ماهر عشم يكتب: الأكسجين حياة

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ طل علينا في أمسية الخميس الماضي على قناة القاهرة والناس “المعلم” الدكتور يوسف بطرس غالي كما وصفه مقدم البرنامج. والدكتور يوسف غني عن التقديم فهو محليًّا تقلد عدة حقائب وزارية مختلفة توجهًا بكونه وزير المالية الأسبق في واحدة من أنجح الوزارات اقتصاديًّا.

إضغط لتحميل تطبيق جريدة حابي

E-Bank

استطاعت تلك الوزارة تحقيق معدلات نمو قياسية والقيام بإصلاحات دقيقة في السياسات المالية والنقدية والضريبية في العقد الأول من الألفية الحالية. دوليًّا حصل على جائزة أفضل وزير مالي في إفريقيا وآسيا عام 2009 وكان رئيس اللجنة المالية والنقدية لصندوق النقد الدولي في عام 2008 أي أنه كان يرأس فريقًا من أفضل مهندسي المالية في العالم بهدف قيادته لبر الأمان في ظل الأزمة العالمية السابقة بنفس السنة والتي تعد آخر أزمة مر بها العالم قبل كورونا.

د. يوسف هو صاحب ثقافة الشراكة بين المالية والمواطن وبدأ القيام بإصلاحات ضريبية جريئة نتج عنها جمع أضعاف الحصيلة الضريبية لموازنة الدولة مع أنه كان قد قام بتخفيض الضرائب. بالإضافة إلى ذلك بدأ برنامجًا طويلًا لتغيير ثقافة الشعب والعاملين بوزارة المالية وخاصة بمصلحة الضرائب لتوطيد مفهوم الشراكة بين المصلحة والممول. قطع الدكتور يوسف مشوارًا طويلًا في تلك الإصلاحات وللأسف لم يتمكن من إتمامه.

شبّه الدكتور يوسف أزمة الثقة نتيجة إفلاس اثنين من أكبر بنوك العالم في 2008 بإنسان به مرض بأحد أعضاء جسمه وإن ضخ 11 تريليون دولار في شهر نجح في استرجاع ذلك المريض لصحته وتعافيه تدريجيًّا.

ثم وصف الأزمة الحالية بإنسان به إصابات بكل أعضاء جسمه. وأن هذا الإنسان يحتاج إلى علاج أكبر وحتى الآن ضخ العالم حسب قوله مبلغًا مماثلًا في ثلاثة أشهر من المنح والضمانات لدى البنوك حتى تقرض من لا ضمان لهم. شدد الدكتور يوسف على أن ضخ السيولة هو غاية في الأهمية حتى يستطيع المريض الاحتفاظ بحياته في هذه المرحلة وهو التحدي الأكبر للجميع.

تطرق الحديث أيضًا إلى المشاكل الناتجة عن انكماش الاستهلاك وحتمية وضرورة توافر السيولة لتنشيط الاستهلاك اللازم لدوران العجلة الاقتصادية. فاستمرار الاستهلاك يحث المصانع ومقدمي الخدمات على الاستمرار في الإنتاج وبالتالي الاحتفاظ بالعمالة واستمرار المساهمات الضريبية المختلفة الأساسية لموازنة أي دولة

وأنا أسمع حديث المعلم البسيط المركب الشيق وتشبيهاته من السهل الممتنع سرحت بخيالي من وحي واقعنا الأليم لأتصور والعياذ بالله من كل شر مريض كورونا يعاني من ضيق شديد بالتنفس ومحاولات الجميع لإيجاد الأكسجين اللازم لمساعدة هذا المريض حتى يستطيع الاحتفاظ بقدرته على التنفس حتى يعبر تلك المرحلة ويمكنه الاعتماد على ذاته من جديد. وتخيلت المستشفى وهو يعاني من كثرة المرضى ويقرر مقاسمة المريض فيما لديه والذي هو غير كافٍ لحياته. لا أعتقد أن النتائج ستكون مبهجة لا للمريض ولا للمستشفي الذي ينتهج تلك السياسة المميتة.

قامت الدولة بجهود كبيرة لا ينكرها أحد في توفير السيولة اللازمة للإقراض والإعلان عن حزم مختلفة لتحفيز الصناعات التي عانت أكثر على البقاء. لكن لم تتوافر في وجهة نظري الآليات التي يمكنها التنفيذ فالبنوك التجارية لم تنجح في الوصول للشركات الصغيرة والمتوسطة ونحتاج بنوكًا متخصصة في إقراض تلك الشركات تستطيع قياس المخاطر واتخاذ القرار بشأنها بسرعة قبل أن نفقدها.

أيضًا فرض مزيد من الضرائب والرسوم حاليًا سواء صريحة أو مستترة هو بمثابة مقاسمة المريض في الأكسجين اللازم لحياته وهو على فراش الموت. الطبقة المتوسطة مرهقة من كثرة الضرائب والرسوم وهي عماد الاستهلاك في الدول. الشركات الصغيرة والمتوسطة تكون 90 بالمئة من القطاع الخاص وهي أيضًا معرضة لظروف غاية في الصعوبة. حياة الدول من حياة شعبها ورخاؤها من رخائهم إن توطدت علاقة الشراكة بين الممول والمنظومة الضريبية.

لا أعلم ماذا حدث لجهود الدكتور يوسف في بناء الثقة وتخفيض الضرائب وزيادة الحصيلة ولكن أتمنى أن تطل علينا من جديد فقد كانت واعدة ومبشرة بالخير للجميع. الممول يأمل في معاملة واضحة وعادلة من قبل مصلحة الضرائب وهذا حقه.

والدولة تأمل في زيادة الحصيلة ودمج الاقتصاد غير الرسمي ومكافحة التهرب الضريبي بكل صوره وهذا أيضًا حقها والذي بالتأكيد سيعود بالخير على الجميع. الترتيب مهم هنا فلا بد أن يشعر المواطن بالعدالة والثقة أولًا حتى يمكن للدولة ضمان تحصيل مستحقاتها الضريبية بدقة وسرعة.

خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي

الرابط المختصر