بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ في عام 1975 ابتكر موظف بشركة كوداك أول كاميرا رقمية تعمل دون أفلام وتحميض وفي عام 2011 أشهرت الشركة العالمية إفلاسها نظرًا لاستمرارها في الاعتماد على الأفلام والتحميض كمصدر أساسي للريح والتي اختفى الطلب عليها والرغبة في استخدامها. طورت شركات أخرى هذا الابتكار وحققت أرباحًا طائلة من ورائه ولم تستفد كوداك صاحبة الشأن.
ابتكرت شركة زيروكس أول حاسب شخصي ولأن إدارتها ظلت مقتنعة بماكينات التصوير أكثر فاتها قطار صناعة وتكنولوجيا الحاسبات الشخصية وقل الاحتياج إلى والطلب على ماكينات التصوير الورقية.
أمثلة كثيرة لكبرى الشركات في العالم التي صغر حجمها وفقدت ريادتها أو وجودها من الأساس بسبب الابتكار المزعزع أو بسبب تخليها عن التحول الرقمي مع أنها أساسًا صاحبة الفضل في تلك الابتكارات.
التحول الرقمي وسيلة وليس غاية فمهمة أي مسؤول أو رئيس شركة هي تعظيم ثروات المساهمين مع الحفاظ على نمو الشركة وتحقيق الهدف من وجودها. وعليه فإن التحول الرقمي إن لم يصب في اتجاه تعظيم الإيرادات وخفض التكلفة فهو غير مجدٍ ولا داعي له.
سبب آخر لوجود التحول الرقمي هو التيسير على المواطنين في إجراءتهم وتعاملهم مع الحكومات والمحليات بالإضافة إلى محاربة الفساد والحفاظ على إيرادات الدولة دون تسرب أو فقد يذكر نتيجة لفساد بعض موظفيها.
بالإضافة لما سبق فالتحول الرقمي كثيرًا ما يكون ضرورة للبقاء وأحيانًا لا يشعر المسؤولون عن الشركات بذلك إلا عند ظهور الابتكار المزعزع وحينئذ يكون قد فات الأوان وأصبح الإفلاس واقعًا لا هروب منه كالأمثلة السابقة.
لذا فعلى المسؤولين عن الشركات والجهات التي تقدم خدمات وتتعامل مع المواطنين ضرورة بحث التحول الرقمي والاحتياج له وتطبيقاته ووضع تصور وخطة لتبنيه قبل فوات الأوان وأحاول في مقالي عرض خطوات مهمة للمضي قدمًا في الطريق نحو الرقمنة.
أولًا: فلنتعلم من تجارب الآخرين الذين توقفت أعمالهم ونتعامل مع التحول الرقمي على أنه الواقع وليس المستقبل. فيجب تكوين فريق من الكوادر المهتمة والمطلعة على المستجدات الرقمية في مجال عمل الشركة بالإضافة إلى عناصر من الإدارة والاستعانة باستشاريين أن لزم الأمر.
ثانيًا: التحول الرقمي ثقافة من دونها لن ينجح أحد في رقمنة أي مكان غالبية من يعمل به من رافضي تلك الثقافة مهما توفرت الإمكانيات وإن أتيحت لهم أحدث النظم. فهناك تخوف دائم لدى العاملين من فقدهم لوظائفهم بسبب التحول الرقمي أو من تخوفهم من عدم امتلاك الإمكانيات اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد. لذا فدون نشر تلك الثقافة تستحيل الرقمنة. ابحث عن الكوادر المطلعة رقميًّا. شجع الابتكار وتبنَّ برامج التدريب التي تمد الموظفين بالمهارات اللازمة لاستيعاب التحول الرقمي.
ثالثًا: ضع أهدافًا محددة للرقمنة تخدم استدامة الشركة وتقديم خدمات أفضل وتعظيم الأرباح وخفض التكاليف مع الحفاظ على أهداف الشركة ومسؤوليتها الاجتماعية. ابدأ بالأهداف ذات العائد الأوضح والأسرع وقد تخدم أهداف التحول الرقمي أحد الأركان التالية:
1. التعامل مع العملاء والتواصل معهم عن طريق التسويق الرقمي أو التجارة الإلكترونية مثلًا. أيضًا تقدم تحليلات البيانات مزيدًا من الفهم لاحتياجات العميل وبالتالي خدمته بصورة أفضل إمكانية متابعته وخدمته خارج ساعات العمل الرئيسية أو خارج النطاق الجغرافي المعتاد.
2. تقديم التمكين الرقمي للموظفين ليكونوا قادرين على أداء المهام المطلوبة منهم بصورة أدق وأسرع وأفضل. يتضمن ذلك تمكين الموظفين من أداء وظائفهم من المنزل عن طريق ربطهم بأنظمة الشركة وتمكينهم من العمل من أي مكان وهو احتياج اختبرته جميع المؤسسات في أثناء الموجة الأولى من وباء كورونا.
3. معالجة سير العمليات ( Processes) بالآليات الرقمية لاختصار الوقت والمجهود والتكلفة وتقليل الفاقد.
4. ابتكار المنتجات التي تقدمها الشركة لتكون مواكبة للعصر أو استحداث الجديد منها القادر على المنافسة بصورة أفضل.
أخيرًا عندما تتمكن من تحديد الأهداف فعليك اختيار الأدوات الرقمية من نظم معلومات وحاسبات وكوادر بشرية قادرة على تحقيق تلك الأهداف. يجب بقدر الإمكان الاعتماد على الأنظمة المتاحة ذات المواصفات القياسية وتعديل مجريات سير العمليات لتوافق تلك النظم وليس العكس. كما أن الاعتماد على مراكز البيانات أفضل كثيرًا من الاستثمار الكبير في أجهزة الحاسبات نظرًا لأفضلية الأولى من حيث استدامة الخدمات وانخفاض تكلفة التشغيل وانعدام الحاجة إلى استثمار أولي عالٍ بالأجهزة.
التحول الرقمي والبناء على آخر ما توصل إليه العالم ضرورة حتمية للاستدامة والبقاء ولا غنى لفرد أو مؤسسة عن الاضطلاع على مستجداته وتعظيم الاستفادة منه. فمن دونه فقدت شركات عالمية وعملاقة وجودها فلنتعلم منها ولنلحق بالقطار فائق السرعة.
خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي