شريف سامي يكتب.. عام التوسع والتنوع في أدوات التمويل

بقلم شريف سامي خبير مالي ورئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية _ مع الانحسار التدريجي في عدد من دول العالم ومن ضمنها مصر لآثار جائحة فيروس كورونا المستجد والإجراءات الاحترازية -المربكة اقتصاديًّا- المصاحبة لها، من المتوقع أن تشهد القطاعات المالية وإصدارات أدوات التمويل في مصر طفرة كبيرة خلال عام 2021. ليس فقط في قيمتها ولكن أيضًا في تنوعها طرح المستحدث منها.

ومنذ الربيع الماضي بدأ التصاعد الكبير في اللجوء للأسواق المالية من خلال أدوات الدين لمواجهة متطلبات التمويل الإضافية الناتجة عن ارتفاع العجز في موازنات الدول بسبب تأثر إيراداتها وتوسعها في برامج الدعم الاجتماعي.

E-Bank

ولم تتخلف عن هذا التوجه الكثير من الشركات الكبرى والتي أغراها انخفاض أسعار الفائدة ومن ثم تكلفة الاقتراض في الكثير من الدول. ويبدو أن الوتيرة في ازدياد، حيث تشير أرقام شهر يناير 2021 إلى أن ما طرحته الحكومات والشركات في الاقتصادات الناشئة من أدوات دين في خلال الأسابيع الأولى من العام الجديد ناهز 115 مليار دولار، وهو رقم قياسي تاريخي.

ولاشك أن هذا التنافس يفرض تحديات على مصر في سعيها لاستقطاب رؤوس الأموال لسنداتها السيادية بالعملة المحلية أو بالعملات الأجنبية، وبدرجة أقل فيما يخص أدوات الدخل الثابت لمنشآت الأعمال.

ويدعمنا في هذا الصدد التطور في أسعار وثائق مبادلة مخاطر الائتمان لسندات مصر السيادية، التي يشتريها المستثمرون لتلافي خطر إخفاق دولة ما عن سداد التزاماتها بشأن سندات مصدرة. حيث شهدت انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بما كانت عليه في شهر مارس من العام الماضي. وهو ما يعبر عن زيادة ثقة المؤسسات المالية العالمية ورؤيتهم للمخاطر المرتبطة بمصر، لكون العائد المنتظر على الاستثمار في سندات دولية أو محلية يرتبط عكسيًّا بمعدلات الخطر.

تابعنا على | Linkedin | instagram

ومحليًّا شهدت السوق خلال عام 2020 زيادة في لجوء الشركات للتمويل غير المصرفي من خلال إصدار أدوات دين، شجعها على ذلك التخفيض المتتالي لسعر الفائدة خلال العام، إضافة إلى التنوع في الأدوات المالية التي أتاحتها التشريعات المنظمة لسوق المال خلال السنوات الأخيرة.

حيث تم تنفيذ أكثر من إصدار لسندات التوريق وكذا ظهر ولأول مرة في مصر إصدار لسندات قصيرة الأجل طرحتها إحدى شركات المجموعة المالية هيرمس. ولم يقتصر الأمر على الشركات بل امتد إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التي طرحت سندات توريق بقيمة 10 مليار جنيه بآجال تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات.

ومن المتوقع أن يشهد العام الجديد تنويعًا واستحداثًا لأدوات مالية جديدة في مصر، سعيًا لتعزيز جاذبية السوق والتعامل مع المنافسة الحادة من أسواق ناشئة أخرى مع استهداف تكلفة تمويل مقبولة أو منخفضة نسبيًّا. ونتناول أهمها فيما يلي:

سندات العائد المتغير

نرى مناسبة تنويع أدوات الدين الحكومية التي تصدرها وزارة المالية، حيث إن منظومة السندات السيادية التي تصدرها الخزانة العامة تنقصها حاليًا نوعية السندات متغيرة العائد المرتبطة بمعدلات التضخم. والتي لا توزع عائدًا ثابتًا، كما اعتدنا، ولكن يتغير العائد الذي يصرف دوريًّا لحملة السندات وفقًا لمعادلة ترتبط بمعدلات التضخم.

وتسمى هذه السندات في المملكة المتحدة بالسندات المرتبطة بالمؤشر، حيث يتحرك الكوبون مع مؤشر أسعار التجزئة في المملكة المتحدة صعودًا وهبوطًا. وتسمى في الولايات المتحدة “سندات الخزينة المحمية من التضخم”.

والميزة هنا أنها تساعد الحكومات على الحصول على تمويل بآجال معقولة دون التعرض لمخاطر الاستمرار في سداد عائد مرتفع عند انخفاض معدلات التضخم وبالتالي الفائدة لاحقًا. وبالمثل فإنها تحمى المستثمر عند شراء سندات لمدة خمس أو سبع سنوات مثلًا في أوقات تكون فيها معدلات التضخم والفائدة متدنية نسبيًّا، ثم تحدث ارتفاعات لاحقة مما يترتب عليه تحقيقه لخسارة رأسمالية؛ حيث ينخفض سعر السندات لكي يكون الكوبون منسوبًا لسعر السند في السوق محققًا معدلات العائد الجديدة التي طرأت.

ولا تقتصر تلك النوعية من السندات على الحكومات، إذ يمكن أن تكون مناسبة بدرجة كبيرة للبنوك وغيرها من مؤسسات التمويل، والتي تحرص على توافق أسعار إقراضها للعملاء، والتي عادة ما تكون متغيرة مرتبطة بكوريدور، مع تكلفة حصولها على التمويل لا سيما متوسط وطويل الأجل. وآمل أن نرى خلال 2021 بداية إصدار سندات متغيرة العائد.
 
السندات الخضراء

التمويل الأخضر أو المتوافق مع البيئة ومن ضمنه سندات المناخ أو السندات الخضراء، ظهر عالميًّا في سياق المساعي الدولية للانتقال إلى اقتصاديات أكثر رفقًا بالبيئة، وهي تعد أدوات تمويل مشروطة باحترام معايير بيئية تهدف إلى استعمال الطاقات النظيفة والتخفيف من العوامل التي تسهم في ارتفاع حرارة الأرض، ودعم مجهودات التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها.

الإصدار الأول للسندات الخضراء جاء في سنة 2007 من طرف البنك الأوروبي للاستثمار بقيمة 600 مليون يورو، ليتسارع بعد ذلك اللجوء إلى هذا النوع من السندات من طرف المؤسسات الحكومية وامتد إلى القطاع الخاص مع تزايد الوعي بمخاطر التغيرات المناخية والانخراط المتزايد للقطاع الخاص في مكافحة آثارها.

ويشار إلى أنه خلال عام 2020 طرحت إصدارات لسندات خضراء عالميًّا بقيمة تتجاوز 300 مليار دولار بارتفاع نسبته 13% مقارنة بالعام السابق عليه.

وتقدر وكالة بلومبرج أن مجموع قيمة إصدارات تلك السندات منذ بدايتها عام 2007 ناهز التريليون دولار. وهو ما تنبهت له وزارة المالية فخاضت في هذا المجال بأول إصدار لسندات سيادية دولارية خضراء بلغت قيمتها 750 مليون دولار. وأتصور ستليها إصدارات أخرى.

ولعل أهمية التمويل الأخضر، ووجود صناديق ومؤسسات مالية متخصصة فيه، يدفعنا في مصر لاستهداف جذب بعضها، لا سيما أن موقعنا الجغرافي وحجم اقتصادنا يؤهلنا لنكون من مكونات تلك المحافظ التمويلية. وإلا نكون قد أهدرنا فرصة استقطاب بعض تلك التمويلات والتي قد تكون بشروط أيسر نسبيًّا وفى جميع الحالات مفيدة للمشروعات التي تمولها. وأعتقد سنرى في مصر مصارف كبرى تلجأ إلى إصدار سندات خضراء في الأسواق الخارجية توجه لتمويل مشروعات تتوافق مع اشتراطات البيئة والحد من الانبعاثات.

ولا يفوتنا أن نذكر أن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي أعلنت منذ أيام قليلة عن إطلاقها لمبادرة «تمكين وتعزيز قدرة القطاع المالي لتقديم التمويل المتوافق مع البيئة» للعمل مع البنوك في أربع دول من بينها مصر، سعيًا للوصول بالتمويل لمشروعات «خضراء» أو متوافقة بيئيًّا لما يقارب من 30% من محفظة الإقراض لدى تلك البنوك.

الصكوك

بلغ إجمالي قيمة الصكوك التي طرحت عالميًّا خلال العام الماضي نحو 172 مليار دولار، وتتنوع بين تلك التي أصدرتها حكومات أو مصارف أو شركات. فالصكوك والتي تصدر متوافقة مع الشريعة الإسلامية -وفقًا لما تقر به هيئة رقابة شرعية- تجذب شريحة لا يمكن تجاهلها من المستثمرين المؤسسيين من صناديق وشركات تأمين ونظم تقاعد وغيرها من تلك التي تمنعها سياساتها الاستثمارية من توجيه أموالها لأدوات ذات دخل ثابت مثل السندات وأذون الخزانة.

كما أنه محليًّا توجد لدينا العديد من شركات التأمين التكافلي والبنوك التي تعلن عن عملها وفقًا لإطار يتوافق مع الشريعة، من المفترض أن تقبل على الصكوك عند البدء في إصدارها.

وفى ضوء التعديلات التي استحدثت بقانون سوق رأس المال في مصر شهدنا أول إصدار لإحدى الشركات العقارية الكبرى في الربيع الماضي، وفي ديسمبر الماضي طرحت شركة في مجال الخدمات التعليمية صكوكًا بقية 600 مليون جنيه. ومن المنتظر أن تستقبل السوق إصدارات مماثلة من أكثر من شركة خلال الأشهر القادمة.

وفى نفس المضمار واستكمالًا لتنويع أدواتها المالية، انتهت وزارة المالية بمصر من إعداد أول مشروع قانون لتنظيم إصدار وتداول الصكوك السيادية، والذي يناقشه حاليًا مجلس النواب. وأحالته لمجلس الوزراء للنظر في الموافقة عليه وعرضه على مجلس النواب. لذا نتوقع أن تصدر مصر خلال النصف الأول من هذا العام أول صكوك سيادية تستخدم في تمويل مشروعات بالموازنة العامة للدولة.

الرابط المختصر