرورة تفعيلها بالسوق المحلية، مثل نشاط صانع السوق وآلية اقتراض الأسهم بغرض بيعها ـ short selling – وكذلك ضعف الإقبال على إطلاق صناديق المؤشرات ETFs؟
فريد: لدينا صندوق للمؤشر، وبالتأكيد نحب أن يكون هناك المزيد من صناديق المؤشرات، ولكن هذا يحتاج إلى توافر زيادة في الطلب على هذه النوعية من أدوات الاستثمار من خلال تزايد عدد المستثمرين غير النشطين في عمليات اختيار الأوراق المالية passive investors الذين يفضلون الاستثمار بالتوازي مع المؤشر.

وإدارة البورصة ما زالت تعمل على المحاور الثلاثة التي تمثل دعائم السوق الأساسية في عملية التطوير المستمرة، وهي محور العرض وذلك على مستوى العمل على زيادة المعروض من الأوراق المالية، وأرى أن جائحة كورونا أثرت سلبًا نسبيًّا على هذا المحور.

ما زلنا نعمل على تنشيط جانبي العرض والطلب وتدعيم السوق بالآليات والأدوات الجديدة حتى لو لم يتم استخدامها

والمحور الثاني هو آليات التداول التي من بينها صانع السوق والشورت سيلينج وغيرها من الآليات، وأخيرًا جانب الطلب الذي يتمثل في العمل على تشجيع سلسلة القيمة المضافة.

وفي النهاية هذه الأدوات والآليات يجب أن تكون متوافرة بأسواق المال، سواء استخدمت أو لم تستخدم، وبالتالي لا يمكن أن تتوافر الفرصة أمامنا لاستحداث آلية جديدة بالسوق ونتقاعس عن ذلك.

حابي: هل وردت لإدارة البورصة أي طلبات مؤخرًا لتدشين صناديق تتبع المؤشرات المختلفة بالسوق أو إبداء رغبة في القيام بدور صانع السوق؟
فريد: لا للأسف، البعض سأل في البداية عن آليات عمل صانع السوق ولكن الأمر لم يمتد لأبعد من ذلك.

حابي: كيف يمكن معالجة عدم إقبال الشركات على الآليات الجديدة، خاصة أن ذلك يمثل أحد عوامل الضعف في السوق المحلية؟
فريد: لا يمكننا معالجة كل المشكلات، كما أن هناك حدودًا لمسؤوليات إدارة البورصة، منها استقرار التعاملات واستحداث أدوات مالية جديدة.

ونفذنا خلال الفترة الأخيرة عملية تطوير جذرية لمؤشرات السوق، فحيث إن مؤشري EGX 70 و EGX 100 يغطيان الخسائر المسجلة منذ بداية العام لمجرد تعديل منهجية المؤشر بما يعكس قيمة الأوراق المكونة له، على خلاف الطريقة السابقة التي لم تعكس الصورة الحقيقية لحركة التداولات.

حابي: رغم النتيجة الإيجابية لأداء المؤشرات، إلا أن المستثمر قد يرى أن التطوير استهدف تقديم صورة إيجابية عن أداء السوق، في حين أن استثماراته حققت خسائر؟
فريد: هذا ليس حقيقيًّا، فهذه المؤشرات متساوية الأوزان، وبالتالي إذا وزعت الاستثمارات على الأسهم بالمؤشر ستحقق نفس النتيجة، فنحن لم نستهدف إظهار صورة جيدة على خلاف الواقع، بل راعينا أن تعكس هذه المؤشرات الواقع الحقيقي لأداء الأسهم.

نفس الأمر بالنسبة لعملية إعادة هيكلة القطاعات المتداولة بالسوق، فما تم كان صحيحًا في ظل وجود شركات كثيرة مسكنة في غير القطاعات التي تنتمي إليها، وعلى ذلك تمت إعادة هيكلة المؤشرات القطاعية بما يعكس الأداء الحقيقي لكل قطاع بعد تنقيح الشركات المكونة له.

وكل هذه الاجراءات استهدفت تهيئة السوق وتشجيع المستثمرين والشركات وتأتي ضمن مهامي، في حين تقع أمور أخرى في خارج نطاق السيطرة أو صلاحيات إدارة البورصة.

نقوم بمهام الترويج ورفع الثقافة المالية بكل السبل لكن الاستجابة تعتمد على ديناميكيات السوق

فجزء من المهام تتعلق بالترويج والتعريف، ولكن في النهاية السوق تحتاج أن تنمو تباعًا حتى تصل إلى المستوى المأمول من النشاط، ولذلك أغلب القرارات التي اتخذت منذ بداية رئاستي للبورصة كانت تتعلق بتكبير حجم السوق وحجم التداولات اليومية، والعمل على توسيع نطاق التداول في ذات الجلسة لتسهيل التعامل أمام المستثمرين، وذلك بالتوازي مع تحسين قواعد الإفصاح ومتابعة الشركات بصورة مكثفة.

كما تم تغيير منهجية التعامل مع الشركات التي تتخلف عن تقديم ميزانياتها خلال المدة القانونية المقرر حدها الأقصى بـ 45 يومًا من تاريخ انتهاء الفترة المالية، حيث كان يتم إيقاف التداول على السهم حال التأخر دون مقدمات، في حين يتم حاليًا إبلاغ السوق قبل انتهاء الموعد بنحو شهر بعدد الشركات التي تخلفت عن تقديم الميزانيات، مع الإشارة إلى احتمالات إيقاف الأسهم خلال فترة زمنية محددة، مما ساهم في زيادة معدل استجابة الشركات لمطالب الإفصاح، لأن المستثمر أصبح يقوم بدوره في الضغط على الشركات لتقديم قوائمها حتى لا يتم إيقاف التداول على الأسهم.

فنحن نعمل على كل مناهج سلسلة القيمة المضافة، ولكن هناك أمورًا يمكن إنجازها وأخرى خارجة عن السيطرة.

فقد عقدنا جلسة موسعة مع الجمعية المصرية للأوراق المالية لشرح القرار الصادر عن هيئة الرقابة المالية والمنظم لآلية بيع الأوراق المالية المقترضة ـ short selling- وذلك بهدف تعريف أطراف السوق بهذه الآلية والحث على تفعيلها، ولكن ما سيتم بعد ذلك على صعيد استجابة السوق من عدمه ليس في نطاق سيطرة أو مهام إدارة البورصة.

وبالفعل.. حصل عدد كبير من الشركات على تراخيص مزاولة الآلية الجديدة، وبعضه تستخدمها بالفعل، ولكن حجم نشاطها يتوقف على العديد من المحددات، من بينها أنه عقد اتفاقي بين المقرض والمقترض، مما يحتاج إلى توافق الطرفين وهذا أمر من الصعب التدخل فيه، بل يعتمد على ديناميكيات السوق دون تدخل من رئيس البورصة.

حابي: كيف ترى مستقبل تطور البورصة المصرية في ظل تداعيات جائحة كورونا العالمية، ومدى ارتباط البورصة بأداء الاقتصاد، خاصة مع تزايد الحديث عن عدم صحة مقولة أنها مرآة للاقتصاد؟
فريد: مرت علينا أزمات كثيرة، واستطعنا أن نتخطاها جميعًا بصورة قوية، وبالتأكيد هناك أمور نأمل أن تتحسن تباعًا وتدريجيًّا خلال المستقبل، ولكن بالتأكيد أرى أن المستقبل طيب، وهذا نابع في الأساس من قوة الاقتصاد المحلي.

قوة الاقتصاد المحلي تبشر بأداء جيد للبورصة في المستقبل.. وبعض القطاعات انتعشت رغم الأزمة

فرغم أن الاقتصاد المصري تأثر سلبًا جراء جائحة كورونا كغيره من الاقتصادات على مستوى العالم، إلا أن قواعدنا الاقتصادية أثبتت أنها قوية جدًّا ومعدل النشاط بها قوي للغاية رغم التأثر الحاصل بسبب أزمة كورونا، مما يبشر بوضع إيجابي في المستقبل إذا ما تجاوزنا الفترة قصيرة الأجل التي تمثل امتدادًا للأزمة العالمية الحالية.

فرغم التأثر السلبي الحالي، يمكن الارتكاز على استمرارية وحجم الأسواق في استشراف المستقبل، كما أنه في الوقت الذي ألقت الأزمة بانعكاساتها السلبية على العديد من القطاعات، انتعشت قطاعات أخرى جراء هذه الجائحة مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات وبعض القطاعات الأخرى، وبالتالي لا يجب النظر للصورة العامة من منظور ضيق والعمل على رصد مختلف المعطيات والتطورات الجديدة للوصول إلى تصور أكثر دقة وتفاؤلًا بالمستقبل.

كما نعمل بجهد على صعيد تطوير الثقافة المالية، وذلك من خلال مجموعة واسعة من الحلقات التعريفية بأدوات وآليات الاستثمار، وكذلك إجراء مقابلات مصورة مع رؤساء كبرى الشركات المتداولة للكشف عن خطط وتطورات الأداء، وكذلك الحملة الترويجية التي أطلقتها البورصة منذ فترة وتعتزم استكمالها في التوقيت المناسب، وكل هذه الأمور التي لم تشهد السوق مثلها من قبل، فنحن نسعى لإنجاز ما علينا وسنستمر في ذلك.

فالعملية الإصلاحية هي عملية طويلة ومستمرة، خاصة في حالات الإصلاح المتعلقة بالقطاعات الكبيرة مثل سوق الأوراق المالية والأسهم، والأمر لا يتم بجرة قلم.

حابي: متى تتوقع عودة نشاط الطروحات بالبورصة المصرية؟
فريد: أتوقع إذا استمرت الأمور في الاستقرار والتحسن أن نشهد عودة نشاط الطروحات بالبورصة مع بداية العام الجديد.

حابي: هل هناك شركات انتهت بالفعل من الإجراءات المطلوبة للطرح وتنتظر فقط التوقيت المناسب لنزول السوق؟
فريد: لا لم تصل بعد أي من الشركات لهذه المرحلة، ولكن لدينا إدارة مختصة تعمل جاهدة على ترويج عملية القيد بالبورصة، وهذه اللجنة مستمرة في عملها خلال الوقت الراهن وتتواصل بشكل دائم مع الشركات.

وتتنوع ردود الشركات خلال هذه الفترة ما بين من أغلق باب الحديث بشكل تام خلال هذه المرحلة، ومن يهتم ببحث الأمر والتعرف على مميزات ومتطلبات القيد، وفريق ثالث نعمل معه للوصول لمرحلة تعيين مستشار قانوني ومالي والبدء في تأهيل الشركة لعملية القيد والطرح، فقرار الطرح لا ينفذ بمجرد اتخاذه، بل يحتاج إلى إجراءات متنوعة لترتيب الأوراق وتنظيف البيت من الداخل للتوافق مع متطلبات القيد والطرح بسوق الأوراق المالية.

محمد فريد رئيس البورصة المصرية
محمد فريد رئيس البورصة المصرية

حابي: كيف تقيم حركة الاستثمارات الأجنبية بالبورصة المصرية خلال هذه المرحلة؟
فريد: مثلنا مثل باقي البورصات الناشئة، تأثرت الاستثمارات الأجنبية بالتأكيد بتداعيات أزمة كورونا، لكن أتوقع أن تساهم دعائم الاقتصاد المحلي في وقت ما في استعادة التدفقات الأجنبية.

أداء الاستثمارات الأجنبية طبيعي في أوقات التقلبات العنيفة.. ومصر مؤهلة لاستعادتها فور استقرار الأوضاع عالميًّا

وأهم عنصر بالأسواق المالية هو عملية استمرارية التداول واستقرار المعاملات، وهذه نقطة محورية نحب أن نؤكد عليها دائمًا، أننا ولله الحمد لم نتأثر بالأزمة العنيفة الراهنة، حيث اتسمت المعاملات بالاستقرار ولم تتأثر حركة التداولات اليومية، وهذه تعد من أهم المحاور التي تمكن المستثمر عند اتخاذ قراره سواء بالعودة للاستثمار أو التخارج أن يكون لديه الثقة في استقرار التعاملات وتوافر سوق تمكنه من تنفيذ معاملاته وفقًا للضوابط الحاكمة لهذا الأمر.

كما أننا خلال هذه الفترة لا يمكننا القياس على مجموعة من المتغيرات الوقتية وبناء توقعات للمستقبل، فمن الطبيعي خلال فترات التقلبات أن تشهد الأسواق الناشئة حركة تخارج من بعض الاستثمارات الأجنبية بحثًا عن أدوات تتسم بالسيولة العالية، ولكن مع استقرار الأوضاع والتأكد من عدم حدوث تقلبات إضافية بالتوازي مع توافر عوامل الاستقرار في السوق والتداولات تبدأ الاستثمارات الأجنبية في العودة تباعًا.

حابي: شاهدنا خلال الفترة الأخيرة نشاطًا نسبيًّا في طروحات القطاع الخاص على مستوى سندات التوريق فضلًا عن بدء ظهور آلية الصكوك بالسوق المحلية، مما يبشر ببدء توافر المقومات اللازمة لتنشيط السوق الثانوية للسندات وأدوات الدين.. ما هي خطتكم في هذا الصدد؟
فريد: علينا أن نتفق في البداية أن سوق تداول السندات على مستوى العالم تتسم بأنها سوق غير نشطة، حتى لا نحمل أنفسنا ما لا نطيق.

أتوقع عودة نشاط الطروحات مع بداية العام الجديد حال استقرار الأوضاع

فالتداول الثانوي على السندات في العالم بأكمله غير نشط، وهذه طبيعة السند التي تختلف عن السهم في سهولة الحركة والتداول، والسبب وراء ارتفاع معدل التداول على الأسهم مقارنة بسندات الشركات يرجع إلى طبيعة حركة التقلب في الأسعار، والتي تكون كبيرة على مستوى الأسهم وفقًا لتركيبة تعاملات المستثمرين، في حين أن طبيعة المستثمر المؤسسي الحامل للسندات عادة ما يكون أبطأ في حركة البيع والشراء.

وعندما انحصرت معدلات التضخم خلال فترة ما في مصر، وجدنا نشاطًا في حركة طروحات السندات، وهذه هي طبيعة هذه الآلية التمويلية التي تتأثر تلقائيًّا بانخفاض معدل التضخم وما ينتج عنه من تراجع في أسعار الفائدة، مما يدفع الشركات لترتكن لسوق إصدار السندات كبديل تمويلي مناسب وفقًا لأنماطه المختلفة، وبالتالي تقوم سوق أدوات الدين بالشق المهم وهو توفير التمويل، مما يشجع على استقبال مزيد من الإصدارات.

وعندما يرتفع عدد الإصدارات بصورة كبيرة، سيكون متاحًا أمام الشركات والمؤسسات التي تستثمر في السندات أن تداولها بغرض توفير السيولة بما يخلق قدرًا من النشاط بالسوق الثانوية، ولكن قبل أن تنشط سوق الإصدار بالقدر الكافي لا يمكننا الحديث عن سوق ثانوية نشطة لأدوات الدين.

حابي: ما هو الأجل الزمني المتوقع في تقديرك لانتهاء التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا؟
فريد: لا يمكنني التكهن بتوقيت، فهذا الأمر منوط به الأطباء والباحثون عن لقاح للفيروس، وستظل فكرة التعايش مع الأوضاع المتتابع والتدريجي مستمرة مع البحث عن وسائل وآليات جديدة للتعايش، وذلك لحين التوصل لحل جذري للأزمة وانتهائها بشكل كامل.

فمن ناحية سيتم التأقلم والتعايش بدرجة أفضل مع الجائحة مع الوقت، واتخاذ مزيد من الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تؤمن العودة للحياة وفقًا لاشتراطات ومحددات معينة، وعلى الجانب الآخر يتم العمل على إيجاد لقاح قوي ودواء فعال للتصدي لأساس المشكلة من الناحية الصحية.

خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي

الرابط المختصر