بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ مصر أم الدنيا ولها فضل على كثير من مدن وعواصم العالم كباريس وروما وغيرها من البلدان التي تتباهى بما تستضيف من آثارنا التي تزين ميادينها وشوارعها. كما تشغل الآثار المصرية أهم الأقسام وأكثرها ازدحامًا بأهم وأكبر متاحف العالم كالمتحف البريطاني واللوفر والمتروبوليتان وغيرها.
كل يوم يكشف الستار عن الجديد من الآثار التي تم العثور عليها وآخرها ومن أجملها ما عثرت عليه البعثة الخاصة بمنطقة سقارة من مومياوات داخل توابيت عليها نقوش غاية في الجمال والروعة قاومت الزمن واحتفظت بألوانها زاهية آلاف السنين.
تاريخ مصر غني بالعلوم والعمارة والجمال والحكمة والفن والفلسفة ولا يزال ملهمًا لإبداعات كثيرة من موسيقى وسينما ودراما وحتى الألعاب الإلكترونية . ما زال هناك الكثير من الإثارة والجدل والأسرار حول كيفية وصول الأجداد لتلك الإبداعات في مجالات عديدة كالعمارة والتحنيط على سبيل المثال لا الحصر وبحوث لا تتوقف لكشف تلك الأسرار. في أعظم الجامعات بالعالم قسم لعلم المصريات وهو العلم الوحيد الذي له اسم مرتبط ببلد نحن بكل فخر ننتمي إليها.
كان هناك حلم مصري ببناء متخف يضاهي أكبر المتاحف في العالم حتى نتمكن من عرض تلك الاكتشافات وكل هذا الجمال إذ ضاق المتحف المصري بميدان التحرير بتلك المقتنيات الثمينة والغالية المكدسة بأروقته.
بذلت الدولة وعلى رأسها وزارة الآثار مجهودات خارقة وأموال طائلة حتى تتمكن من تحقيق ذلك الحلم الرائع والذي سيعود على مصر بلا شك بفوائد ثقافية واقتصادية جمة. أوشك المتحف على الانتهاء وحان الوقت لنقل الآثار من المتحف القديم للمتحف الجديد.
تم الاتفاق على موكب مهيب لنقل التوابيت الملكية فلا يليق بملوك وملكات مصر أن يمروا بالشوارع دون الاحتفال اللائق بهم بحسب العظمة والحضارة التي اشتهروا بها.
لا أعرف من صاحب فكرة الموكب الملكي لنقل المومياوات لكنها فكرة غاية في الروعة والجمال. ويبدو أن ساعة الصفر قد اقتربت وكثر الكلام بالصحف ووسائل الإعلام على الحدث. ثبتت تلك الأخبار رؤية ناقلات التوابيت الملكية بميدان التحرير منذ أيام وملأت صورها الجميلة مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يفصح وزير الآثار حتى الآن عن موعد أو تفاصيل الموكب الملكي لنقل الممياوات الملكية من ميدان التحرير لميت رهينة. ولا أعلم إن كان قد تحدد ذلك الموعد أم أن الظروف المتعلقة بوباء كورونا هي السبب وراء عدم إعلانه . وددت أن أستغل الفرصة وأسرد عددًا من الأهداف المرجوة من ذلك الحدث الذي يحتاج لتنظيم يجب أن تتكاتف فيه جميع أجهزة الدولة والإعلام والشعب.
أولًا: يمكن أن يكون الموكب الملكي حدثًا ضخمًا يجذب سائحين من كل أنحاء العالم ويمكن مقارنته بأفراح الملوك والأمراء بإنجلترا مثلًا. لذلك يجب أن نختار موعده بعناية حتى لا نضيع فرصة بهذا الحجم دون الاستفادة منها. لذلك ونحن في بداية الموجة الثانية من وباء كورونا أشك في حضور سائحين لمتابعة الموكب وأرجو من المسؤولين عن الحدث تأجيله والإعلان قبله بفترة كافية حتى يمكن للسياحة أن تستفيد ولا يجب بأي حال من الأحوال أن يظل سرًّا بكل تفاصيله بل يجب الإعلان عنه بمنتهى الشفافية.
ثانيًا: نحتاج بشدة لاستخدام هذا الحدث في استرجاع هويتنا المصرية التي تم اختزالها بتعاليم وعادات وملابس وحتى مفردات قدمت إلينا من الشرق ولم تضف لتلك الهوية بقدر ما شوهتها. فعظمة الأجداد وثقافتهم والإلمام بها مصدر إلهام للعالم ونحن كمصريين أولى بما تركوه لنا من تراث وكنوز تعكف أكبر الجامعات بالعالم على دراستها. لذلك ينبغي للإعلام أن يكشف تفاصيل ذلك الموكب بكل ما يخطط له من فن وجمال مصاحب والترويج له جيدًا داخليًّا قبل الخارج.
ثالثًا: يحتاج العالم إلى الجمال والإيجابية بعد عام مليء بالإحباط والكوارث الاقتصادية والمعارك السياسية جراء وباء كورونا وقد يكون هذا الموكب أحد الفرص التي تخرج البشر من الواقع الأليم إلى حدث جميل وإيجابي.
رابعًا: في أحداث بتلك الضخامة ينبغي لمصانعنا وصناع الحرف اليدوية والتقليدية إنتاج الهدايا التي تحمل تذكارًا لتلك الحدث وتكون بداية للرواج الذي افتقدوه طوال العام الماضي بسبب وباء كورونا.
السياحة مكون أساسي للناتج المحلي وإن تعطل بفعل وباء كورونا. لو اختير الوقت الأنسب لموكب المومياوات الملكية لاستطعنا تحقيق أعظم الأهداف السياحية والاقتصادية والثقافية والمعنوية. لذلك أرجو أن يمر الحدث في الوقت المناسب وبالتخطيط السليم والإفصاح اللازم كما يليق بالملوك وليس مرور الكرام.
خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي