انفجار ميناء بيروت يضع الاقتصاد اللبناني في حرج
5 مليارات دولار حجم الخسائر الأولية.. وصندوق النقد الدولي يمد يد العون
وكالات _ جاء انفجار ميناء بيروت البحري الأسبوع الماضي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وكأن لبنان كان بحاجة لما حدث إلى جانب كل ما يعانيه من أزمات، حيث يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، سجلت تراجعًا غير مسبوق لقيمة الليرة اللبنانية، وارتفاعات تاريخية في مستويات التضخم، بالإضافة إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر، وانخفاض معدلات النمو التي تكاد تكون معدومة، إلى جانب الديون المتراكمة والتي تقدر بمليارات الدولارت.
ويعتبر ميناء بيروت البحري محورًا أساسيًا من محاور الاقتصاد اللبناني، لأنه أكبر نقطة شحن في البلاد، ويعد ركيزة أساسية في عمليات الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى أنه يشكل 70% من التبادل التجاري بين لبنان ودول العالم.
يتعامل ميناء بيروت مع 300 ميناء عالمي، ويقدر عدد السفن التي ترسو فيه بنحو 3100 سفينة سنويا.
ويتألف الميناء من 4 أحواض يصل عمقها إلى 24 مترًا، إضافة إلى حوض خامس كان قيد الإنشاء. كما يضم 16 رصيفًا والعديد من المستودعات وصوامع تخزين القمح والحبوب، تعد بمثابة خزان احتياطي استراتيجي، وتشكل قاعدة بيروت البحرية جزءًا من الميناء.
وبحسب مؤشر الأونكتاد لتقييم فعالية وتقاطع خطوط الشحن البحري، احتل لبنان عام 2018 المرتبة الـ 38 من أصل 171 دولة برصيد 47.17 نقطة.
توقفت حركة الاستيراد والتصدير، ناهيك عن الخسائر التي لا يمكن تقدير حجمها في الوقت الحالي، وهي ضخمة و قد تستمر لعقود.
أشار وزير الاقتصاد اللبناني، راوول نعمة، في تصريحات له، إلى أنه «لا يمكن استخدام القمح المخزّن في صوامع ميناء بيروت لأنه بات ملوثًا جراء الانفجار».
ومعظم المخازن في الميناء كانت تحتوي على مواد غذائية بشكل أساسي مع بعض الكماليات، وهذا قد يؤدي إلى أزمة غذاء في لبنان.
صعوبة في توفير السيولة النقدية اللازمة لإعادة بناء الميناء والمرافق المحيطة
المشكلة الأبرز لدى البلاد، هي توفير السيولة النقدية اللازمة لإعادة بناء الميناء والمرافق التجارية والسكنية، وهي أزمة قد تطال شركات تأمين عاملة في السوق المحلية، ستكون في مواجهة تعويضات بمئات الملايين من الدولارات.
ويضم لبنان مجموعة من الموانئ على طول الخط الساحلي، كميناء طرابلس (شمالي لبنان)، وميناء صيدا وصور (جنوب لبنان). لكن مراقبين يرون أن السعة الاستيعابية لميناء بيروت لا يمكن تعويضها.
وعلى الرغم من أن خسائر الانفجار لم يتم حصرها بشكل رسمي إلا أن محافظ بيروت قدرها بشكل مبدأي لتتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة مليارات دولار، وهو ما يعد مؤشرًا واضحًا على حجم الأزمة التي تواجه لبنان.
وتعادل قيمة الخسائر الأولية البالغة 5 مليارات دولار، نحو 9.36 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبنان خلال 2019، والذي يقدر بحوالي 53 مليار دولار.
كذلك، يعادل المبلغ أربعة أضعاف قيمة سندات يوروبوند (أدوات دين بالدولار) تخلف لبنان عن سدادها في مارس الماضي، والبالغة 1.2 مليار دولار؛ كما تعادل الخسائر 25 في المئة من احتياطي النقد الأجنبي للبلاد البالغ 20 مليار دولار.
وبحسب وكالة رويترز فإنه بات من الممكن الآن أن ينكمش الاقتصاد اللبناني، المكروب بالفعل من قبل الانفجار الذي دمر ميناءه الرئيسي، بمثلي المعدل المتوقع سابقا للعام الحالي، مما سيزيد صعوبة تدبير التمويل الذي يحتاجه البلد للوقوف على قدميه من جديد
ويقول الاقتصاديون إن انفجار الثلاثاء، الذي ألحق أضرارا بأجزاء كبيرة من المرافق التجارية لبيروت، قد يفضي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي حوالي 20 إلى 25 بالمئة هذا العام – ليتجاوز بكثير توقعا حديثا من صندوق النقد الدولي لتراجع نسبته 12 بالمئة بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة
وتشير تقديرات المسؤولين اللبنانيين إلى أن الخسائر الناجمة عن الانفجار، الذي أودى بحياة 150 شخصا وأصاب الآلاف فضلا عن تشريد عشرات الآلاف، قد تصل إلى مليارات الدولارات
كانت أزمة مالية أجبرت لبنان بالفعل على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في مايو أيار من العام الحالي بعد أن تخلف عن سداد ديونه بالعملة الصعبة، لكن تلك المحادثات تعثرت في غياب الإصلاحات
ولكن لم تجد هذه المفاوضات حتى الآن أي جدوى، وفق تصريحات كريستالينا جورجيفا، مدير عام صندوق النقد الدولي، وبعد حادث الانفجار جاء الصندوق ببيان رسمي يوم الخميس الماضي يقول فيه إنه يستطلع جميع السبل الممكنة لدعم الشعب اللبناني عقب الانفجار المروع الذي هز العاصمة بيروت، وحث السلطات على المضي في إصلاحات.
وحثت جورجيفا المجتمع الدولي أيضا وأصدقاء لبنان على «تقديم يد العون».
وقالت «صندوق النقد يستكشف جميع السبل الممكنة لدعم الشعب اللبناني.. من الضروري كسر الجمود في المناقشات المتعلقة بالإصلاحات اللازمة ووضع برنامج جاد لإقالة الاقتصاد من عثرته وإرساء أسس المساءلة والثقة في مستقبل البلاد».
ودخلت الحكومة اللبنانية في محادثات مع صندوق النقد في مايو بعد التخلف عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية، لكن المفاوضات تعطلت في غياب الإصلاحات ووسط خلافات بين الحكومة والبنوك والسياسيين حيال الخسائر المالية الضخمة التي ستتحملها البلاد.
من ناحية أخرى يقول المحللون إن الانفجار يسلط الضوء على إهمال الإدارة اللبنانية ويفرض مزيدًا من الضغوط على الحكومة للتعجيل بالإصلاحات كي تحصل على المساعدة الضرورية لإعادة بناء الاقتصاد
ورغم إبداء التعاطف الواسع مع لبنان هذا الأسبوع، فقد لوحظ غياب أي التزامات بتقديم المساعدة حتى الآن، عدا عن الدعم الإنساني الطارئ.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الخميس بينما كان يتفقد الدمار الذي أصاب ميناء بيروت ”في حالة عدم تنفيذ إصلاحات، فإن لبنان سيستمر في الغرق
في غضون ذلك تبدي دول الخليج، التي سبق أن مدت يد العون للبنان، عزوفا عن المساعدة في إنقاذ بلد لحزب الله المدعوم من إيران نفوذ قوي فيه.
وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، «من المستبعد للغاية أن يتمكن لبنان من تدبير التمويل الذي يحتاجه للتغلب على مشاكله الاقتصادية العميقة. بعض الشركاء قد يبدون ترددا في تقديم الدعم نظرا للدور المؤثر لحزب الله المدعوم من إيران داخل الحكومة اللبنانية.
وبلغت الأزمة المالية اللبنانية مرحلة حرجة في أكتوبر الماضي في ظل تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع احتجاجات ضد الفساد وسوء الإدارة، بينما حدت أزمة في العملة الصعبة البنوك لفرض قيود صارمة على سحب السيولة وتحويل الأموال إلى الخارج.
وجدد الانفجار الضغط على الليرة اللبنانية، التي جرى تداولها بنحو 8300 ليرة للدولار في السوق السوداء عقب الانفجار، مقارنة مع ثمانية آلاف قبله، حسبما قال متعاملون.
ويتوقع الاقتصاديون مزيدا من التآكل في القوة الشرائية للعملة، التي فقدت نحو 80 بالمئة من قيمتها منذ أكتوبر وسط تضخم فلكي يتجاوز 56 بالمئة، مما يؤجج التوترات الاجتماعية.
ويقول الاقتصاديون إن الإصلاحات الأشد إلحاحا التي يجب تطبيقها لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد تشمل معالجة عجز الميزانية الجامح وتنامي الديون والفساد المزمن.
وقال باترك كوران، كبير الاقتصاديين بشركة تِليمر للأبحاث في بريطانيا، «نرى أن الانفجار قد يؤخر عملية الإصلاح في ظل محاولة الحكومة التنصل من المسؤولية، مما سيؤدي إلى تآكل رأس المال السياسي الضروري لإجراء إصلاحات صعبة لكن الحاجة تشتد لها.
ويقول رجال الأعمال والاقتصاديون إن الميناء – أحد أكبر موانئ شرق المتوسط والذي تتوجه 40 بالمئة من شحناته العابرة إلى سوريا ومنطقة الشرق الأوسط
– فقد بالفعل إيرادات وأعمالا منذ الانفجار لصالح موانئ منافسة مع قيام شركات النقل البحري بتحويل اتجاه شحنات.
وقال جواد العناني، الاستشاري الاقتصادي الإقليمي والوزير الأردني السابق، «اتضح أن الميناء هو نقطة ضعف (لبنان).. الاعتماد عليه كان أكبر مما ينبغي، لذا عندما لحقه الدمار اتضح أنه كان كعب أخيل.
فتح ديفيد سابيلا مطعما إيطاليا وحانة قبل 18 شهرا بمنطقة الجميزة القريبة من الميناء، وقد تحطم كليهما في الانفجار. يقول ”الحكومة لازم ترحمنا، ما صار معي شيء.
ولن تفضي التوترات السياسية المتصاعدة منذ الانفجار إلا لمزيد من التدهور وتعقد جهود تسريع الإصلاحات، مما يدفع البلد صوب مستقبل مجهول.
ويقول كمال حمدان، مدير مؤسسة البحوث والاستشارات في بيروت، ”النظرة المستقبلية تبعث على الاكتئاب في ظل الصراعات الدائرة بين طبقة سياسية غير متوافقة على سبيل للخروج من الأزمة وغير مستعدة لتناول الدواء المر.
وفي سياق متصل قالت مصادر بقطاع التأمين أنه من المرجح أن يبلغ إجمالي خسائر انفجار مستودع ميناء بيروت المؤمن عليها نحو ثلاثة مليارات دولار، وهو ما يوازي الخسائر المؤمن عليها في انفجار بميناء تيانجين الصيني في 2015.
ويقول مسئولون أن الانفجار ربما تسبب في خسائر اقتصادية بقيمة 15 مليار دولار، والكثير من هذه الخسائر لم يكن مؤمنا عليه.
لكن تقديرات سويس ري أشارت إلي أن الخسائر المؤمن عليها ضد الانفجارات بمستودع في تيانجين، والتي قتلت ما لا يقل عن 116 شخصا، تتراوح بين 2.5 و3.5 مليار دولار.
وقال جيسلين لو كام مدير التحليلات لدى أية.أم بست “إذا رسمت مقارنة مع تيانجين، فستلحظ خسائر تأمينية كبيرة”.
الأزمة تطال شركات التأمين وتواجه تعويضات بمئات الملايين من الدولارات
وقدّر مصدر تأميني، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الأمر، خسائر انفجار بيروت المؤمن عليها بين مليارين وثلاثة مليارات دولار.
يشمل ذلك مطالبات من الميناء نفسه على خلفية الأضرار التي لحقت بالمنشأة وتعطل النشاط، وهو ما قد يصل إجماليه إلي “بضع مئات ملايين” الدولارات.
وقالت ميونيخ ري هذا الأسبوع أن الانفجار سيتسبب على الأرجح في مطالبات كبيرة، لكنها لا يمكنها حتى الأن إعطاء تقدير.
كما قالت إكسا واليانز، وهما من شركات التأمين العالمية الكبرى العاملة في لبنان، أن من المبكر جدا لأوانه الخروج بأي أرقام.
كانت الخسائر في تيانجين مرتفعة لأسباب منها قيمة آلاف السيارات المستوردة المخزنة بالميناء.
وفي بيروت، دمر الانفجار صومعة الحبوب الوحيدة بلبنان.
ويستورد لبنان، وهو بلد يبلغ عدد سكانه نحو ستة ملايين، كل احتياجاته من القمح تقريبا.
وقال مصدر ثان طلب عدم الكشف عن هويته أنه بالرغم من إن الخسائر المرتبطة بالبضائع المخزنة بميناء بيروت ستكون على الأرجح أقل منها في تيانجين، فستظل كبيرة.
لكن انفجار بيروت دمر أيضا عقارات سكنية وتجارية، بما في ذلك مطاعم وفنادق، وهو ما تقول مصادر أنه سيشكل على الأرجح غالبية المطالبات التأمينية.
خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي