ماهر عشم يكتب.. الاستثمار والإقراض المفترس

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ طالعتنا الصحف الأسبوع الماضي بأخبار عن شخص جمع ما يزيد على المليار ونصف المليار جنيه من أهالي مدينتي بني مزار ومغاغة بمحافظة المنيا بحجة الاستثمار في الرخام.

قصص كثيرة غير موثقة وليست رسمية حتى الآن حول عدد ضحايا هذا الشخص ولكن من المؤكد أن بعضًا من هذه الأموال كانت حصيلة بيع عقارات وأراضٍ وجاء البعض الآخر عن طريق قروض سواء من البنوك أو من جمعيات وشركات التمويل متناهي الصغر.

E-Bank

المصدر الثاني يكبر من حجم المشكلة والخسائر لأن معنى عدم حصول المودعين على أموالهم من ذلك الشخص هو أنهم سيتعثرون في السداد إلى البنك.

هذه ليست المرة الأولى التي يطل علينا مستريح جديد من خلال تفاقم الأزمة وتداولها عن طريق الإعلام بداية من السعد والريان حتى انتهى بنا المطاف إلى حادثة الأسبوع الماضي.

أما عن الدافع الذي يقنع كثيرين منهم ممن هم في وظائف مرموقة وعلى قدر عال من الوعي والتعليم فهو الرغبة في استثمار يحقق عائدًا خياليًّا سرابيًّا غير واقعي.

ينجح النصاب في تحقيق العائد للبعض في المراحل الاولى بصورة وهمية لأنه يصرف هذا العائد الذي قد يصل إلى ثلاثين وأربعين بالمئة من أموال المودعين الجدد. حتى تعجز المنظومة وينكشف النصاب وحينئذ قد يكون هرب هو وبعض أمواله بعيدًا عن طائلة القانون.

والطمع هو أحد القوتين اللتين تحركان أسواق المال المحلية والعالمية. فما بين الطمع والخوف مسافة طويلة يتخللها الطموح والأمل والحذر إلى آخره من درجات تتحكم في دوافع المتعاملين بالأسواق وبالتالي قوى العرض والطلب اللتي تؤدي إلى ارتفاع الأسواق أو انخفاضها.

أود أن أتوقف في أحداث ذلك المشهد المتكرر عند القسم الذي اقترض حتى يستثمر أمواله عند هذا الشخص الجديد الشهير بمستر حسين. فالإقراض مهنة لها ضوابط وقواعد صارمة بل ولها أخلاقيات إن لم توجد لدى موظفي ومؤسسات الائتمان وجب فرضها بالقانون حتى نحمي المتعاملين مما يسمى بالإقراض المفترس (Predatory Lending ) .

والإقراض المفترس هو مصطلح يعني يعني فرض شروط تعسفية ذات ممارسات احتيالية وجائرة على المُقترض بما يعرضه لأخطار مالية جانبية مقابل الحصول على القرض.

يشمل الإقراض المفترس أي إجراءات يقوم بها المقرض لإغراء المقترض أو حمله أو مساعدته في الحصول على قرض يحمل رسومًا مرتفعة أو نسبة فائدة مرتفعة قد تؤدي إلى تعثره وتجريد المقترض من ممتلكات قد تستخدم كضمان للقرض أو يضع المقترض في تصنيف ائتماني منخفض لصالح المقرض.

الإقراض المفترس يفيد المقرض ويتجاهل أو يعوق قدرة المقترض على سداد الدين. يحاول ممارسو هذا النوع من الإقراض في أغلب الأحيان الاستفادة من افتقار المقترض إلى الثقافة والمعرفة المالية التي تمكنه من الفهم أو الإلمام يما يتعلق بالقروض والشروط المصاحبة لها.

قد تلجأ الناس إلى هذا النوع من القروض لعدم إمكانية تلبية احتياجاتهم المالية من البنوك في وقت مناسب لهم أو عدم وجودهم تحت مظلة الشمول المالي مما يدفعهم إلى الاقتراض من جهات غير رسمية.

إلا أن الاقتراض المفترس كثيرًا ما يمارس من بعض موظفي المؤسسات المالية والبنوك الواقعة تحت الرقابة عن طريق الإلحاح والتسهيلات غير العادية حتى يتمكن موظف من تحقيق الهدف البيعي الموضوع له من رؤسائه.

من ممارساته أيضًا عدم الشفافية في طريقة احتساب الفائدة ونسبة الرسوم المفروضة على القرض إلى آخره. يضاف إلى ما سبق عدم مراعاة النسبة بين دخل الشخص ومصروفاته والقسط المطلوب حتى ينتهي الأمر به إلى العجز عن السداد نتيجة الخلل في تلك النسبة أيضًا.

ظهرت مؤخرًا مؤسسات مالية كثيرة في مجالات التمويل متناهي الصغر والتمويل الاستهلاكي وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى نتجنب الإقراض المفترس وأضراره وممارساته يجب مراعاة الأمور التالية وإجبار تلك المؤسسات عليها:

1 – الشفافية التامة خاصة فيما يتعلق بالفائدة والرسوم وجدول الأقساط. ويجب توحيد طريقة احتساب الفائدة المعلنة للعميل بإلزام مقدمي التمويل باستخدام طريقة موحدة لحساب معدل النسبة السنوي (APR) لعقود التمويل ذات الدفعات الشهرية مثل التمويل الشخصي وذلك بهدف تمكين المستفيدين من مقارنة التكلفة الفعلية للمنتجات التي تقدمها البنوك وشركات التمويل على حدّ سواء.

هذا مؤشر متعارف عليه دوليًّا كأداة للإفصاح عن التكلفة الفعلية للتمويل ويدخل في حسابه التكاليف والرسوم الإدارية كافة، ويكون ذلك وفق معادلة رياضية ثابتة بحيث تكون معدلات النسب السنوية التي تعلن عنها جهات التمويل مبنية على نفس الأساس ويمكن مقارنتها بسهولة وشفافية.

2 – توعية المقترضين وزيادة ثقافتهم ومعلوماتهم المالية عن طريق فيديوهات قصيرة تشرح تلك الأمور لهم بطريقة مبسطة وتنشر على مواقع الجهات الرقابية ومقدمي التمويل.

3 – تعريف وتجريم تلك الممارسات بالقانون ومحاسبة المؤسسات والأفراد التي تعمل في المجال طبقًا لتلك التعريفات.

4 – الرقابة المستمرة على إعلانات ومواقع المؤسسات المالية للتأكد من معايير الشفافية وتوحيد أدوات الإفصاح تجنبًا لوقوع المستهلك في تلك الممارسات.

التمويل عماد النمو الاقتصادي وهو مجال سريع النمو في مصر ويجب علينا التأكد من نزاهة وشفافية ممارساته تجنبًا لأي مشاكل قد تنتج عن طمع المؤسسات التي تعمل به.

الرابط المختصر