بقلم أحمد رضوان رئيس تحرير جريدة حابي _ لا أشك أن شابًا أسمر اللون كان من بين أولئك الذين تنمروا على كابتن نادي الزمالك محمود عبد الرازق شيكابالا، الذي يواجه بصورة شبه موسمية ألوانا مختلفة من العنصرية، ويعاب عليه ردوده التي لا تقل سوءًا، ولا تعبر عما يجب أن يكون عليه من صفات قائد الفريق، لدرجة أعمته عن حقيقة باتت واضحة، هي توقف المسيئين له عن التشكيك في مهاراته وموهبته، والاكتفاء فقط بانتقاد لون بشرته وعمره، وهل يُعاب على الإنسان بسبب هذا أو تلك؟!.
قدم شيكابالا بطيبة، بسذاجة، وربما عن عمد، الوقود اللازم لإشعال وإظهار صفات أؤمن أنها ليست حقيقة في وجدان وضمير أهل هذا البلد المشبع بالقدرة على استيعاب الجميع ولو كانوا غرباء، لكنه في الوقت نفسه، يفتح مساحات واسعة للجهلاء ليكونوا في صدارة الصورة، فلا يميز الرائي منها إلا كل كريه، ويستحيل على من يحاول إعادة نقشها إظهار الجمال الذي أخفته جماعة الرابحين من الإثارة.
هذه الجماعة تربح في صورة (ترافيك) على موقعها الذي لم يعد محتواه مختلفًا كثيرًا عن حكاوي الغوغاء والجهلاء الزاخرة بالعبارات المبتورة من سياقها، وتلك الجماعة تبحث عن جدل حول ما تتبناه من مواقف شديدة الغرابة، فربما يزيدها ذلك حضورًا، أما هؤلاء فينتظرون الظهور في ثوب الحكيم الذي جاء متأخرًا ليفض الخلاف بحديث خائب عن بديهيات، وأخيرا، أولئك الذين يلعبون دائما في مساحة وسط، يضربون هذا على وجهه وهذا على وجهه، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لم تكن لمظاهر العنصرية والتمييز على أساس لون البشرة أن تطغى إلا بوجود كل هؤلاء المنتفعين باختلاف درجة انتفاعهم ومهاراتهم في قنصها، وهم أنفسهم من صنعوا ظاهرة الإفراط في التشفي أو التباهي التي ربما سقطنا فيها جميعا إلا من رحم ربي، وأعرف أنه من الصعب الخروج منها بين يوم وليلة.
أحب شيكابالا وأدرك طبيعته الطيبة وأفعاله التي يكسوها الخير والصدق، وأدرك أنه كأخي وأخيك الذي قد يرتبك بشدة في مواجهة ضغوط الإساءات، فلا يكون أمامه إلا الردود القاسية التي لا تقل سوءًا عما يكرهه. أحب شيكابالا وأفهم أخطاءه وأرفضها تمام الرفض، مثلما أحب صديقي الذي أساء إليه رغم رفضي لعنصريته غير الأصيلة. أحب شيكابالا مثلما أحب جميع الطيبين والموهوبين والمخطئين.
الكثير من مشاكلنا الكبيرة حلولها أبسط مما نتخيل، حلولها تكمن في التسامح، تسامح يجعلنا نبصر الأصيل فينا والدخيل، تسامح يرينا ويشعرنا بمرارة الكيد والتشفي والتفاخر والتكبر التي لعبت بنا فورطتنا تارة في خانة العنصرية، وتارة أخرى في خانة موت الشعور.
كل من انتقدوا شيكابالا بسبب لون بشرته، في أضعف الإيمان، لهم أصدقاء وأخوة من نفس لونه الأسمر الجميل، وغالبية من صمتوا على ذلك لم يكن لهم أن يصمتوا إلا وهم على دراية أن الأمر إما ذوبعة في فنجان سرعان ما ستهدأ، أو اعتادوا عبور الكرام على الأخبار الإثارية دون أن يدركوا أنه من الممكن أن يستصيغوها يوما ما من فرط تكالب المواقع على نشرها، وبالتبعية لم يأخذوا الموقف المناسب ضدها.
بين الغالبية الأصيلة التي لا تعرف العنصرية لقلوبها وعقولها سبيلا، والغالبية المطمئنة دائما أن مصير هذه الموجات هو هدوء البحر، يجب التعامل بمنتهى الوضوح قبل الشدة مع من هم عكس هؤلاء، الوضوح يبدأ بتشريعات تحصر الحالات التي لا تهاون في تطبيق العقوبة اللازمة معها، الوضوح يضمن للمتورط عن غير عمد، إدراك مخاطر التماهي مع السيء، الوضوح يشير إلى ما هو مرفوض، وجزائه أيضا.
جميل أن نطوي الصفحات السيئة بوضع القواعد وسن القوانين، ولكن الأجمل أن يسبقهما التسامح والرحمة، أما التسابق على جمع وسرد سوابق الأفعال السيئة فلا ولن يبرر السيء.
خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي