بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ تتميز أسواق المال العالمية بأنها تتيح للمبتكرين مجالًا خصبًا لإمكانية استحداث أدوات مالية جديدة يمكن تداولها.
وأشهر أدوات مالية معروفة للجميع وأصل كل ابتكار هي الأسهم والسندات والسلع والعملات والفائدة. فالأسهم تمثل مقدار مساهمة صاحبها في رأس المال في الشركات والسند هو صك مقابل مديونية لإحدى الدول أو الشركات مقابل فائدة على أن يرد أصل الدين بعد زمن محدد. إما مبادلة العملات فهي أساسية للتجارة العالمية والسفر. وتجارة السلع هي الأقدم عالميًّا حتى أن السلع هي أصل النقود.
استحدثت المشتقات المالية على السلع بإنشاء بورصة شيكاغو عام 1865 والمشتقات هي عقود مالية بين طرفين أو أكثر تستمد قيمتها من أصل أساسي Underlying Asset كسهم أو سند أو سلعة.
وأنواع المشتقات عديدة ويتم استحداث الجديد منها كل يوم لكن تنتمي إلى عائلات رئيسية أشهرها العقود المستقبلية Futures والخيارات Options والعقود الآجلة Forwards وعقود المبادلات Swaps وغيرها. واختارت العائلتان الأبسط على سبيل المثال:
العقود المستقبلية هي اتفاق مستقبلي بين طرفين يلزم كلاهما على تسليم الأصل الأساسي سواء كان ورقة مالية أو سندًا أو سلعة أو عملة في تاريخ محدد في المستقبل مقابل سعر محدد في الاتفاق أو العقد. فيمكن أن أشتري سهمًا معينًا بسعر محدد والتنفيذ بعد عام إذا كانت توقعاتي أن السعر سيرتفع مثلًا.
الخيارات هي عقود لها نفس خصائص المستقبليات ولكنها تعطي لأحد الطرفين الاختيار بين تنفيذ التعاقد أو عدم تنفيذه. والخيارات نوعان فخيار البيع يعطي البائع الحق في بيع تنفيذ العقد في حال انخفاض القيمة السوقية للأصل الأساسي وقت التنفيذ أو عدم التنفيذ في حالة ارتفاع السعر مقابل مكافأة مالية. وخيار الشراء يعطي المشتري حق التنفيذ إن كانت القيمة السوقية للأصل الأساسي قد ارتفعت أو العكس لو كانت قد انخفضت.
المشتقات استحدثت لاستخدامين أساسيين إما المضاربة أو التحوط. فلو كانت التوقعات بارتفاع سعر سلعة معينة في المستقبل يمكنني المضاربة بشراء عقد مستقبلي لتلك السلعة الآن وأقوم بالتنفيذ وبيع الأصل الأساسي عند استلامه. عندئذ يكورن ربحي هو الفرق بين القيمة السوقية للأصل في المستقبل والقيمة التي قمت بدفعها مقابل العقد المستقبلي .
أما عن التحوط فيمكننا أن نفترض أن لدينا مصنعًا ينتج سيارات في مصر وأننا نقوم ببيعها بالجنيه المصري ويدخل في صناعتها مكونات مستوردة من أوروبا باليورو. ونظرًا لطبيعة الدورة الصناعية فلا بد من استيراد المكونات أولًا باليورو ثم بيع السيارة بعد إنتاجها بالجنيه. فلو حدث تغير كبير في سعر الصرف يمكن أن يؤدي إلى تآكل الأرباح أو لا قدر الله تحقيق خسائر. هنا تأتي فائدة المشتقات فالعقود المستقبلية تضمن لنا أساسًا ثابتًا للتسعير لا يتأثر بتقلبات سعر الصرف ويضمن لنا هامش الربح بالرغم منها.
الأمثلة كثيرة ولكن للمضاربة خطورتها وفوائدها وللتحوط ضد مخاطر التقلبات السعرية أهمية كبرى في شتى مجالات الاستثمار والتجارة والصناعة. وبذلك تسهل عملية التخطيط للتدفقات النقدية لأي مشروع أو استثمار.
المشتقات في أسواق العملات والفائدة هي مهمة البنوك وهي التي تقدم تلك الخدمات لعملائها وتساعدهم بالمشورة في كيفية المضاربة أو التحوط تحت إشراف البنك المركزي.
المشتقات من السلع تحتاج إلى تواجد سوق أولي منظم لعقود السلع ومن منا لم يرَ أنه كان لدينا بورصة لتداول القطن في الأفلام المصرية القديمة واندثرت تلك السوق وفي أعقاب التغيرات التي حدثت للاقتصاد من ثورة يوليو 1952 وانتقل كل خبرائه بما يعرفون إلى رحمة الله.
ولنا سنوات طويلة ونحن نسمع عن مخططات جادة لإقامة بورصة للسلع دون تنفيذ. وأنا أعلم أن إقامة بورصة السلع ليست يسيرة وتتطلب بناء مخازن وصوامع إلى آخره ولكن لدينا كل مقومات النجاح لتلك السوق واستغلال موقعنا الجغرافي وكل التطوير والبناء على محور القناة في إنشاء سوق سلع إقليمي يمكن بناء المشتقات السلعية عليه فيما بعد وأتمنى أن أرى يومًا خطة حقيقية تحول التصريحات التي كبرنا ونحن نسمعها إلى واقع.
أما سوق مشتقات الأوراق المالية فتحتاج قبل تنفيذها إلى خاصية السيولة المرتفعة وعمق السوق فهما ركنان أساسيان لتنفيذ أبسط أنواع المشتقات على الأسهم. لذلك في رأيي أي كلام عن المشتقات في الأوراق المالية قبل إصلاح السوق وتحقيق السيولة والعمق هو مضيعة للوقت وإهدار للأموال.
المشتقات مهمة للاقتصاد وللاستثمار والتحوط وكذلك الأسواق المالية بأنواعها وأشكالها المختلفة ولدينا جميع المقومات لإنجاحها وأتمنى أن ترجع مصر إلى مكانها الرائد على مستوى العالم وأن لا تتسرع في بناء الأسواق الجديدة قبل إصلاح الأسس الموجودة حاليًا حتى تكلل المجهودات بالنجاح.
خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي