ماهر عشم يكتب.. دخول وخروج

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ ولد الاستثمار من رحم الإنسان يحب الحرية ولا يرغب أن يكون حبيسًا في زمن تنعدم به الرؤية المستقبلة أو على الأقل يقل وضوحها دون أن تكون هناك آلية للتخارج. فإن وجدت أمام أي إنسان فرصة استثمارية وجب الرد على ثلاثة أسئلة.

اضغط لتحميل تطبيق جريدة حابي

E-Bank

أولها متعلق بالأرباح المتوقعة نتيجة الاستثمار وثانيها عن الأخطار المحتمل حدوثها والتي قد تعطل أو تهدد التربح وآخرها هو كيفية وسهولة التخارج من الاستثمار في حالة وقوع تلك الأخطار أو عند رغبة صاحبه.

سبق واختبرت هروب مستثمر في صورة بنك عالمي كنت أتفاوض معه في زيادة رأس مال مشروع لشركة ناجحة جدًّا وبدت دراساته مغرية. كانت الإجابة على الأخطار المحتملة مقبولة ومرضية ولكن لم نستطع توفير آليات التخارج إن أراد المستثمر بعد سنوات من دخوله. وكان عليه أن أراد أن يبحث هو عن مشتر لحصته في تلك الشراكة. فكانت النتيجة عزوفه عن القرار وعدم رغبته في اقتناص تلك الفرصة الجيدة لعدم ضمان سهولة التخارج.

تنقسم أسواق المال إلى نوعين أو قسمين لا غنى للأول عن الآخر. فالسوق الأولية هي التي تطرح فيه أدوات الاستثمار للمرة الأولى والسوق الثانوية هي المكان الذي يمكن فيه بيع الأدوات المالية مرة أخرى. فبدون وجود سوق ثانوية نشطة يصعب وجود السوق الأولية لضغف فرض الإجابة عن السؤال الثالث المتعلق بالتخارج.

مثالان أعتقد أنهما في غاية الأهمية للاقتصاد. الأول يتعلق بالأوراق المالية والثاني يتعلق بالعقار الذي صار مكونًا أساسيًّا للناتج المحلي خاصة بعد تراجع السياحة نتيجة وباء كورونا.

السوق الأولية للاوراق المالية تتجسد في الاكتتابات والطروحات التي تقوم بها البنوك الاستثمارية عند رغبة فرد أو شركة أو حتى دولة في الحصول على رأس مال أو في الاستدانة والسلف من الجمهور. عندها يقوم البنك الاستثماري بتقديم الاستشارات الخاصة بأفضل السبل للتمويل ثم إجراءات اكتتاب الأوراق المالية للمرة الأولى مع الجهات الرقابية كهيئة الرقابة المالية ثم الطرح للجمهور والترويج للاكتتاب.

مقياس نجاح الاكتتاب يتمثل في إمكانية البنك الاستثماري في إقناع الجمهور بقيمة الشركة المصدرة للأداة المالية حتى يتمكن من بيع كل الأسهم أو السندات المصدرة وتوفير رأس المال أو الدين المطلوب للكيان المصدر لتلك الأدوات سواء كانت سهمًا يمثل الملكية أو سندًا يمثل الدين.

تمثل البورصات السوق الثانوية الضامنة لخروج أي مستثمر مالك لأسهم أو سندات ووجود تلك البورصات حافز رئيسي يشجع المستثمر دون الخوف من حبس أمواله في استثمار لا يمكن الخروج منه.

أما في حالة العقار فالإقبال على معظم العقارات هو إما لاحتياج لإشغال العقار أو لكونه أداة استثمارية تمثل مخزنًا للقيمة أفضل من الأموال السائلة التي قد تتآكل قيمتها بفعل التضخم.

المدن الجديدة مثال جيد فنسبة إشغال عقاراتها لا تتعدى الخمسين بالمئة بأي حال من الأحوال. لم يمنع ذلك شركات التطوير العقاري في إنشاء المزيد من المشروعات العقارية ومحاولة بيعها في السوق الأولية.

لم يكن هناك تحدٍّ أمام تلك الشركات في بيع مشروعاتها على ثلاث وأربع سنوات. بفعل عوامل كثيرة ارتفعت أسعار العقارات واضطرت شركات التطوير إلى مد فترات السداد حتى سبع وعشر سنوات. قلت إمكانية بيع العقار بعد اقتنائه نظرًا لوفرة المعروض الجديد فأصبح محبسًا للقيمة بالإضافة لكونه مخزنًا لها.

من وجهة نظري حبس رؤوس أموال ضخمة في عقارات مبنية وغير مستغلة هو ضار بالاقتصاد ومع الوقت سيقلل من رغبة المستثمرين الذين لا يحتاجون لاستغلال تلك الوحدات بل يتخذون منها أدوات للاستثمار مما سيؤدي إلى ركود القطاع ثم انكماشه وبالتالي إلى التأثير سلبًا على إجمالي الناتج المحلي.

تحتاج شركات تطوير العقارات إلى أن تدرك خطورة استمرار نفس نوع المنتج النهائي لنفس العملاء وتغير من التركيبة النوعية للعقارات لتقدم المسكن لشرائح أخرى أقل دخلًا تحتاج لاستغلال العقار. تلك الشرائح تمثل طلبًا حقيقيًّا أكثر استدامة وإن قل هامش الربح المتوقع منها عن الفئات الأعلى ثروةً.

كما تحتاج شركات التطوير العقاري وأجهزة الدولة إلى تنشيط السوق الثانوية على العقار بإتاحة أدوات تمويل طويلة الأجل بفائدة مناسبة مثلًا لتحفيز الشراء من السوق الثانوية.

أيضًا يحتاج القطاع كما يحتاج ملاك العقارات الحبيسة في قانون الإيجار القديم إلى مخرج عادل مما سيصب بالتأكيد في مصلحة السوق فليس من المعقول أن تكون قيمة إيجار وحدات سكنية شهريًّا أقل من قيمة استهلاك شاغلها اليومي من الخبز .

أخيرًا يمكن للبنوك الاستثمارية ابتكار واستحداث أوراق مالية وصناديق استثمار مبنية على الثروة العقارية وتداولها في البورصات الخاصة بالأوراق المالية لإيجاد آليات مناسبة للدخول والخروج للراغبين في الاستثمار بالعقار دون إشغاله.

خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي

الرابط المختصر