ماهر عشم يكتب: نعمة أم نقمة؟

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ قلما اتفقت وجهات النظر على الزيادة السكانية المرتفعة وإذا كانت تلك الزيادة نعمة أم نقمة على الدول صاحبة المعدلات المرتفعة. ومن وجهة نظري أن الزيادة السكانية لها تحديات كبيرة أقلها تتمثل في توفير المسكن والوظيفة.

اضغط لتحميل تطبيق جريدة حابي

E-Bank

لكن يمكن الاستفادة من تلك الزيادة وتحويلها إلى قوة جبارة بالتربية السليمة والتعليم الجيد. فالتعليم هو حجر الأساس في تحويل السكان إلى قوة اقتصادية منتجة تزيد معدلات النمو في بلادها وبالتالي توفر لنفسها بيئة مريحة ماديًّا واجتماعيًّا. أما إذا شكلت زيادة جاهلة مثلت عبئًا على اقتصاد الدولة وعلى الجزء المنتج بها وتحولت إلى قنبلة موقوتة ذاتية الانفجار ماديًّا واجتماعيًّا أيضًا.

يزيد عدد السكان في مصر بمعدل %2.5 سنويًّا ولو افترضنا أن عدد السكان في مصر نحو مائة مليون واعتبرنا حتى أن الزيادة بسيطة وليست مركبة نتوقع أن يصل العدد إلى 125 مليون نسمة بحلول عام 2030. من المائة مليون مصري هناك 23 مليون طالب بالمدارس في مصر. عشرة بالمائة منهم بالمدارس الخاصة وتسعون بالمائة بالمدارس الحكومية. 20 بالمائة من طلاب المدارس بالقاهرة الكبرى ولكن يختلف التوزيع بين حكومي وخاص إذ إن نصيب المدارس الخاصة من الطلاب في القاهرة الكبرى نحو %40.

طبقًا لدراسة أعدت بواسطة كوليرز إنترناشونال فإن مصر تحتاج إلى 11 مليون مقعد تعليمي جديد بحلول 2030. ولو استخدمنا النسب نفسها لوجدنا أن المدارس الخاصة تحتاج أن تزيد بمعدل مليون ومائة ألف مقعد تقريبًا. ولو اتفقنا على أن جودة التعليم بالمدارس الخاصة أعلى من المدارس الحكومية لزاد الاحتياج لتلك المقاعد الجديدة. من نفس الدراسة أيضًا نستنتج نقصًا شديدًا في المدارس الخاصة خارج القاهرة الكبرى وفي المناطق منخفضة الدخل وهذا طبيعي إذ إن المدارس الحكومية مجانية “نظريًّا” إن أغفلنا المصروفات المقنعة والدروس الخصوصية الضرورية لانتقال الطالب ونجاحه من فصل دراسي لآخر.

بناء على ما سبق نستنتج أولًا وجود سوق واعدة للاستثمار في المدارس الخاصة وثانيًا حتمية وجود خطة دقيقة لزيادة عدد المقاعد المدرسية الحكومية مع النهوض بجودتها. يترتب على ما سبق وجوب تعليم وتأهيل عدد من المعلمين كافٍ لاحتياج تلك المدارس الجديدة. ومن هذا المنطلق أود عرض بعض الأفكار التي قد تكون في حسبان الوزارة وإن لم تكن أود لفت النظر إليها:

1. يجب الفصل في خطط التوسع في المدارس بين القرية والمركز والمدينة. فالخطة المناسبة للمدينة قطعًا لا تناسب القرية. فتعميم التابلت مثلًا يتطلب وجود بنية كهربائية ومعلوماتية قد لا تتوافر في القرية.

2. بعد تجربة التعليم الرقمي التي اضطررنا لتنفيذها جميعًا نتيجة لوباء كورونا فإن نظام الدمج بين التعليم الرقمي عن بعد والتعليم النظامي قد يضاعف القدرة الاستيعابية للمدرسة الواحدة وبالتالي يقلل من الاستثمار المطلوب للمدارس الحكومية ويزيد من العائد على الاستثمار في المدارس الخاصة.

3. يجب تشجيع وتحفيز الاستثمار في التعليم مع الرقابة على جودته. تلك الرقابة التي تسهل العراقيل بدلًا من أن توجدها وتحافظ على الجودة في الوقت نفسه. كما يجب زيادة التسهيلات والحوافز على الاستثمار في التعليم الخاص خارج القاهرة.

4. يجب الإكثار من وتشجيع الاستثمار في المدارس الخاصة التي تناسب الأسر ذات الدخل المتوسط والتي ترغب بأن تلحق أبنائها بمدارس غير حكومية.

5. يجب توفير أراضٍ في مواقع مناسبة وذات مساحات كافية وبأسعار جاذبة للاستثمار في مجال التعليم. فالاستثمار في ذلك المجال يتطلب رؤس أموال كافية للأرض وإقامة المباني وتجهيزها وصيانتها وتشغيلها. لذلك فعدم مبالغة الدولة في أسعار أراضي المدارس قد يزيد من جاذبية الاستثمار بها.

6. يجب على الرقيب “وزارة التربية والتعليم” بأجهزتها التنسيق مع التعليم العالي لتعليم وتثقيف وتأهيل معلمين قادرين على النهوض بالأجيال القادمة نفسيًّا وعلميًّا وفكريًّا واجتماعيًّا. أذكر بكل الخير مدرسينا بالمراحل المختلفة وكيف بنتنا ثقافتهم ومحبتهم وصرامتهم وحسن سلوكهم وأخلاقهم ومظهرهم. وتلك الصفات التي شح وجودها تلك الأيام تحتاج إلى تأهيل وبناء على الأقل قبل الزج بهم في المدارس.

7. قبل كل هذا أطالب المجلس القومي للمرأة بتبني خطة قومية على أعلى مستوى مع كل وزارات الدولة وأجهزتها وبالتضافر مع المجتمع المدني لتأهيل الأم المصرية. فكما قال الشاعر الأم مدرسةُ إن أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق.

8. كانت هناك مادة تدرس في غاية الأهمية وتم حذفها وهي مادة الأخلاق. سلوكيات الشارع والعامة تدل على أننا نحتاج إلى إعادة تلك المادة للمنهج الدراسي والتركيز عليها وتأهيل معلمين لها.

9. نجحت مدارس خاصة كثيرة في تخريج أجيال صالحة تحب بلدها وتحب مجتمعها وتتقبل الآخر مثل مدارس الراهبات التي أفتخر بأني خريج واحدة منها فلنعمم التجربة ونتعلم من تلك التركيبة الخاصة والناجحة جدًّا.

لا غنى عن التعليم لاستيعاب تلك الزيادة السكانية الرهيبة وهذه دعوة للاستثمار في هذا المجال الواعد ذي العائد الجيد والهدف السامي. لذا فيجب على الدولة تشجيعه وتحفيزه والاهتمام به لأنه إن غاب تحولت الزيادة السكانية من نعمة إلى نقمة.

خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي

الرابط المختصر